محاور الموضوع ألرئيسة:
1- تاج المكارم.
2- أركان العفو.
3- كُن جميل العفو.
4- من آثار العفو.
5- عفو جامع للشرائط.
الهدف:
بيان ما للعفو والصفح بين الناس من قيمة معنوية، ومن آثار إيجابية على صاحبه في الدنيا والآخرة، وقبل ذلك بيان حقيقة العفو. وذكر مثال عن الإمام زين العابدين عليه السلام .
تصدير الموضوع:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا عنّت لكم غضبة فادرؤوها بالعفو؛ إنه ينادي منادٍ يوم القيامة: من كان له على الله أجر، فليقم. فلا يقوم إلا العافون. ألم تسمعوا قوله تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) .1
تاج المكارم:
قال اللغويون إنّ العفو هو المعروف، أي أنّه من فعل المعروف، قال الخليل: "العفو: المعروف، وقال: هو تركك إنساناً استوجب عقوبة فعفوت عنه، والله العفوّ الغفور" .2
ومن شدّة وضوح المعروف في العفو، كان المصداق الأبرز له؛ لذلك نجد أنّ الله سبحانه وتعالى يسوق وصف نفسه بالعفو والمغفرة في سياق المنّ على العباد وتأكيد موقعية القوة والاقتدار ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ 3. وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام عن عظمة الله "أمره قضاءٌ وحِكمة، ورضاه أمانٌ ورحمة، يقضي بعلم، ويعفو بحلم" .4
وفي حديث عن الصادق عليه السلام: "ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة: تعفو عمّن ظلمك، وتَصِلُ من قطعك، وتَحلِمُ إذا جُهِل عليك"5 . فهو إذاً من شيم الكرام، بل ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "العفو تاج المكارم" .6
- أركان العفو:
ليس كلّ تجاوز هو من العفو، بل لا بدّ من توفّر مجموعة من الشروط تُعدّ أركاناً للعفو، حتى يصدق أنّ هذا من العفو، أهم هذه الشروط هي:
1- ثبوت الإساءة من المعفوّ عنه اتجاه من يتجاوز، وقد عَلَّمنا أمير المؤمنين عليه السلام القول "إلهي، عظم جرمي إذ كنتُ المبارز به، وكَبُرًص ذنبي إذ كُنتُ المطََالب بهِ، إلا أنّي إذا ذَكَرَتُ كبيرَ جرمي وعظيم غفرانك، وجدتُ الحاصل لي من بينهما عظيمُ غفرانك"7 . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلّكم على خير خلائق الدنيا والآخرة: العفو عمّن ظلمك..." .8
2- أنّ تكون اليد الطولى لمن أُسيء إليه على المسيء فإنّ ادّعاء العفو حيث لا اقتدار على ردّ الإساءة بمثلها ليس في محله. ومن اقتدر، فهو أولى بالعفو. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة" 9. بل، في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عند كمال القدرة، تظهر فضيلة العفو" .10
3- أن يكون هناك خيارات بديلة عن العفو والتجاوز عن المتعرَّض له بالسوء. ففي الدعاء المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام: "فإن عَفوتَ، فمن أولى منك بذلك. وإن عذّبتَ، فمن أعدل منك في الحكم ..." 11. وعنه عليه السلام: "اللهم، احملني على عفوك، ولا تحملني على عدلك" .12
- كُن جميل العفو:
ينبغي أن يكون العفو مَدْعاة للتجاوز عن آثار الإساءة، بل يقال: إنّ من معنى العفو محو آثار الآثار، كما إذا قلنا عفا عليه الزمن، أي محاه الزمن. وللعفو الجميل صفات وعلامات، منها:
1- عدم الانتقام في وقت لاحق. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "الصفح الجميل أن لا تعاقب على الذنب" .13
2- عدم تقريع المعفوّ عنه من قَبِلَ المصفِح. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ما عفا عن الذنب من قرّع به" 14. وعنه عليه السلام: "التقريع أمر العقوبتين" .15
3- عدم العتاب. فعن الإمام السجاد عليه السلام في تفسير قوله تعالى: "فاصفح الصفحَ الجميل"، قال: "العفو من غير عتاب" 16. وقد أجمل الإمام الرضا عليه السلام هذه العلامات في حديث واحد، حيث قال: "عفوٌ من غير عقوبة، ولا تعنيف، ولا عتب" .17
- من آثار العفو:
إنّ الله سبحانه عفوٌ يحبّ العفو، كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سألته إحدى زوجاته ما تقول في ليلة القدر: "تقولين اللهمّ إنك عفوٌّ تحبّ العفو، فاعفُ عني" . 18
ومن آثار العفو الذي يصدر من الإنسان اتجاه أخيه:
1- طول العمر والنسيئة في الأجل. ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ كَثُر عفوه، مُدّ في عمره" . 19
2- إخراج الغلّ من الصدور، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تعافوا، تسقط الضغائن بينكم" .20
3- مكسب للعزّة، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "العفو لا يزيد العبد إلا عزّاً، فاعفوا يعزّكم الله" 21. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من عفا عن مظلمة، أبدله الله بها عزاً في الدنيا والآخرة" .22
4- العفو أجره على الله، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أُوقف العباد، نادى منادٍ: ليقم من أجره على الله. قيل: مَنْ ذا الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس" .23
إضافة إلى الثمرات لا تحصى للعفو، لا يتسع هذا المختصر.
- عفو جامع للشرائط:
للإمام زين العابدين عليه السلام العديد من المواقف في مجال العفو، لكن مما اشتُهرَ ونُقل من قبل كتّاب السّير على اختلافهم أنه عليه السلام: "كانت له جارية تسكب الماء على يديه إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: والكاظمين الغيظ"، فبادرها الإمام عليه السلام قائلاً: "كظمت غيظي. فأردفت قائلة: والعافين عن الناس. فردّ عليه السلام: عفا الله عنك، فأكملت: والله يحب المحسنين، فجاء جوابه عليه السلام: إذهبي، فأنت حرّة لوجه الله" .24
1- أعلام الدين للديلمي، 337.
2- الخليل بن أحمد الفراهيدي، في كتاب "العين"، ج2، ص1240، مادة عفو.
3- سورة النساء، الآية:43.
4- نهج البلاغة، خطبة 16.
5- الكافي للكليني، ج2، ص107، ح3.
6- غرر الحكم للقاضي الآمدي، ص520.
7- الشيخ الكفعمي في "البلد الأمين"، ص312.
8- الكافي، ج2، ص107، ح1.
9- معاني الأخبار للشيخ الصدوق، ص196، ح1.
10- غرر الحكم، ح6215.
11- البلد الأمين، ص316.
12- نهج البلاغة، خطبة 227.
13- ابن شعبة الحرّاني في كتاب "تحف العقول"، ص369.
14- غرر الحكم، ح9567.
15- نفس المصدر، ح1688.
16- أمالي الشيخ الصدوق، ص276، ح14.
17- أعلام الدين للديلمي، ص307.
18- سنن ابن ماجة، ص3850.
19- أعلام الدين، ص315.
20- أمالي الصدوق، ص238، ح7.
21- كنز العمال، للمتقي الهندي، ح7012.
22- أمالي الشيخ الطوسي، ص182، ح306.
23- كنز العمال، ح7009.
24- تاريخ دمشق لابن عساكر، ج36، ص155، والذهبي في سير أعلام النبلاء، ج4، ص397 والصدوق في الأمالي، ص168، ح12، والمفيد في الإرشاد، ج2، ص146، وغيرهم.