بسم الله الرحمن الرحيم
س: في البداية نشكر حضرتكم لاتاحة الفرصة للحوار مع المجلة، هل بالإمكان أن تشرحوا دور التبليغ في الإسلام.
ج: يكفي في أهمية التبليغ أنه نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث لا تخفى أهمية هذه الفريضة الإلهية بين الأعمال العبادية والدينية على أحد. وفي هذا الاطار يمكن الرجوع إلى كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيه: "وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجيٍّ "1.
س: ما هو دور الحوزات العلمية في ظل الدور والموقع الهام للتبليغ الديني، وكيف تقيّمون عملها على مستوى نشر الدين؟
ج: يجب أن تعمل الحوزة بداية على جذب الذخائر العلمية الهامة من الطلاب المتقدمين وأصحاب الاستعدادات على المستوى العلمي والأخلاقي. ويجب أن لا تغفل عن التكامل العلمي والأخلاقي للطلاب، لأن الدخول إلى عالم التبليغ لن يكون مفيداً من دون العلم والأخلاق، لا بل قد يؤدي إلى انحراف فكري وأخلاقي في المجتمع، بعد ذلك يمكن اللجوء إلى الأمور الآتية لتوسيع عملية التبليغ:
1- التعرف على الطلاب الحوزويين وتصنيفهم حسب الحاجة والمؤهلات.
2- التعليم العملي للأفراد بناءً على الاحتياجات التبليغية وبحسب الموقع الزماني والمكاني.
3- إرسال الأفراد للتبليغ بناءً على مواصفاتهم وصلاحيتهم ومدى ملائمتهم للموقع التبليغي.
هنا لا بد من التذكير بمسألة وهي أن إرسال الحوزويين للتبليغ لا يجب أن يقتصر على الطلاب الشباب فقط، بل يمكن الاستفادة من الحوزويين المتقدمين في السن بناءً على الظروف الزمانية والمكانية.
س: اعتبرتم أن الاهتمام بالمسائل العلمية للطلاب من جملة مهام ووظائف الحوزة، فما هو مقدار المعلومات العامة التي يحتاجها المبلّغ؟
ج: يفترض أن يكون الطالب قد درس الرسائل والمكاسب على الأقل، طبعاً هذا بشرط أن العمل على مستوى التفسير والحديث ينبغي أن يكون بإشراف أستاذ ماهر. وكلما كان متقدماً في بحث الخارج كلما كان أفضل، وينبغي أن يقوم المبلّغ بتقديم المعارف للناس بأسلوب جذاب وعلم وافر. قبل 40 سنة كان آية الله العظمى وحيد الخراساني من جملة المنبريين الموفقين في طهران. كان من أصحاب المستويات العلمية العالية وكان موفقاً وماهراً على مستوى الخطابة وتقديم المعارف الدينية إلى الناس. من أبرز خصوصياته عدم الاستفادة من المصطلحات الفقهية في الخطابة.
س: هل تعتقد بأن أسلوب التبليغ القديم مفيد في الظروف الحالية، أم أنه يجب التفكير بأسلوب آخر؟
ج: لكل منطقة ظروفها وخصائصها بحيث تختلف كل واحدة عن الأخرى. في بعض الأماكن يجب استعمال الأسلوب القديم، والمبلغ الذي يعتمد الأسلوب القديم سيكون موفقاً في الأماكن التي ما زالت تتأثر بهذا الأسلوب. وتجدر الإشارة إلى أن الأسلوب القديم هو أسلوب موفق لتوافقه مع السيرة العملية للمعصومين (عليهم السلام)، أما في الأماكن التي لا يمكن استعمال الأسلوب القديم فيها فينبغي اعتماد الأساليب والمناهج الجديدة الجذابة للشباب، وعلى المبلغ أن يتقن أدوات أي منهج يعتمد عليه وإلا فلن يكون موفقاً.
