الاستعانة بالأمثلة
الاستعانة بالأمثلة من أكثر الأساليب التبليغية تأثيراً على مستوى إفهام المطالب
للمخاطبين بالأخص للأشخاص أصحاب المستويات الفكرية المتدنية. والمبلّغ الماهر هو
الذي يتمكن من إيصال الكثير من المسائل العقلية الهامة إلى أذهان المخاطبين بواسطة
أمثال تناسبها. وإذا كان المثال يتلاءم مع المستوى المعيشي للناس وأسلوب تفكيرهم
ومكونات ثقافتهم واشتغالهم، عند ذلك سيكون المبلغ أكثر نجاحاً في عمله. وتعتبر هذه
الطريقة إحدى أهم الطرق التي استعملت في كلام الوحي. تتحدث الآيات القرآنية الشريفة
ومن خلال المثال فتصور لنا العلماء الذين لا يعلمون:
.﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا
التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾
(1).
وقد استعمل هذا الأسلوب أيضاً في ملحمة عاشوراء. واستعمل الإمام الحسين عليه السلام
هذا الأسلوب لشرح أهداف ثورته واشتياقه للشهادة في سبيل الله: «خُط الموت على ولد
آدم فحط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف»(2).
صور الإمام الحسين عليه السلام الموت بشكل جميل فاعتبره كالقلادة لابن آدم بالأخص
إذا كان الموت في سبيل الحق وكما تُسَرُّ الفتاة بالقلادة كذلك رجال الله يُسَرّون
بالموت في سبيل الله.
الاستعانة من مسألة تحريك العواطف
قد يستعين المبلغ بعض الأوقات بأسلوب تحريك عواطف المخاطبين بهدف التأثير عليهم
وإيقاظ ضمائرهم، وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب بهدف الحفاظ على الإنسان
بعيداً عن المعصية ولأجل إيقاظ ضمائرهم، حيث خاطبهم متوجهاً إلى فطرتهم ساهم بذلك ي
تلطيف قلوبهم وأرواحهم. والمبلغ الناجح هو الذي يتمكن من الاستعانة بهذا الأسلوب
ليؤثر على الأفراد. من جهة أخرى نلاحظ أن هذا الأسلوب قد استخدم في عاشوراء أيضاً
وكان له العديد من النتائج والآثار على مستوى هداية الأفراد إلى الحق، لا بل ما
زلنا نلاحظ آثار ذلك حتى يومنا هذا فبمجرد ذكر اسم الإمام الحسين عليه السلام
وعاشوراء تلين القلوب وتهيج العواطف، وهذا يشير إلى مقدار الهداية التي حظي بها
هؤلاء.
ـ وقف الإمام الحسين عليه السلام بعد شهادة أصحابه وفي لحظة حساسة ومصيرية وخاطب
أهل الكوفة: «يا قوم أما من مجير يجيرنا، أما من مغيث يغيثنا، أما من طالب حق
فينصرنا، أما من خائف فيذب عنا، أما من أحد فيأتينا بشربة من الماء لهذا الطفل فإنه
لا يطيق الظمأ»(3).
ـ أما السيدة زينب عليها السلام فقد استعانت بهذا الأسلوب في مواطن عدة بهدف إيصال
وإبلاغ رسالة عاشوراء، وقفت السيدة زينب عليها السلام في اللحظات الأخيرة قبل شهادة
الإمام الحسين عليه السلام حيث كان عمر بن سعد يهيب بجيشه قتل الإمام، توجهت إليه
وخاطبته قائلة: «أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه» فكان لخطابها وقعاً حتى على
الأعداء حيث قيل أن عمر بن سعد توقف للحظات متأثراً من هذه الكلمات مما اضطره إلى
إخفاء وجهه عن السيدة زينب عليها السلام (4). ثم توجهت إلى الأفراد الموجودين في
ساحة المعركة قائلة: «ويلكم أما فيكم مسلم»(5). وكان لهذه الكلمات تأثيراً كبيراً
ظهر في السنوات اللاحقة وما زال يدغدغ العواطف حتى يومنا هذا.
* مجلة مبلغان
(1) سورة الجمعة، الآية: 5.
(2) اللهوف، ابن طاووس، ص114.
(3) كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص477.
(4) تاريخ الطبري، ج4، ص345.
(5) الارشاد، المفيد، ج2، ص112.