3- التناسب مع المخاطبين
يعتبر الخطاب والخطيب في التبليغ جزءاً من النشاط ويشكل المخاطبون الجزء المكمل.
على المبلغ أن يعرف من هم المخاطبون ليقدم ما يناسبهم من خطابٍ. أما الجهات
والجوانب التي ينبغي على المبلغ رعايتها وهي تعود للمخاطبين عبارة عن:
أ – العمر: يجب أن يعلم المبلغ أعمار المخاطبين، ليقدم ما يتناسب مع أعمارهم، وهذا
يعني أن على المبلغ أن ينظم مضمون خطابه وقالبه بما يتناسب مع أعمار المخاطبين.
على المبلغ أن يخاطب الأطفال والناشئة بأسلوب عاطفي يثير الأحاسيس. وأن يقدم لهم
معلومات تناسب مستواهم العمري وعليه أن يستعين بالتشبيه والاستعارة لتسهل مخاطبتهم
ويكون الخطاب نافعاً.
ب - التفكيك بين الذكور والإناث: حيث ينبغي على المبلغ أن ينظم مطالبه ويقدمها بما
يتناسب مع كل فئة من هاتين الفئتين، على أساس أن روحيات وحاجيات واستعدادات كل فئة
تختلف عن الأخرى. والمبلغ لا يمكنه الغفلة عن هذا التفكيك. وأما تقديم خطاب موفق
وموجه إلى الذكور والإناث فهذا يتطلب معرفةً بالخصائص والروحيات المحيطة بكل فئة.
ج – الحاجات: لعل من أبرز وأهم الأمور التي ينبغي ملاحظتها في التبليغ، حاجات
المخاطبين. وهذا يعني التعرف على احتياجاتهم الفكرية والثقافية والأخلاقية.
وعليه أن يدرك مكامن الضعف والنقص ليتمكن من تنظيم الأولويات التبليغية. عندما يدرك
المخاطبون أنهم لا يستفيدون شيئاً من خطاباتنا، أو عندما يشعرون بعدم وجود رابط
بينهم وبين الخطابات التي نقدمها، عند ذلك لن يكونوا على استعداد لسماع الخطابات أو
قراءة المطالب. وهذا يعني أنهم سيبتعدون عنا ويلجؤون للآخرين.
د - اللغة والثقافة: يمتاز أكثر الدول بأن أهلها يمتلكون ثقافات ولغات متعددة من
هنا ينبغي على المبلغ الاهتمام بالثقافة واللغة الرائجتين مكان التبليغ إذ عليه أن
يقدم ما يتناسب معهما1.
وقد تحدثت الآيات القرآنية الشريفة حول هذا الأمر، . يقول الله تعالى في القرآن
الكريم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ
بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾2.
هـ - عقل وإدراك المخاطبين: يجب أن يعلم المبلغ أن الناس يختلفون من الناحية
العمرية ويختلفون أيضاً من الناحية العقلية. ومن هنا يجب عليهم مخاطبة الناس بما
يتناسب مع عقولهم والامتناع عن تقديم الأمور التي تفوق قدرتهم على الإدراك والفهم.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكنه
عقله قط. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنا معاشر الأنبياء أمرنا
أن نكلم الناس على قدر عقولهم"3.
و - الموقع والظرفية: يجب أن يلتفت المبلغ إلى أهمية الموقع الذي يعيش فيه وظرفية
وسعة المخاطبين ليكون عمله مؤثراً.
ومن أبرز الأمور التي تؤدي إلى عدم اهتمام المخاطب بالتبليغ عبارة عن عدم لحاظ
مسألة الوقت والمكان، والأوضاع الجوية، والنور والصوت.. ويجب الامتناع عن الخطابات
والمقالات الطويلة. قال الإمام علي عليه السلام: "إياك وكثرة الكلام فإنه يكثر
الزلل ويورث الملل"4.
وقد أوصى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المسألة: "عن عمار بن ياسر:
قال: أمرنا رسول الله بإقصار الخُطب"5.
وقال الإمام علي عليه السلام: "من أطال الحديث فيما لا ينبغي فقد عرض نفسه
للملامة"6.
و - الأدوات والوسائل الحديثة: يجب أن يُعدّ المبلغ نفسه للتبليغ متسلّحاً بالقضايا
والأمور المناسبة للعصر. وقد أرسل الله تعالى كل رسول بما يناسب العصر الذي أرسل
فيه.
قال ابن السكيت لأبي الحسن عليه السلام: لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام
بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمداً صلى الله عليه
وآله وسلم بالكلام والخطب؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: "إن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على
أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم،
وأثبت به الحجة عليهم، وإن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات
واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم
الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.وأن الله بعث محمداً
صلى الله عليه وآله وسلم في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام وأظنه قال:
الشعر فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم".
فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك قط فما الحجة على الخلق اليوم؟
فقال عليه السلام: "العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله
فيكذبه. فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب"7.
* مجلة مبلغان
1- ميزان الحكمة، ج4، ص234.
2- سورة إبراهيم، الآية:4
3- أصول الكاف، ج1، ص28.
4- ميزان الحكمة، ج8، ص439.
5- المصدر نفسه، ج3، ص49.
6- المصدر نفسه، ج8، ص439.
7- أصول الكافي، ج1، ص28.