س: يعتبر عدم إحاطة المبلغ بأدوات ووسائل المنهج من جملة الآفات التبليغية، هل يمكنكم الحديث عن بعض الآفات الأخرى؟
ج: فيما يتعلق بآفات التبليغ أكتفي بالإشارة إلى النقاط الآتية:
1- من جملة آفات التبليغ العمل والسلوك غير الصحيح للمبلغ. ينبغي على المبلغ مراعاة آداب الكلام والحضور عند حاضري المجلس وأوضاع المستمعين، يجب أن يلتفت إلى نفسه فيعمد إلى مراقباتها بشكل دقيق. فقد تؤدي محاضرة واحدة إلى جذب مجموعة وإلى الالتزام بالعمل الإلهي، ولكن قد تؤدي مسألة بسيطة يقوم بها المبلغ إلى خروج الكثيرين عن جادة الهداية مثال ذلك المزاح غير المنضبط والقصص غير المناسبة.
ينبغي أن تكون حركات وسكنات المبلغ دقيقة ومحسوبة بشكل كبير، فهناك الكثير من المؤمنين الذين كانوا يشتكون حركات بعض المبلغين غير اللائقة بالأخص في أماكن تواجد النساء.
2- إذا كان المبلغ قادراً على ايصال المفاهيم الدينية بشكل دقيق وصحيح ولكنه بعيداً بشخصه عن التقوى، فإن كلامه لن يكون مؤثراً ولن يتمكن من ارضاء المؤمنين.
3- إذا كان كلام المبلغ غير معقول وغير مناسب للمخاطبين فإن جهده وتعبه سيذهب هدراً.
س: بما أنكم تحدثتم حول الشباب، كيف يمكن جذبهم إلى المناسبات الدينية؟
ج: يمكن اللجوء إلى العديد من المسائل بهدف جذب الشباب مثال ذلك:
1- من جملة الأمور التي تجذب الشباب نظافة المكان واهتمام المبلّغ بنظافته ومظهره.
2- ينبغي أن يكون تعاطي القيمين على المناسبات مع الشباب حكيماً ولائقاً.
3- يمكن ايجاد حالة من التنافس الايجابي بين الشباب يمكن من خلالها جذبهم إلى أكبر مقدار من البرامج الدينية.
4- يجب أن تتطابق النشاطات الدينية مع ما يرغبه الشباب بشرط رعاية المبلغ للشؤون الدينية. مثال ذلك يمكن للمبلغ المشاركة في مخيم ترفيهي للشباب.
س: ما هي الأمور الأكثر أهمية والتي تحوز الأولوية في التبليغ؟
ج: في البداية ينبغي اعطاء الأولوية للأمور الاعتقادية، طبعاً يجب الالتفات إلى ضرورة تقديم الاعتقادات بشكل صحيح ومناسب. فإذا كنا نتحدث بين الأشخاص العاديين فلا يجب طرح الشبهات بحيث تؤدي إلى الشك في الدين نتيجة عدم القدرة على تقديم الاجابات. يمكن تقوية عقائد الناس من خلال توضيح الآثار الايجابية للاعتقاد بأصول الدين الإسلامي، وعند وجود مناسبات خاصة يجب الدقة في اختيار الموضوع، طبعاً لا يجب الغفلة في هكذا مناسبات عن التعرض لذكر المسائل الأخلاقية والعقائدية حيث يجتمع الكثير من الناس، مثال ذلك: من الخطأ أن لا يتحدث الخطيب ليلة العاشر من المحرم حول الإمام الحسين (عليه السلام)، ومع ذلك يجب الاستفادة من هذه المناسبات الهامة وتوضيح مسائل أساسية حول الإسلام.
* مقابلة مع آية الله سيّدان- الحوزة العلمية في خراسان
1- نهج البلاغة، خطب وكلمات أمير المؤمنين عليه السلام، شرح الشيخ محمد عبده.