... ومن فقرات الحِكْمَة التي رُويت عن الإمام علي عليه السلام المبدوءة بقوله عليه
السلام: "العجز آفة..." قوله عليه السلام: "... والزهد ثروة".
وتصوير ذلك بما يلي:
لما كان الإنسان فقيراً والفقر من لوازم وجوده بل من حقيقة وجوده بل هو من حاق ذاك
الوجود؛ فإن شعور الإنسان به من جهة وخوفه منه من جهة وحوادث الزمان تدفع غالب بني
الإنسان إلى أن يحصلوا ما يسدون به حوائجهم ويدرؤن به غوائل دهرهم، بل يجمعون
ويكنزون ما يستطيعون للوهلة الأولى لرفع الخوف من الإفتقار.
وكم يعمد ابن آدم إلى جمع الثروة والمال والأمتعة لأجل صرفها في انجاز الحوائج.
الزهد من الفضائل التي تندرج تحت عنوان العفة وهو إعراض النفس عن الدنيا في متاعها
ولذائذها وطيباتها.
لأن الزاهد يترك الحوائج العادية ويرغب عنها وربما يشرِّف نفسه عن التعلق بها لأن
هذا التعلق يدخله مداخل الذل في طلبها وسؤالها سواء كان السؤال من كريم فكيف إذا
كان من لئيم فبذلك يقفل الزاهد باب المسألة باعراض نفسه عن هذه الحوائج.
فإن كانت الثروة في العرف عبارة عن الغنى بالمال وكثرته فقد أشبهها الزهد لأنه يؤدي
إلى عين ما تؤدي إليه الثروة.
لأنه بها يستغنى الإنسان عن الناس، ولو دققنا النظر لوجدنا أنه لا يوجد شيء يوصل
إلى الغنى عن الناس كالزهد في دنياهم، وعليه فبالحقيقة فإنَّ الزهد هو الغنى الأكبر.
لأنه ليس إشباعاً للحاجة وإنما استغناء عنها من الأصل بنزع المقتضي لطلبها من قاع
النفس.
والحمد لله رب العالمين