المحاضرة الأولى: دور الأهل في الحثّ على الجهاد والشهادة

الهدف:
بيان أهمّيّة الدور الكبير الذي يقوم به الأهل في تفعيل وتأثير العمل الجهادي.

تصدير الموضوع:

"اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبداً".


121


مقدّمة:
من جملة عناصر القوّة للمجاهدين، بل من أهمّها في سبيل مقارعة الطواغيت وتحطيم عروشهم وإلحاقهم بمتاحف التاريخ، البيئةُ الحاضنة لهم والمتمثّلة بالآباء والأمّهات والإخوة والأخوات والزوجات وبقيّة الأرحام والجيران وأهل البلدة والمنطقة ومن ثّمَّ كلّ المجتمع.

محاور الموضوع
ومن أهمّ ميّزات هذه البيئة الأمور التالية:

أوّلاً: تعتبر هذه البيئة من أهمّ عوامل الإستقطاب والتوجيه وتنمية الروح الجهاديّة.

ثانياً: تعتبر عنصرًا مؤثرًا على مستوى الدعم المعنويّ والتحفيز للإستمرار في نهج الجهاد.

ثالثاً: من أهمّ الوسائل الإعلاميّة والتبليغيّة لنشر روح المقاومة في نفوس الآخرين.

رابعاً: إنّ المواقف المتقدّمة جدّاً والتي تنمُّ عن مدى التحلِّي بالبصيرة لعوائل الشهداء والجرحى، فلها من التأثير الإيجابيّ في المحيط بها.

خامساً: إنّ لإظهار الإفتخار والإعتزاز بأولادهم الشهداء أو الجرحى أو المجاهدين الأثر الكبير في نفوس النّاس.

سادساً: إنّ وجود البيئة الحاضنة للمجاهدين تشكّل العروق المتجذّرة


122


للمشروع الجهاديّ بحيث يصعب على أعدائهم النيل منهم فضلًا عن اجتثاثهم والقضاء عليهم.

صور من التاريخ:

حين الحديث عن الفئات المتصارعة على طول التاريخ، من الصعب جدّاً أن لا ترى وجوداً لأحد من أفراد الأسرة مشاركًا في عمليّة الصراع ابتداءً من آدم عليه السلام وإلى عصر الظهور بل إلى يوم القيامة.

ها هي أوّل مواجهة بين خصمين وهما إبليس من جهة وآدم عليه السلام وحواء من جهة ثانية، ولها حضورها في الميدان والمواجهة: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ1، وهذه أيضاً مريم عليها السلام في مواجهة رجالات الهيكل من بني إسرائيل تقاوم وتدافع عن مولودها ضمن الدفاع عن مشروع الرسالة الإلهيّة: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا2 وما بينهما هناك أسماء لنساء ورجال دوَّن التاريخ لهم في سجلّاتهم مواقف رائعة انتصاراً لرسالة السماء.


123


ومن الصور لمواقف أسريّة في جبهة الحقّ ضدّ الباطل في زمان خاتم النبيّين، هي تلك الصور التي تحكي لنا مؤازرة ابن عمّه عليّ ابن أبي طالب وزوجته خديجة بنت خويلد وزيد بن حارثة إذ هم النواة الأولى في مجاهدة ومواجهة الأعداء.

اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت:

بعد أن انتقلت الدعوة من المرحلة السريّة إلى المرحلة العلنيّة كانت المؤازرة والتأييد من بعض رجالات عشيرته التي دعاها الرسول إلى لقاء ليصدع بالأمر، وقد أسفر عنه إعلان أبي طالب عن نصرة أبن أخيه، وقد صرّح في مواقف أخرى مخاطبًا إبن أخيه بقوله: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.

وهذا الموقف العظيم من أبي طالب أضحى شعارًا لكلّ الأحرار وأصحاب العزيمة أن يقولوا للمجاهدين هكذا، اذهبوا وقولوا ما أحببتم، وأيّ شيء يقال في حقّ أبي طالب من مدح وثناء فهو قليل على مستوى البصيرة والإرادة والثبات في الموقف. كما يحكي لنا التاريخ واحدة أخرى من مواقفه الفولاذيّة عندما جاءته قريش مرّة أخرى تفاوضه في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرضت عليه مبادرة مفادها: أن تعطيه أجمل فتيان مكّة بدل ابن أخيه فقالوا له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي فرّق جماعة قومك وسفَّه أحلامهم فنقتله، فإنّما هو رجل


124


برجل. فردّهم أبو طالب مستاءً من هذه المساومة الظالمة فقال: هذا والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم إبني تقتلونه، هذا والله ما لا يكون أبداً. فقال المطعم بن عدي بن نوفل: والله يا أبا طالب، لقد أنصفك قومك، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فأجابه أبو طالب قائلًا: والله ما أنصفوني، ولكنّك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ فاصنع ما بدا لك.

