كبار المؤلفين والوقت:
هل تتوقع أنّ المؤلفين والكتّاب المهمِّين ليس لديهم معّوقات ومشاكل كالتي لديك؟
العديد منهم كان يعاني من مشاكل صحية، وقسم منهم كان لديه مسؤوليات والتزامات عمل
مرهقة، ولكن الفارق الأساسي بينك وبينهم أنهم كانوا يمتلكون الرغبة الشديدة في
الكتابة، فكرَّسوا لها الوقت اللازم.إختبر نفسك في أمور أخرى ترغب بها، ألا تخلق
لها وقتاً بطريقة عجيبة!! الأمر نفسه يمكن أن تفعله مع الكتابة.
يُنقل أن العلامة المجلسي رضوان الله عليه صاحب كتاب بحار الأنوار الشهير،أن هذا
العالم المثابر لم يترك التأليف في هذه الموسوعة الضخمة حتى في أسفاره، وكان يحمل
معه في رحله أقلامه وأوراقه حتى لا ينقطع عن الكتابة، رغم ما في السفر في ذلك الزمن
من مشقة بالغة، حيث لم تكن وسائل النقل المتطورة والمريحة متوفرة، وكلامنا عن القرن
الحادي عشر الهجري، أي قبل نحو أربعمائة عام من الآن.ويُنقل أن أحد الكتاب
الأميركيين – وكان أديباً – التزم بالكتابة كل يوم الساعة الرابعة والنصف فجراً،
فكان يجلس مع قلمه وأوراقه حتى الساعة السادسة صباحاً. لماذا؟ لأنه كان مضطراً إلى
ذلك، حيث كان مشغولاً بالتزامات شاقة أثناء النهار إلى الليل، ولكن هذه الالتزامات
لم تكن عذراً بالنسبة له، فكان أن فرّغ لنفسه هذا الوقت للكتابة والتأليف.فإذن، في
ختام كلامنا نؤكد أن مسألة الالتزام بوقت للكتابة والتأليف تحتاج إلى حزم ومثابرة
منا، وقد تحتاج إلى شئ من الشجاعة لكسر بعض الأعراف الاجتماعية التي تعتبر من
مضيعات الوقت الرئيسية في حياة الإنسان.
الخوف من الكتابة
يوجد عاملان يمنعان الواحد منا من الكتابة، أحدهما داخلي، والآخر خارجي. أما العامل
الداخلي فله علاقة بطبيعة الإنسان النقدية التي لا تقنع بمستوىً معين في أيّ عمل
يقوم به، بحيث تبقى تلجُّ عليه بأن ما أدّاه: ليس كاملاً.. وفيه نقص.. وغير تام..
وتشوبه العيوب... إلخ. وهذا ما يطلق عليه أيضاً بصوت الضمير الداخلي، الذي ينادينا
في كثير من الأحيان بأن لا نتسرع ولا نقدم، فلعل الأمور تحتاج إلى مزيد من الترتيب
والعمل. وهكذا تجد الواحد منا تسنح أمامه فرص مهمة في حياته، ولكنه يضيعها بعد
خضوعه لهذا الصوت الخفي الذي تدور معه معركة حامية لا يسمع لها الناس دويّا، لأن
جدران النفس تكتمه في صقعها، فتُحسم نتيجتها في سكون تام إما لصالح هذا الصوت، أو
لصالح الخيار المقابل له. نعم علينا أن ننبه إلى أن هذا الصوت الداخلي هو أداة
عظيمة زرعها الله عزوجل في نفوسنا بحيث لولاها لجنح الإنسان نحو التهور، ولأدار
الأمور غالباً بشكل ناقص. ولذلك يعتبر صوت الناقد الداخلي في حالته الطبيعية
مقوّماً وكابحاً للإنسان عن أن يصدر منه أعمالاً ناقصة ومتهاوية.ولكن علينا أن
نلتفت أيضاً أن هذا الناقد قد يتحول إلى جهاز خارج عن حدوده الطبيعية، فنراه في بعض
الأشخاص وقد أقعدهم عن كل إقدام وعزيمة نحو معالي الأمور، فكلما أراد هذا الإنسان
أن يقوم بشيءٍ تراه يثبطه ويقول له لم يحن الوقت بعد، مع أن هذا الإنسان قد يكون
أجدر من غيره في الإقدام على هذا العمل وإتمامه.وبالتالي علينا أن لا نجعل هذا
العامل الداخلي هو المسيطر المطلق علينا في موضوع الإقدام على الكتابة. لا يوجد أحد
من الكتّاب شرع بالكتابة وهو يمتلك كامل المقومات، فهناك بعض المقومات لا تكتسب إلا
بالتمرس وكثرة الكتابة. واهمٌ من يعتقد أن بالإمكان أن يصبح كاتباً إذا لم يمسك
القلم من فوره ويشرع بتجربته الأولى، فيشطب هذه الجملة، ويعيد صياغة هذه العبارة،
ويتلف هذه المسودّة، مع تكرار ذلك عشرات المرّات.