من ما ورد في نهج البلاغة قول الإمام علي عليه السلام: "البشاشة حبالة المودة"1
إن المفهوم لغوياً من البشاشة هو طلاقة الوجه وحُسْنُ اللقاء ففي محيط المحيط: بشّ
يبشّ بشّاً وبشاشةً: كان طَلِقَ الوجه، وللشيء أقبل عليه وضَحِكَ إليه، ولفلان في
المسألة لُطُف، وبأخيه أقَبَل عليه، والصديقُ بالصديق (أي بش به) فَرِحَ به وسُرَّ.
فيما معنى الحبالة شبكة الصيد، والمودة ترادفها المحبة...
وعليه فالإمام علي عليه السلام يريد الإشارة إلى أنّ ثمة أموراً طُبعت عليها النفوس
البشرية لا تختلف مهما اختلفت الأزمنة، ومن هذه القواعد المفطور عليها الناس هي أن
ثمة مفاتيح تُدخل الإنسان إلى قلب أخيه الإنسان، وأهم هذه المفاتيح هي اظهار السرور
بلقائه من خلال البشاشة. فكأن هذا الإظهار للسرور شبكة تلقى على الأخ فتصيد قلبه
وتجني مودته ومحبته.
وإنما كانت هذه الحكمة لترشدَنا معاشر المؤمنين والمتدينين قبل الآخرين، إلى أمر
أساسي علينا بناء علاقاتنا الداخلية عليه، وهو المودة التي هي ركن الأركان في
الأخوّة المطلوب أن تسود بيننا؛ فالطريق إلى هيمنة المحبة والمودة على القلوب أن
نحسن ملاقاة بعضنا البعض وأن تكون الصورة الحاكمة على أبناء مجتمعنا والتي تصبح
صورة نمطية هي صورة المجتمع المملوء بالوجوه البشوشة لتنتشر أجواء الراحة النفسية
والطمأنينة في مجتمع المؤمنين والمسلمين وربما لأجل ذلك جاء الحث النبوي على
البشاشة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا
تراءوا والمصافحة إذا تلاقوا"2.
1- نهج البلاغة.
2- المستطرف، ج1، ص268.