أبو جعفر معز الدين محمد بن الحسن المدعو بالسيد مهدي الحسيني الشهر بالقزويني من أشهر مراجع الامامية وزعمائها العظام الذين نهضوا بزعامة التقليد والمرجعية العامة في أواخر القرن الثالث عشر بعد وفاة شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الانصاري ـ ره ـ . وانما قدمنا ذكر ولده السيد ميرزا جعفر على ذكره لانه سبق أباه في الوفاة بعامين.
جاء في (البابليات): ولد المترجم ـ ره ـ سنة 1222 هـ في النجف الاشرف وبها حصل ما حصل من العلوم العقلية والنقلية وقد أخذ عن فطاحل أساتذة عصره فمنهم العلامة الفقيه الشيخ موسى وأخوه الشيخ علي والشيخ حسن أنجال الاستاذ الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء, وعمه السيد باقر والسيد علي والسيد تقي آل القزويني, ونال مرتبة الاجتهاد بشهادات واجازات ممن ذكرناهم وهو ابن 18 سنة.
وقال سيدنا الحجة المؤتمن أبو محمد الحسن بن الهادي آل صدر الدين الكاظمي في تكملة أمل الامل ـ فلما بلغ المترجم تسع عشرة سنة أجازه العلامة السيد محمد تقي القزويني تلميذ السيد محمد المجاهد الطباطبائي وكتب له اجازة مبسوطة رأيتها مجلدة تاريخها 18 محرم سنة 1241 وقد أثنى عليه ثناء حسنا. 1 هـ.
وابتدأ من ذلك العهد بالتصنيف ولم يزل حتى بعد كبر سنه وشيخوخته مكبا على البحث والتدريس والمذاكرة والتأليف وهو مع ذلك في جميع حالاته محافظ على أولاده وعباداته في لياليه وخلواته مدئبا نفسه في مرضاة ربه وما يقر به الى الفوز بجواره وقربه لا يفتر عن اجابة المؤمنين في دعواتهم وقضاء حقوقهم وحاجاتهم وفصل خصوماتهم في منازعاتهم حتى انه في حال اشتغاله في التأليف ليوفي الجليس حقه والسائل مسألته والطالب دعوته ويسمع من المتخاصمين ويقضي بينهم بعد الوقوف على كلام الطرفين فما أولاه بما قال فيه الكواز الكبير من قصيدة:
يحدث أصحابا ويقضي خصومة | ويرسم منثور العلوم الغرائب 1 |
وهاجر الى الحلة حوالي سنة 1253 وقد تجاوز عمره الثلاثين وبقي الى أواخر العقد التاسع من القرن المذكور فأخذت قوافل الزائرين من مقلديه من ايران وغيرها تتردد الى الحلة لزيارته ـ بعد اداء مراسيم زيارة العتبات المقدسة ـ حتى تغص فيهم الدور والمساكن, الامر الذي اضطره الى القفول الى النجف والاقامة فيها وأولاده في خدمته عدا السيد ميرزا جعفر فانه بقي في الحلة ليقوم مقام ابيه في المهمات والمراجعات حتى توفي بها في حياة والده.
وقد تعرض لذكر سيدنا المترجم العلامة الجليل الشيخ ميرزا حسين النوري في (دار السلام) و (جنة المأوى) و (النجم الثاقب) و (الكلمة الطيبة) و (المستدرك). ونقل نص ما قاله عنه صاحب كتاب (المآثر والآثار) ـ بالفارسية ـ بعنوان (الحاج سيد محمد مهدي القزويني الاصل الحلي المسكن). نقل المحدث القمي الشيخ عباس في (الكنى والالقاب) عن شيخه النوري ما نصه:
السيد الاجل السيد مهدي القزويني الحلي ذكره شيخنا صاحب المستدرك في مشايخ اجازته بالتعظيم والتجليل بعبارات رائقة ثم قال: وهو من العصابة الذين فازوا بلقاء من الى لقائه تمد االعناق صلوات الله عليه, ثلاث مرات وشاهد الآيات البينات والمعجزات الباهرات ثم ذكر انه ورث العلم والعمل عن عمه الاجل الاكمل السيد باقر صاحب سر خاله بحر العلوم وكان عمه أدبه ورباه وأطلعه على أسراره وذكر انه لما هاجر الى الحلة صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من طوائف الاعراب قريبا من مائة الف نفس اماميا مواليا لاوليا الله ثم ذكر كمالاته النفسية ومجاهداته وتصانيفه في الدين وغير ذلك قال: وكنت معه في طريق الحج ذهابا وايابا وصلينا معه في مسجد (الغدير) و (الجحفة) وتوفي ـ ره ـ في 12 ع 1 سنة 1300 قبل الوصول الى السماوة بخمسة فراسخ تقريبا وظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر جماعة من الموافق والمخالف. انتهى ملخصا. وقال المؤرخ السيد حسون البراقي في آخر كتاب (الدرة الغروية) عند ذكر وفيات جماعة من علماء عصره: ومنهم السيد الهمام والحبر القمقام صاحب العلوم العجيبة والتصانيف الغريبة السيد مهدي القزويني فانه توفي عند رجوعه من بيت الله الحرام على بعد فرسخين من السماوة في طريق (السلمان) وجاءوا به عصر يوم الاحد الـ 25 من ربيع الاول وكانت وفاته عصر الثلاثاء الـ 13 من الشهر المذكور من سنة 1300 ودفن قرب عمه السيد باقر القزويني.
