جاء في نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام قوله: "من أومَأَ إلى مُتفاوتٍ
خَذَلته الحِيَلَ".
وهي من الحكم الجليلة التي على قُصرِها وقلّة عباراتها ونَسقها الوجيز، إلَا أنها
ذات معاني عميقة، وهي بحقٍ درةٌ من دُررِ النهج.
ذكر شارحو النهج أن المُتفاوت: المتباعد، والشيئان تفاوتا أي تباعد ما بينهما، وذكر
ابن ميثم البحراني في شرحه للنهج: "المتفاوت كالأمور المتضادة أو التي يتعذر
الجمع بينها في العرف والعادة".
واحتمالات المعنى يمكن تصورها على النحو التالي:
1- إنه على الإنسان إذا أراد الإستدلال على شيءٍ أن لا يَعتمد في استدلاله على أمورٍ
مُختَلف فيها، وللناس حولها وجُهات نظر مختلفة، فإن الاعتماد على هكذا نوع من
الأدلة لن يوصل إلى الإقناع، ولن يجدَ المُستدلُ وسيلةً لإثبات مُدّعاه.
2- على الإنسان أن يكون عاقلاً فيما يرومه من الأمور فلا يجمع بين ما لا يجتمع في
العادة، كما مَثَّل بعضُ الشارحين للمتفاوت بالدنيا والآخرة. والمعنى أن من قصدهما
معاً لا يوفق غالباً للجمع بينهما.
3- يُحتمل أن يكون المراد أنه على الإنسان أن يحدد أهدافه بدقة ويحدد الأولويات،
وعليه أن لا يتبع أهدافاً متعددة، وعلى هذه الأهداف أن تكون مُنسجمة مع الهدف
الأسمى.
4- احتمال أن يكون المقصود هو أنه عندما نكون في موقع الإمرة والقيادة أو في حالة
التخطيط أو موقع التدبير علينا أن لا نستخدم في توجيه أوامرنا العبارات العامة
والفضفاضة التي تحتمل مصاديق متباعدة لأنّ ذلك لن يوصل إلى ما نريده وما خططنا له،
وعليه فكما أنه على الأهداف أن تكون واضحة كذلك على الأوامر أن تكون واضحة لا لُبْسَ
ولا شُبهات ولا احتمالات فيها.
ولنا أن نستفيد معاشر المبلغين منها بأنه علينا في تحديد أهدافنا أن لا يكون لنا
هدف سوى تبليغ الدين، وعلينا الإخلاص لهذا الهدف، وعلينا أن نكون دقيقين في
عباراتنا حتى لا تحتمل التأويلات، ولا تكون مادةً للتشويش والتشكيك بدل أن تكون
مصابيحَ تنير على الحقائق.
والحمد لله رب العالمين