وعلى أثر كلّ المحاولات القرشيّة للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سارع أبو طالب لاتخاذ تدابير وقائيّة لضمان سلامة ابن أخيه واستمراره في نشر رسالته، فدعا بني هاشم وبني عبد المطلب لمنع رسول الله وحفظه والقيام دونه، فاستجابوا له سوى أبي لهب3.

وهكذا نقرأ في التاريخ مواقف الأسر والأهل، إمّا في المشاركة العمليّة في الدفاع كما حصل مع أسرة ياسر بن عمّار رضوان الله عليه، أو من خلال دعم أبنائهم معنويًّا للإنخراط في جبهة الحقّ ضدَّ الباطل، كما يحصل للكثير من المضَحّين والمخلصين.

محطّات مشرقة ومواقف مضيئة:

من أبرز الشخصيّات التي تمثّل دور الأسرة على مستوى الحضور في ميادين الجهاد مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام حيث إنّها قضت عمرها المبارك من اللحظات الأولى إلى تاريخ شهادتها ما بين مشاركة في جهاد


125


تبليغ الرسالة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم حتّى نالت أعظم وسام في تاريخ البشريّة، ألا وهو وسام أمّ أبيها، إلى دفاعها حتّى الشهادة بالنّفس عن حريم الإمامة والولاية. ويضاف إلى سجلّها الجهاديّ المقدّس ما زرعته في قلبي ولديها من الثقة والمعنويّات والثبات, ويتجلّى ذلك من خلال الوصايا التي أسرّت ببعضها إلى ابنتها السيّدة زينب عليها السلام فيما يتعلّق بواقعة كربلاء، وما كشفت عنه السيّدة زينب عليها السلام عن أمانة في ساحة كربلاء حينما رأت أخاها وحيدًا فريدًا من شمِّ صدره وتقبيل نحره كانت قد حملتها واحتفظت بها لفترة زمنيّة طويلة. فما هذا إلّا رسالة دعم وحضور معنويّ وميدانيّ في كربلاء للشهيدة الصدِّيقة مع ولدها الإمام الحسين عليه السلام.

والشيء ذاته نقرأه في كلّ المواقف الكلّيّة والتفصيليّة التي سطّرتها السيّدة زينب عليها السلام، وأهمّها تقديم الفرس لأخيها وتجهيزه وتوديعه، وأيضًا الدفاع حتّى الشهادة حينما كانت تلقي بنفسها على ابن أخيها الإمام زين العابدين وتكرّر منها في ثلاثة مواطن للدفاع عن الإمامة والولاية المتجسّدتين فيه.

هذا هو شعب إيران:

منذ اللحظات الأولى لإنطلاق شرارة الثورة المباركة في إيران ولحدّ اليوم، وقد مضى عليها منذ بدايتها ما يزيد على نصف قرن ولا زال الشعب الإيرانيّ رجالًا ونساءً وكباراً وصغاراً يحفّز بعضه بعضاً داخل الأسرة وخارجها، ولا زال على وتيرة متصاعدة حتّى تحوّلت من ثورة إلى دولة ثمّ


126


إلى دولة نامية، هذا هو واقع الشعب المسلم في إيران، وقد عبّر عن هذه الحقيقة الإمام الخمينيّ قدس سره ووليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظله، ومن جملة كلماته قوله: وأنا العبد أرى من الضروريّ أن أجدّد - ولو كرّرته مئة مرّة لما كان كثيراً - شكري لشعب إيران على هذه المشاركة المهابة والمليئة بالعزّة فأمام هذه المشاعر والعواطف والبصيرة لا يملك المرء إلّا أن يعظِّم ويقدِّر عالياً. هذا هو شعب إيران.

وفي كلمة أخرى من نداء لملتقى سبعة آلاف شهيدة إيرانيّة فقال: فالنسوة الإيرانيّات الشجاعات في الثورة والدفاع المقدّس قدّمن نموذجًا ثالثًا جديدًا المرأة اللاشرقيّة واللاغربيّة.

ها هم أشرف النّاس:

فيما خصَّ شعب المقاومة في بلدنا، ومنذ الإنطلاقة الأولى ولحدّ الآن وأيضًا بوتيرة تصاعديّة، نجد الحضور الفعّال على مستوى التحفيز والتشجيع والتنافس في كلّ الأنشطة التي تساهم في دفع الحركة الجهاديّة نحو الإمام ولم ينته ولم يفتَّ من عضده عدّة حروب تعرّض لها لا سيّما في حرب تموز 2006 أو في المرحلة الحسّاسة. فإنّ هذا الشعب يواجه بصبر وثبات وإقدام وبصيرة، وما الإنتصارات التي تتحقّق على أيدي المجاهدين إلّا وقد ساهم الكثير من الآباء والأمّهات والإخوة والأخوات مساهمة ماديّة ومعنويّة، ولا فرق قبل الشهادة والجراح أم بعدها، ولذا استحقّ هذا الشعب لقب أشرف النّاس.ٍ


127


هوامش

1- سورة البقرة، الآية 36.
2- سورة مريم، الآيات 27 – 29.
3- تاريخ الطبري، ج2، ص 409- 410.
     
السابق الصفحة الرئيسة التالي