آثاره ومؤلفاته
المترجم له تصانيف جمة في الفقه وأصوله والرياضيات والطبيعات والتفسير وغير ذلك ما بين كتب ورسائل, فمنها في الفقه, بصائر المجتهدين في شرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي وهو كتاب شافي وافي مبسوط في الاستدلال كثير الفروع غزير الاحاطة لا سيما في المعاملات استوفى فيه تمام الفقه في ضمن خمسة عشر مجلدا من أول الطهارة الى آخر الديات عدا الحج. ومختصر هذا الكتاب: وقد اختصره في ضمن ثلاث مجلدات وهو على اختصاره كثير النفع لا يكاد يشذ عنه فرع مع الاشارة الى الدليل, مواهب الافهام في شرح شرايع الاسلام: في سبع مجلدات وهو كتاب في الاستدلال مبسوط لا يكاد يشذ عنه فرع مع الاشارة الى الدليل, مواهب الافهام في شرح شرايع الاسلام: في سبع مجلدات وهو كتاب في الاستدلال مبسوط لا يكاد يوجد في كتب المتأخرين أبسط منه جمع فيه بين طريقة الاستدلال والتفريع وما يقتضي له التعرض من أحوال رجال الحديث. نفائس الاحكام برز منه أكثر العبادات والمعاملات وهو حسن التأليف واسع الدائرة لا ينفك عن الاشارة الى أدلة الاحكام مع ما اشتملت عليه مقدمته من المسائل الاصولية, واليه يشير السيد حيدر الحلي في احدى قصائده:
لـه (نفائـس) علـم كلـها درر | والبحـر يبرز عنه أنفس الدرر |
لو أصبحت علماء الارض واردة | منه لما رغبت عنه الى الصدر |
القواعد الكلية الفقهية: حسن الترتيب جاعلا للقواعد كلا في بابه للسهولة على طلابه, فلك النجاة في أحكام الهداة: وافية بتمام العبادات, وسيلة المقلدين الى احكام الدين برز منها كتاب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف حسنة الاختصار, رسالة في المواريث بتمام أحكامه جيدة التفريع, رسالة في الرضاع وتسمى اللمعات البغدادية في الاحكام الرضاعية, رسالة تشتمل على بيان أحوال الانسان في عوالمه وما يكون فيه سببا في تكليف غيره من الاحكام الشرعية الفقهية وهي آخر تأليفاته وتصنيفاته وعليها جف قلمه الشريف كتبها في مكة المشرفة, منسك في أحكام الحج كبير, منظومة في الفقه برز منها تمام العبادات, شرح اللمعة الدمشقية برز منه أكثر العبادات على اختصار ولم يتمه.
وأما كتبه الاصولية فمنها: الفرائد: برز منه من أول الاصول الى آخر النواهي خمس مجلدات ضخام مبسوطة جدا على طريقة المتأخرين, الودائع: واف بتمام المسائل الاصولية سلك فيها مسلك القدماء في التأليف, المهذب: جمع في كلمات التوحيد الآغا البهبهاني مرتبا لها من أول علم الاصول الى آخر التعادل والتراجيح مع تهذيب منه وتنقيح واختيارات وزيادات, الموارد: هو متن حسن الاختصار تام, شرح قوانين الميرزا القمي برز منه جملة من الادلة العقلية وبعض التعريف واشتمل على فوائد جليلة, رسالة في حجية خبر الواحد, منظومة وافية بتمام علم الاصول حسنة السبك جيدة النظم سماها السبائك المذهبة, رسالة في آيات الاصول مبتكرة في بابها فيها كل آيه يمكن ان يستدل بها على مطلب أصولي من أول المبادىء اللغوية الى آخر التعادل والتراجيح والكثير منها لم يذكره الاصوليون بكتبهم, رسالة في شرح الحديث المشهور بحديث ابن طاب المروي عن الامام الصادق عليه السلام وقد أشار الى هذا الحديث السيد بحر العلوم في منظومته حيث يقول:
ومشي خير الخلق بابن طاب | يفتح منه أكثر الابواب |
وحيث أن الكثرة في لسان الشرع تحمل على الثمانين استنبط منه ـ ره ـ ثمانين بابا أربعين في الاصول وأربعين في الفقه
وله كتب ورسائل في علوم متفرقة منها: مضامير الامتحان في علم الكلام والميزان برز منه علم الميزان وتمام الامور العامة وأكثر الجواهر والاعراض, آيات المتوسمين في أصول الدين في ضمن مجلدين, قلائد الخرائد في أصول العقائد 1, القلائد الحلية في العقائد الدينية, رسالة في أبطال الكلام النفسي.
