بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى لنبيه الأكرم صلى الله عليه وآله في المحكم من آيات الكتاب الكريم: ﴿اصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ *الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ . في هذه الآيات الله تعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وآله بإظهار وإعلان والتصريح بما أمره الله به غير عابئ بالمشركين ولا خائف منهم، ثم يطمئن الله رسوله صلى الله عليه وآله تقويةً لقلبه بقوله: (إنا كفيناك المستهزئين)، وقد استخدم صيغة الماضي مع أن الواضح أنه تعالى يريد المستقبل إشارة إلى حتمية الحماية الربانية، فدفعُ شر المستهزئين ضمنه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله على طول الزمن وجعله قضاءاً مبرماً، ولعل ذلك لكون النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله هو خاتم النبيين وشخصه بكافة أبعاده ركن من الرسالة والديانة الخاتمة التي وعد الله هيمنتها وظهورها على كل دين (ليظهره على الدين كله) .
فإذا كان الهدف كما هو المعتاد من الهزء والسخرية الحط من قيمة المستهدف بها لتوهين شخصه ومبدئه وقيمه التي يدعو إليها والغاية القصوى من ذلك تفريق الناس عنه صلى الله عليه وآله وعن دينه، إلا أن الله تعهد ولعله بالأسباب أن يمنع ذلك.
ثم أتبع ذلك بقوله: (الذين يجعلون مع الله إلها آخر...) إشارة إلى سخف أفكار المستهزئين وهزالة عقائدهم أمام قامة النبي صلى الله عليه وآله وسمو نفسه ونبل قيمه وحقانية مبادئه.
وها هي عجلات الزمن قد دارت دورات زادت على أربعة عشر قرناً.. ويقوم اليوم من يكرر ما كان يفعله مشركو مكة تارة بالكتب الشيطانية وأخرى بالرسوم وثالثة بالأفلام السينمائية.. للنيل من شخص الرسول صلى الله عليه وآله وقيمه مع أنهم على ما هم عليه من عبث وسخف وانفلات في الغرائز... والله الذي تعهد بقوله: (إنا كفيناك المستهزئين) عند وعده وقد كفى وسيكفي رسوله صلى الله عليه وآله المستهزئين الجدد بأمة أبية على كل ضيم لا تنام على مهانة ولا تسكت على تطاول.
وقد ورد في الخبر عن أبي عبد الله عليه السلام أن الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلما انتهيا إلى المدينة، وجدا فيها رجلاً يدعو ويتضرع... فعاد أحدهما إلى الله فقال: يارب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك، ويتضرع إليك، فقال امض لما أمرتك به فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه (أي لم يتغير) غيظا لي قط .
عرضنا هذه الرواية بعدما رأيناه في هذه الأيام وهو أن بعض الناس يحاول أن يقنع المسلمين والمؤمنين بان غضبهم إذا ديست الكرامات، أو نيل من المقامات، أو دنست المقدسات هو خلاف التحضر والتمدن، بل هو خلاف ما جاء به الإسلام وما حثت عليه تعاليمه من أخلاق.. كما أتحفنا به بعض اهل القلم من مسوخ المثقفين المشرعة لهم صفحات الإعلام وشاشاته وبعض أهل السياسة خصوصاً هذه الأيام على خلفية التحركات والغضبة الشعبية في بلاد المسلمين على الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وللدين وللقرآن.
نعم الغضب الشخصي لأمور الدنيا قد يكون مرفوضاً في تعاليم الدين الاسلامي.. أما الغضب الرسالي، الغضب لأجل الدين ومقدساته وحرماته فهو أمر طالما ربّى الإسلام عليه أبناءه، بل هو أثر طبيعي لما تحمله الشخصية الإسلامية من قيم، وهو احد وجوه الحميّة الدينية. نعم هذا الغضب لا يفترض أن يُخرج الانسان المسلم والمؤمن عن حدود الرسالة بمعنى كونه منافياً ومضاداً مع قيم ومعايير الإسلام وأحكامه. ولنتمَّ الكلام على إيجازه نورد هذه الرواية الدالة على مقام من يغضبون لمحارم الله، فعن علي بن الحسين عليه السلام قال: قال موسى بن عمران (عليه السلام): يا رب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ فأوحى الله إليه: الطاهرة قلوبهم، والبريئة أيديهم الذين يذكرون جلالي ذكر آبائهم - إلى أن قال: - والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلت مثل النمر إذا جرح .