الآيتين التاليتين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ
انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ
قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ﴾1.
يمكن جَنْيُ جملة من الإستفادات، لا سيما فيما يتعلق بالجهاد ذلك أنهما في معرض
التأكيد على الجهاد والحضِّ عليه ومن هذه الإستفادات المجتناة:
1- إن مقتضى الإيمان الفاعل والحي عدم التواني أو كما عبرت الآية التثاقل بمعنى
التباطؤ عن إجابة داعي الجهاد.
2- إن التعبير بقوله:
﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ فيه تصوير شديد الجمال حيث لم
تعترف الآية بوجود ما يُثقل حركة المستنفرين للجهاد، ونَسبت هذا الأمر إلى
المخاطَبين، لَكَأنَّهم يجعلون ما ليس بعذر للتأخر عن النفر عذراً، أو لا أقل
يَحسبون ما يَرَوْنَه مُعوّقاً ومؤخراً عنه يمكن أن يوازي ثواب الجهاد وحسنه.
3- إن جملة الأسباب الحاضرة من قوة العدو وعديده وعتَاده وجبروته وموسم جَني الثمار
وبُعد المسافة وغير ذلك ليست إلا كواشف عن أصل الداء المُعوّق عن ممارسة الجهاد
واجابة داعيه ألا وهو تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة. ولذا جاء الجواب الإلهي:
﴿مَا
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾.
4- إنّ على الإنسان المؤمن أن يأخذ درساً من هاتين الآيتين وهو أنّ تعلّق قلبه
بالدنيا سببٌ يُضعف همَّته ورغبته في الجهاد، ويُثقل خطاه باتجاه سُوحِ العزِّ
الدنيوي والأُخروي، وعليه فالمجاهدون ينبغي أن يكونُوا مُعْرِضين عن الدنيا
وزخارفها، وغير مُكتَرثين بها حتى يَحجزهم، وحتى لا تَعوقُهم عن لقاء الله تعالى في
ميادين المواجهة والقتال ولذا كان دعاء الإمام السجاد عليه السلام للمجاهدين: "وأنسهم
عند لقاء العدو ذكرَ دنياهم الخدَّاعة وامح عن قلوبهم خَطرات المال الفتون"2.
1- سورة التوبة، الآية: 38.
2- الصحيفة السجادية، دعاء أهل الثغور.