وله في التفسير : رسالة في تفسير الفاتحة, تفسير سورة القدر, تفسير سورة الاخلاص, رسالة في شرح الحديث المشهور: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة, رسالة في شرح كلمات أمير المؤمنين عليه السلام من خطبة من نهج البلاغة وهو قوله عليه السلام: لم تحط بها الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع عنها واليها حاكمها 2, مشارق الانوار في حل مشكلات الاخبار, شرح جملة من الاحاديث المشكلة كحديث: من عرف نفسه فقد عرف ربه, وغيره وليته أتمه, الصوارم الماضية في تحقيق الفرقة الناجية واليه يشير السيد حيدر الحلي في قصيدة يمدحه فيها:
فاستلها صوارما فواعلا | فعل السيوف ثكلت أغمادها |
رسالة في أجوبة المسائل البحرانية, رسالة في أسماء قبائل العرب مرتبة على الحروف الهجائية, كتاب الاقفال وهو متن في علم النحو في غاية الاختصار. قال ولده العلامة السيد حسين فيما كتبه عنه من ترجمة حياته وبيان مؤلفاته: ـ هذا ما وقفنا عليه من تصانيفه الموجودة المحفوظة واما ما لم نقف عليه مما عرض له التلف لكونه تداولته أيدي المشتغلين للمطالعة والمراجعة فمن ذلك الفوائد الغروية في المسائل الاصولية. وكتاب معارج النفس الى محل القدس في الاخلاق والطريقة. ومنظومة تسمى مسارب الارواح في علم الحكمة, وكتاب معارج الصعود في علم الطريقة والسلوك, وكتاب مختصر للامور العامة والجواهر والاعراض في علم الكلام. وشرح منظومة تجريد العقائد. وكتاب قوانين الحساب, في علم الحساب. ومنها شرح ألفية ابن مالك في النحو. ومنها كتاب المفاتيح في شرح الاقفال في النحو ايضا وحاشية على المطول للتفتازاني.وحاشية على شرح التفتازاني في الصرف وجميعها لم تقف منها على رسم ولا سمعنا منها سوى الاسم تلف جلها بسبب تفرق أوراقها عند المشتغلين واضمحلالهم في الطاعون. 1 هـ.
وقد رأيت له جملة قصائد في رثاء الامام الحسين عليه السلام منها قصيدة مطلعها
أهاشم لا للبيض أنت ولا السمر | ولا أنت للقود الهجان ولا المهر |
وله
حـرام لـعيني أن يجف لها قطر | وان طـالت الايـام واتصل العمر |
ومـا لـعيون لا تـجود دمـوعها | هـمولا وقلب لا يذوب جوى عذر |
عـلى أن طول الوجد لم يبق عبرة | وان مـدها مـن كل جارحة بحر |
كـذا فليجل الخطب وليفدح الاسى | ويـصبح كالخنساء من قلبه صخر |
لـفقد امـام طـبق الـكون رزؤه | وناحت عليه الشمس والانجم الزهر |
ومـاجت له السبع الطباق ودكدكت | لـه الشامخات الشم وانخسف البدر |
ورجت له الارضون حزنا وزلزلت | وضجت على الافلاك املاكها الغر |
وقـد لـبست أكـناف مكة والصفا | عـليه ثياب الحزن وانهتك الستر |
يـصول عـليهم صـولة حيدرية | مـتى كـر في أوساط دارتهم فروا |
بـغلب رقـاب مـن لـوي تدفعوا | الى الموت لا يلوي لديهم اذا كروا |
أطـل عـليهم والـمنايا شواخص | وعـين الردى فيها نواظرها شزر |
ومـا الـموت الا طوع كف يمينه | لـه وعـليه ان سطا النهي والامر |
فـتى كـان لـلاجي مغيثا ومنعة | وغـيثا لـراجيه اذا مـسه الضر |
فتى رضت الجرد المضامير صدره | فأكرم به صدرا له في العلى الصدر |
وأخرى أولها
مصاب يعيد الحزن غضا كما بدا | قضى أن يكون النوح للناس سرمدا |
وما أنتـجت أم الـرزايا بـفادح | بمثل الـذي فـي كـربلا قد تولدا |
* ادب الطف ـ الجزء السابع272_ 279
1-عن رسالة السيد حسين القزويني في أحوال السيد المترجم له.
2- طبعت بعنوان (النور المتجلي في شرح كلام أميرالمؤمنين علي) بتحقيق السيد جودت القزويني.