بحماية البيئة حماية الحياة
محاور الموضوع ألرئيسة:
1 ـ في البيئة مصادر الحياة.
2 ـ لا تُفسدوا ما أصلح الله لكم.
3 ـ من قواعد حماية البيئة.
الهدف:
بيان مدى اهتمام الإسلام بالبيئة التي بها استقامة الحياة للبشرية جمعاء، ثم بعض قواعد حماية هذه البيئة.
تصدير الموضوع:
عن أبي عبد الله عليه السلام : "إزرعوا واغرسوا، فلا والله، ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه"1 .
في البيئة مصادر الحياة
البيئة بحسب تعريفات معاجم العلوم الطبيعية هي "الإطار الذي يمارس فيه الإنسان حياته وكافة أنشطته المختلفة، فهي الأرض التي نعيش عليها، والهواء الذي نتنفّسه، والماء الذي هو أصل كلِّ شيء حيّ. بالإضافة إلى كلّ ما يحيط بنا من موجودات، سواء أكانت كائنات حيّة أو جماداً"2 . فالبيئة تمثّل لنا مصادر الحياة كلها، من الغذاء إلى الماء إلى الهواء، إلى السكن والتنقّل والتواصل، إلى مصادر الجمال الطبيعي وإمكانيات محاكاته بالصوت والصورة الحية والجامدة واللون وما سوى ذلك. فلا يختلف عاقلان في ضرورة حماية هذه البيئة بما تحوي من تلك العناصر، التي بها قوام الحياة، ووجوب اللجوء إلى التسالم على مجموعة من القواعد والضوابط، وضرورة الالتزام بتطبيقها، والعمل على ترويج الثقافة التي تضمن وعي الناس لأهميتها واندفاعهم باتجاه حمايتها والمحافظة عليها.
البيئة كلها لله
ذكرت الآيات القرآنية الكريمة أن السماوات والأرض التي خلقها الله، إنما هي له تعالى، يقول سبحانه: ﴿تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾3 بعد التسليم بأنّ السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى هي لله تعالى، نخلص إلى حقيقة أخرى، وهي أنه سبحانه جعلها مسخّرةً للإنسان تؤمّن له عوامل استقامة الحياة واعتدالها وتوازنها، شرط أنْ يعمل فيها وفق ما أمر سبحانه، حيث كانت البيئة معطاءةً فيما مضى، ومكّنت الناس من العيش السويّ، وهي تظل كذلك ما دام الإنسان يعاملها بما أمر الله من التوازن والاهتمام، وعدم الإفساد فيها، يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ 4.
وقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ 5.
وقال في مكان آخر: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾6 .
والآيات التي تدلّ على تسخير كل شيء في السماوات والأرض وتذليله ليكون بأمر الإنسان يستفيد منه في استقامة معاشه، كثيرة ليست هنا محل الاستفاضة فيها.
لا تفسدوا ما أصلح الله لكم
بعد أنْ تُبيّن الآيات أنّ الخلقَ مسخرٌ للإنسان، بيّن سبحانه أنّ ذلك بشرطين
1 ـ الشكر له سبحانه، من خلال طاعته وحصر التشريع به سبحانه.
2 ـ أنْ نحمي البيئة ولا نفسد فيها، نصلحها بحيث نستفيد منها بشكل يحفظ حق الآخرين من المعاصرين ومن الأجيال الآتية بالاستفادة من هذه البيئة بكلّ عناصرها.
قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾7 .
وقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾8 .
نقل صاحب الميزان عن "الدر المنثور" للسيوطي، عن السدّي، أنّ الآية نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله في المدينة وقال: جئت أريد الإسلام والله يعلم إني لصادق، فأعجب النبي صلى الله عليه وآله ذلك منه، فذلك قوله: "ويشهد الله على ما في قلبه" ثم خرج من عند النبي، فمرّ بزرع لقومٍ من المسلمين وحُمُرٍ، فأحرق الزرع وعقر الحُمُر، فأنزل الله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ﴾ 9.
قال في الميزان "ويهلك الحرث والنسل"، ظاهره أنه بيان لقوله تعالى ليفسد فيها، أي يفسد فيها بإهلاك الحرث والنسل. ولما كان قوام النوع الإنساني من حيث الحياة والبقاء بالتغذي والتوليد، فهما الركنان القويمان اللذان لا غناء عنهما للنوع في حال: أما التوليد، فظاهر. وأما التغذي، فإنما يركن الإنسان فيه إلى الحيوان والنبات، والحيوان يركن إلى النبات. فالنبات هو الأصل ويُستحفظ بالحرث وهو تربية النبات. فلذلك، علّق الفساد على الحرث، والنسل، فالمعنى أنه يفسد في الأرض بإفناء الإنسان وإبادة هذا النوع بإهلاك الحرث والنسل" 10.
من قواعد حماية البيئة: عدم سدّ الطريق
كما سبق، فإنّ كلّ ما في البيئة يتصل بحياة الإنسان، ومن ذلك الطريق التي يسلكها الناس، فلا يجوز التعدّي عليها، بالتضييق على المارّة وعلى السيارات ولا بوضع شيء في طريقهم، فضلاً عن حرمة إغلاقها وسدّها بوجه المارة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ثلاث ملعون من فعلهنّ؛ ... وسادّ الطريق المسلوك"11 .
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام في تفسير الذنوب التي تعجّل الفناء: "قطيعة الرحم وسدّ طريق المسلمين" 12.
وفي المقابل فإنّ رفع الأذى عن الطريق من القربات، فعن النبي صلى الله عليه وآله: "من أماط عن طريق المسلمين ما يؤذيهم كتب الله له أجر قراءة أربعماية آية، كلّ حرف بعشر حسنات"13 .
1-وسائل الشيعة، ج13، ص192، ح1.
2-الدكتور ممدوح حامد العطيّة في كتاب (إنهم يقتلون البيئة)، ص17.
3- طه: 4 ـ 6.
4- النحل: 14 ـ 15.
5- النحل: 10.
6- النحل: 12.
7- البقرة: 60.
8- البقرة: 204 ـ 205.
9-البقرة: 205، السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان، ج2، ص82.
10-الميزان، ج4، ص79 ـ 80.
11-وسائل الشيعة، للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، ج25، باب 25، من أحكام الخلوة، ح4.
12-وسائل الشيعة، باب 15، من أحكام الخلوة، ح5.
13-الشيخ محمد باقر المجلسي، في بحار الأنوار، ج72، ص49.