3 ـ ارتداء السواد
إن التدبير والتعقل كانا من العوامل الأساسية لموفقية ونجاح السيدة زينب
عليها السلام، من جملة الأمور التي لجأت إليها السيدة زينب عليها السلام إقامة
مجالس العزاء في الشام والمدينة وطلبت من النساء ارتداء السواد، فقالت: “اجعلوها سوداء حتى يعلم الناس أنّا في مصيبة وعزاء لقتل أولاد الزهراء عليها السلام “. صحيح
أن الأعداء لا يهتمون بهذه الأمور ويعتبرونها غير ذات قيمة، إلا أن هذه الأعمال هي
التي مهدت لقيام الناس للتأثر من قاتلي الإمام عليه السلام.
4 ـ سلوكها النابع من علمها
ومن جملة نجاح السيدة زينب عليها السلام في إيصال رسالة الإمام الحسين
عليه السلام أنها كانت تقرن التبليغ مع العمل، وكانت تسعى للعمل بالتكليف الإلهي
ولم تتساهل في قضايا الحلال والحرام.
يروى أن الناس في الكوفة تقدموا إلى الأسرى مشفقين على الأطفال فأخذوا يقدمون لهم
الخبز والتمر، عند ذلك علا صوت أم كلثوم(1) قائلة لهم: “الصدقة حرام علينا فكانت
تأخذ الخبز والتمر من الأطفال وتعيده إلى الناس”(2). والأكثر من هذا أنها كانت تقسم
طعامها بين الأطفال فبقيت ثلاثة أيام جائعة لم تأكل شيئاً وكل ذلك كي لا تسمح بدخول
الصدقة إلى أفراد القافلة.
من الموارد العملية الأخرى التي كانت محط عمل تبليغي من قبل السيدة زينب عليها
السلام هو حفظ الحجاب، فحافظت السيدة زينب عليها السلام على الحجاب والابتعاد عن
الأنظار حتى في أكثر الظروف صعوبة.
يقول الراوي: عندما رجعت من سفر الحج، دخلت الكوفة فوجدت الأسرى قد دخلوها ورأيت
الإمام السجاد على بعير، فسألت: من هي؟ فقالوا: زينب الكبرى، سمعتها تتحدث إلى
الناس بصوت عالٍ تطلب منهم غض الأبصار عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وتطلب منهم الحياء من الله ورسوله(3)...
أرادت السيدة زينب عليها السلام من خلال عملها أن تنبه الجميع إلى أن الإمام الحسين
عليه السلام وأصحابه قد استشهدوا من أجل إحياء الأحكام الإلهية، ولهذا السبب أيضاً
اقتيد النساء والأطفال أسرى، وأن بني أمية ويزيد على وجه التحديد هم الذين يعملون
على تحريف الدين الإلهي.
5 ـ الدعاء والعبادة
الدعاء والعبادة أسلوب آخر من الأساليب التبليغية التي اتبعتها السيدة
زينب عليها السلام، كانت تعلم بان الأعداء ينتظرون منها أي موقف يدل على الضعف إلا
أنها وقفت أمام الشهداء وتوجهت نحو جسد أبي عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعت
الله تعالى: “اللهم تقبل منا هذا القربان”(4).
ثم خاطبت الله تعالى قائلة: “يا عماد من لا عماد له ويا سند من لا سند له، يا من
سجد لك سواد الليل وبياض النهار وشعاع الشمس وحفيف الشجر ودويّ الماء، يا الله، يا
الله، يا الله”(5). وقد دعت في مجلس يزيد قائلة: “... اللهم خذ بحقنا، وانتقم من
ظالمنا، وأحلل غضبك بمن سَفَكَ دمائنا,ونقص ذمامنا، وقتل حماتنا، وهَتَكَ عنا
سدولنا”(6).
6 ـ الاستعانة بمبادئ نفسية
استعانت السيدة زينب عليها السلام في حربها ضد الأعداء بهذا الأصل فكانت
تبين في خطاباتها مدى حقارة وصِغَر العدو وتثني على الأصحاب وتحرك العواطف...
عندما خاطبت أهل الكوفة أكدت بداية على أصالة العائلة التي تنتمي إليها لذلك تحدثت
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واصفة إياه بالأب لتلفت أنظار الناس إلى انتماء
هؤلاء الأسرى... وفي أثناء مخاطبتها يزيد قائلة له: “كيف يُرتجى مراقبة من لفظ فوه
أكبادَ الأذكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء... ”.
وإذا قارنا بين خطبتي السيدة زينب في الكوفة والشام لوجدنا أنها كانت تعرف المخاطب،
فالمخاطبين في الكوفة هم من الناس الجاهلين بما يجري من حولهم لذلك خاطبتهم بناءً
على ما هم فيه وأطلعتهم على ما ارتكبوه. أما المخاطبون في الشام في مجلس يزيد فهم
من الخواص العارفين بالأوضاع، لذلك اختلف لحن الخطاب. ما تقدم هو خلاصة عن الأساليب
التي اعتمدتها السيدة زينب عليها السلام في التبليغ وهناك أساليب أخرى يمكن الإشارة
إليها كالشجاعة والشهامة والفصاحة والبلاغة...
* مجلة مبلغان
(1)يعتقد البعض أن المقصود من أم كلثوم هنا السيدة زينب عليها السلام.
(2)بحار الأنوار، ج4، ص114.
(3)مقتل المقرم، ص371.
(4)المصدر نفسه، ص307.
(5)آل بيت النبي في مصر، ص52 ـ 53.
(6)بحار الأنوار، ج45، ص133 ـ 135.