بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾1.
كان ارتفاع اللواء في الأزمنة الماضية وأيام الحروب دليلاً على استقرار العسكر، وكان اضمحلال وزوال العسكر أو عدمه متوقفاً على بقاء صاحب اللواء، والاحتفاظ به مرتفعاً. وأما المسجد فهو علم الإسلام والمجتمعات الإسلامية الوحيد. وأما بقاء الدين وعبادة الله وحاكمية القيم، فكل ذلك متوقف على بقاء هذا اللواء مرتفعاً، والعكس صحيح إذ إن سقوط هذا اللواء دليل على اضمحلال وزوال المسلمين.
نسب الله تعالى الدفاع عن المسجد إلى نفسه، ولكن بواسطة الناس، حيث جاء قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ...﴾ وهذا يعني أن الله يدافع عن المسجد بواسطة الناس. والناس مكلفون بمواجهة الأعداء ليس فقد لأجل الأرواح والأموال والحفاظ على الثغور، بل لأجل الحفاظ على المسجد، فلو لم يضحي المؤمنون لأزيلت المساجد كما يعبر القرآن الكريم، أما كيف يجب الحفاظ على هذا اللواء؟ وما هي طرق الارتقاء بالمساجد إلى أفضل الأوضاع؟ فيما يلي نشير إلى عدد من العوامل الأساسية التي تساهم في الوصول إلى الهدف:
1- الإدارة الصحيحة:
يقول أحد الشخصيات الهامة: لو نقلنا الإداريين من الهند إلى هولندا ومن هولندا إلى الهند، لوجدنا بعد عشر سنوات وجود بلد أوروبي في آسيا ووجود بلد آسيوي في أوروبا. والسبب في ذلك أن الإدارة موضوع أساسي ومحوري. أما الإدارة الصحيحة فهي التي يمكنها الاستفادة من الطاقات الإنسانية بأفضل نحو، والإدارة العبثية هي التي تضيع الكثير من الطاقات.
من هنا يجب أن نسعى بمقدار ما أوتينا من إمكانيات وطاقات لوضعها في خدمة المسجد والاستفادة منها على أفضل شكل.
قد نرى بعض المساجد عامر من ناحية البناء ولكنه متروك ومهمل لعدم وجود إمام جماعة، ومن هنا فإن وجود إمام جماعة مدير ومدبر هو بحد ذاته ثورة هامة في تحصيل الإمكانيات والطاقات. وهو عامل هام وأساسي في ازدياد أعداد الرواد، والخلاصة أن إمام الجماعة اللائق هو الذي يمكنه الوصول إلى أهداف المسجد القيمة.
2- التفكير في تحسين أوضاع المسجد:
إن التفكير بتحسين أوضاع المسجد من جملة الوظائف والمسؤوليات الأساسية التي تقع على عاتق أئمة الجماعة ومتولي المساجد، فهناك الكثير من الحالات التي نشاهدها ونعرفها حيث لا يفكر الأشخاص ولا يتساءلون حول كيفية تحسين أوضاع المساجد. لذلك يجب العمل على زرع روحية التفكير بتحسين أوضاع المساجد في نفوس الجميع.
3- الاستفادة من التجارب:
هناك الكثير من التجارب التي عاشها المسلمون والتي تساهم في تحسين أوضاع المساجد، لذلك يجب الإطلالة على هذه التجارب والاستفادة منها وذلك من خلال إقامة المؤتمرات واللقاءات، وفي هذه النشاطات يتم الاطلاع على كافة التجارب وتبويبها وتعميمها.
4- إيجاد رابطة مؤسساتية بين الحوزة والمسجد:
هناك علاقة ورابطة فردية بين الحوزة والمسجد، على أساس أن الحوزيين هم في الواقع سيكونون جزءًا من المسجد حيث سيكون البعض منهم إمام الجماعة والبعض الآخر مديرا للمسجد أو عضواً في هيئة أمناء المسجد و... ولكن ما نفتقده اليوم وجود علاقة مؤسساتية بين الحوزة والمسجد... ومن هنا يجب أن نسعى لإقامة هذه العلاقة حيث يجب أن تشعر إدارة الحوزة بعلاقتها المباشرة بالمسجد لما في ذلك من تذليل للعقبات وحل للمشكلات. ويؤثر هذا الأمر في دفع الحوزة إلى التفكير في إيجاد برامج ومناهج لتربية المبلغين تتناسب مع حاجات المساجد وإحياءها.
5- الاهتمام بتربية علماء للمساجد:
إن تربية علماء لأجل إدارة المساجد وإمامة الجماعة من الضروريات الواقعة اليوم على عاتق الحوزة. من هنا يجب أن تنهض الحوزة العلمية في قم وبعد الاطلاع على آراء وأفكار وتجارب الأفراد أصحاب العلاقة بالمساجد، لتربية أشخاص يتولون المساجد ويعيدون إليها رونقها.
* محمد حسن نبوي- بتصرّف
1- سورة الحج، الآيتان: 39 و40.