لماذا التنافر بين المؤمنين!
محاور الموضوع ألرئيسة:
1- واقع الحال.
2- الأخ ذخيرة الدنيا والآخرة.
3- العداوة محبطة للأعمال.
الهدف:
تسليط الضوء على حال العلاقة بين المؤمنين، ثم إظهار الحفاظ على الصداقات على أسس صحيحة، ثم بيان وخامة الخصومات والعداوات في الدنيا والآخرة.
تصدير الموضوع:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إخوان الصدق في الدنيا خير من المال يأكله ويورّثه. لا يزدادنّ أحدكم في أخيه زهداً، ولا يجعل منه بديلاً إذا لم يَرَ منه مرفقاً أو يكون مقفوراً من المال".1
واقع الحال:
في نظرة المتأملين إلى حال بيئتنا، وإلى علاقة الأفراد من رافعي شعار الولاء والإيمان، يصل المرء إلى خلاصة مرّة، وهي أنّ حال الإلفة والمحبّة والتوادّ المرجوّة والمتأمّلة قليلة ونادرة. وأنّ المعايير النفعية والآنية القائمة على النظرة الفردية المحضة قد أخذت طريقها في احتكام الناس إليها واعتمادهم عليها في علاقاتهم فيما بينهم. ترى حزن أحدهم ليس حزناً لأخيه، وفرح أحدهم ليس فرحاً للآخر، ترى كل فرد يغوص في خصوصياته وشؤونه الشخصية البحتة، ولا يعنيه كثيراً، ما الحال الذي بات عليها أخوه، والشأن الذي أصبح عليه. مع أنّ إمامنا الذي ننتسب إليه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، يقول كما ورد عنه: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد. إنْ اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة".2
ونجد أنّ التناصح والتراشد باتت عملة نادرة في أوساط مجتمعنا، مع أنه ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه، ولا يعدِه عِدَة فيخلفه".3
ونرى مع كل أسف أنّ الظنّ السيّء قد ساد فيما بين رافعي شعار الولاء والإيمان، إلى درجة أنّ التنافر وانعدام أو ضعف الإلفة أصبح منتشراً إلى حدٍّ مخيف. رغم أنه ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: "إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد".4
وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام: "لكلّ شيء شيءٌ يستريح إليه. وإنّ المؤمن يستريح إلى أخيه كما يستريح الطائر إلى شكله".5
الأخ ذخيرة الدنيا والآخرة:
مؤالفة المؤمنين والسعي لاكتساب ودّهم من المسائل التي ندب إليها المأثور. فقد ورد في وصايا لقمان الحكيم لابنه: "يا بني، اتخذ ألف صديق، والألف قليل. ولا تتخذ عدواً واحداً، والواحد كثير".6
وقد ورد نظيره شعراً يُنسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
عليك بإخوان الصفاء فإنهم عمادٌ إذا استنجدتهم وظهورُ
وليس كثيراً ألف خِلٍّ وصاحبٍ وإنّ عدواً واحداً لكثيرُ 7
وفي الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "استكثروا من الإخوان، فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة".8
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "عليك بإخوان الصدق، فإنهم عُدّة عند الرخاء، وجُنّة عند البلاء".9
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "عليك بإخوان الصدق، تَعِش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء، وعُدة في البلاء".10
وفي تفسير قوله تعالى حكاية عن أهل النار: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾11، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "أكثروا من الأصدقاء في الدنيا، فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة.أما في الدنيا: فحوائج يقومون بها، وأما في الآخرة: فإنّ أهل جهنم قالوا: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾.12
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أكثروا من الإخوان، فإنّ ربكم حييّ كريم، يستحيي أنْ يعذّب عبده بين إخوانه يوم القيامة".13
العداوة محبطة للأعمال:
كما أنّ للصداقة آثارها في الدنيا والآخرة كما رأينا، فإنّ للعداوة آثارها كذلك: في الدنيا، فإنها تزرع الضغينة والكراهية والبغضاء، وتفرّق بين المؤمنين وتجعلهم على خلاف ما تقتضيه حقيقة الإيمان.
وفي الآخرة، فإنها تجعل صاحبها يخسر كل رهاناته التي يبنيها على سعيه ودأبه في سبيل تحصيل الأجر والثواب من الأعمال الصالحة، فإنّ التنافر والتعادي تحبط عمل المؤمن، ويرى حسرته في ذلك يوم القيامة. وفي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام "إذا قال المؤمن لأخيه أفّ، خرج من ولايته. وإذا قال: أنت عدوي، فقد كفر أحدهما، لأنه لا يقبل الله من أحدٍ عملاً في تثريب على مؤمن نصيحةً، ولا يقبل من مؤمن عملاً وهو يضمر في قلبه على مؤمن سوءاً. ولو كشف الغطاء عن الناس فنظروا إلى ما وصل ما بين الله وبين المؤمن، خضعت للمؤمن رقابهم، وتسهّلت لهم أمورهم، ولانت لهم طاعتهم".14
والحديث ينقله أبو حمزة الثمالي صاحب دعاء السحر المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي.
والخلاصة التي نحصّلها ويمكن أنْ تنفعنا في هذا المقام، هي: أنّ اتخاذ الصديق واستكثار الإخوة، واصفاءهم الودّ من العوامل التي تعين وتنفع في الدنيا وفي الآخرة.
وإنّ معاداة المؤمنين والنفور منهم، وبثّ الفرقة والجفاء معهم، هو من العوامل الباعثة على الذلّ والضعف والشعور بالوحدة والغربة في الدنيا، ومن محبطات الأعمال والخسران والخلود في النار في الآخرة.
1- كتاب الزهد للحسين بن سعيد الأهوازي، ص37، ح98.
2- محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الكافي، ج2، ص166، ح4.
3- نفس المصدر، ج2، ص166، ح3.
4- كتاب (النوادر) للقطب الراوندي، ص8.
5- العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار، ج74، ص234، ح30.
6- كتاب (الأمالي) للشيخ الصدوق، ص766، ح1032.
7- كنز الفوائد لأبي الفتح الكراجكي، ج1، ص98 والديوان المنسوب لأمير المؤمنين، ص207.
8- كنز العمال للمتقي الهندي، ح24642 ومصادقة الإخوان للشيخ الصدوق، ص150، ح1، بدون عبارة. (يوم القيامة).
9- تحف العقوللابن شعبة الحرّاني، ص368.
10- كنز العمال، ح24823.
11- سورة الشعراء، الآيتان: 100- 101.
12- مصادقة الإخوان، ص149، ح1.
13- الزمخشري في كتاب (ربيع الأبرار ونصوص الأخبار)، ج1، ص428.
14- كتاب (المؤمن) للحسين بن سعيد الأهوازي، ص72، وكتاب (المحاسن) للبرقي، ج1، ص184، والكافي/ ج8، ص265.