ومما جاءَ في حِكْمَة أمير الحكمة والبيان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
التي مفتتحها: "قَدْرُ الرَّجل على قَدْرِ هِمَّته" قوله في ختامها:
"وعِفَّته على
قَدْرِ غيرته".1
العِفّة هي كفّ النفس عما يختصُّ بالغير من حُرُمات، وهي تشمل نزاهة اليد، واللسان،
والبطن، والفرج، التي بها ينال الإنسان عادة من حُرمات الناس، وبحسب السياق يظهر أن
المُراد بالعفّة في هذه الحِكْمَة عفّة الفَرج حيث تمَّ ربطها بالغيرة، إذ قدّر
الإمام عليه السلام أنّ عفّة كل شخص وكفِّه عن حُرمات حريم الغير توزن بمقدار
غيرته على ما يختص به. أي ما لحفظه وصيانته عنده مكانة وقيمة.
والغيرة تَعني أنه إذا غار الرجل على إمرأته، أي أَنِفَ أن يصل إليها غيره، فإنه
يأبى أن ينال من حريمه أحد، ومن كان كذلك، ينبغي له أن لا يعتدي على أعراض الآخرين،
ومن هنا قيل: "ما زنا غيورٌ قط".
هذا منطوق الحِكْمَة، وأما لو رجعنا إلى مفهومها فإن المستفاد هو أن من يزني ليس
فقط لا يكون عفيفاً بفعله، وإنما أيضاً وبدرجة أَولَى لا يكون غيوراً، ولذا ترى ذلك
جلياً في المجتمعات التي تنتشر فيها هذه المُوبقة عادة، عدم الغيرة على الأعراض.
فلو أردنا تحصين مجتمعاتنا من آفة الزنا علينا أن نربي فيها فضيلة الغيرة على
الأعراض، ونغرس في الأجيال العفاف، قيل لبطليموس ما أحسن أن يصبرَ الإنسان يشتهي؟
فقال: أحسن منه أن لا يشتهي إلا ما ينبغي.
1- نهج البلاغة، 13:4.