كلمة الإمام الخامنئي(دام ظله الشريف) في لقائه رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء_27/08/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ اقتران هذا اللقاء
بذكرى ميلاد ثامن الأئمة (عليهم السلام) يُعتبر من المصادفات المحمودة والمباركة إن
شاء الله؛ سائلين الله أن يوفّقنا جميعًا للإنتهال من بركات تلك الروح الطاهرة
والسامية. فهذا المضجع الشريف يمثل أحد أهم مآثر بلدنا وممتلكاتها، وكلّما بذلنا
جهدنا في تعظيم هذه المنزلة الرفيعة وتوجّهنا بقلوبنا نحوها، عاد ذلك بالنفع على
مسائلنا المعنوية وعلى شؤون بلدنا. إذ يمكن على سبيل المثال أن يفكّر السيد آخوندي
]وزير الإسکان[ مثلًا في قضية الطرق المؤدية إلى مشهد والقطار السريع وما إلى ذلك،
ويمارس عمله في هذا المجال، ليتمكّن الناس من الذهاب والإياب بوقت أقل، فإنّ هذه من
المسائل التي بإمکانها أن تكون مبعث خير وبركة للحكومة.
تحيّة للشهيدين العزيزين..
هذا ونحيّي ذكرى الشهيدين العزيزين، الشهيد رجائي والشهيد باهنر. منذ
سنوات ونحن نقيم أسبوع الحكومة، وقد جرت العادة على أن يشكّل هذا الأسبوع فرصة
للمسؤولين الدؤوبين في الحكومات من أجل أن يرفعوا تقاريرهم بشأن نشاطاتهم ونجاحاتهم
وقراراتهم لهذه السنة أو لعدة سنوات مقبلة، لتتم الإشادة بهم وتقديم الشكر لهم من
قبل المسؤولين وأبناء الشعب على إنجازاتهم، وتذكيرهم أحيانًا ببعض الأمور، أو
مطالبتهم مثلًا بمعالجة بعض النقائص؛ فلقد عُقد أسبوع الحكومة من أجل هذه الأمور،
بيد أن النقطة الجديرة بالاهتمام هي أن أسبوع الحكومة ينزل بمنزلة العيد للحكومة،
وهو يعني العودة السنوية لمناسبة معينة - والعيد يرد بهذا المعنى - تتيح فرصة
للإدلاء بالآراء والأقوال وما شاكل ذلك.
رجائي وباهنر؛ سلوك معيار
والمناسبة التي عُقد هذا الأسبوع من أجلها، تُشكّل إحدى أشد الذكريات
مرارة في البلد، وهي استشهاد شخصيّتين عزيزتين بارزتين كالشهيد باهنر والشهيد رجائي.
واتفق في هذا العام اقتران هذه المناسبة بأسبوع الكرامة، غير أنّ هذا الأسبوع
بطبيعة حاله يذكّرنا بمصيبة رحيل هذين الجليلين. وأعتقد بأنّ السبب الذي آلَ إلی أن
تجري هذه الحكمة الإلهية على قلب ولسان المسؤولين، وأن ينعقد هذا الأمر، وأن تُعقد
هذه المناسبة في هذه الفترة، هو أن لا تذهب ذكرى الشهيد رجائي والشهيد باهنر في
غياهب النسيان، وأن يَمثُلا أمام أعيننا بصفتهما مؤشّرًا ومعيارًا. ولا يمكن القول
بأنّ سبب كونهما مؤشرًا هو قوة إدارتهما أو قدراتهما وإمكانيّاتهما مثلًا، لأنّ
مسؤولية هذين العزيزين لم تستغرق مدة طويلة، حيث كانت مسؤولية المرحوم باهنر قصيرة
جدًا، وطالت مسؤولية المرحوم رجائي عدة أشهر أو زهاء سنة تقريبًا؛ وإنّما سبب ذلك [كونهما
معيارًا] هو سماتهما وسجاياهما السلوكية والشخصية والأخلاقية، وهذا ما ينبغي
استذكاره في أذهاننا على الدوام.
إيمانٌ وإخلاصٌ لنهج الإمام
إنّ الزمان يتغير، وتيار الثقافات والقيم المختلفة ونحوهما تأتي وتذهب،
وهذه هي طبيعة الزمان، حيث يطرأ على الأذهان والأفكار التغيّر والتحوّل، بيد أنّ
هناك أسسًا ثابتة يجب أخذها دومًا بعين الاعتبار. وبالنسبة لنا، نحن المسؤولين في
نظام الجمهوريّة الإسلاميّة المقدس، يمكننا البحث عن هذه الأسس الثابتة ومشاهدتها
في شخصيّة هذين العزيزين الجليلين. فلقد كانت تربطنا بهما، ولا سيّما بالمرحوم
باهنر، علاقة أنس وودّ لسنوات طويلة، وكذلك الحال مع المرحوم رجائي، وتعود علاقتنا
بهما إلى ما قبل انتصار الثورة وفترة تولّي المسؤوليّات وفي المجلس وخارجه، حيث
كانا يتمتّعان حقًا بخصائص لا ينبغي علينا نسيانها. وباعتقادي فإنّ من المعالم
الهامة جدًا هي إيمانهما بهذا النهج وبهذه الأهداف التي رسمها الإمام الخميني
وتجلّت في الجمهورية الإسلامية، وكذلك إخلاصهما، وروح الخدمة المودعة فيهما حيث
كانا لا يعرفان ليلًا ولا نهارًا لإسداء الخدمات وبذل الجهود.
روح شعبيّة ومعرفة الشعب
وكذا الروح الجماهيرية، والأنس بالناس، والاتصال بهم، والاستماع إلى
أحاديثهم عن كثب، وفتح طرق للإرتباط بصميم حياة الناس، رغم أنّنا وبحكم مسؤوليتنا
نعيش حالة من القيود والحدود. ولطالما ذكرتُ للسيد رئيس الجمهورية بأنّ زيارة
المحافظات أمرٌ محمود جدًا، ومن الأعمال الإيجابية للغاية، ولطالما كنت أوصي
الحكومات السابقة بذلك، وهذه هي إحدى الطرق، الذهاب إلی بيوت الناس وزيارة دور
الشهداء - الأمر الذي شاع في الوقت الحاضر نوعًا ما والحمد لله، وهو عمل مطلوب -
وهذه هي طرق للإرتباط بالناس، وهي مسائل بالغة الأهميّة، وأعمال تحافظ على الروح
الشعبيّة والجماهيرية وتؤدي إلی معرفة الناس. وإذا ما فُقد ذلك، سيغفل المرء عن حال
المجتمع، وسيقتصر نظره على الكلّيات، كالذي يمرّ فوق مدينة وهو في الطائرة، صحيح
أنّه ينظر إلى المدينة بصورة كلية وعامة أفضل ممّن هو فيها، ولكن لا يعرف ما يجري
في أزقة المدينة وشوارعها وداخل منازلها ودكاكينها، ومن هم الذين يتردّدون فيها؛
سوى من يسير في هذه الشوارع والأزقّة، بالمقدار المحدود والممكن طبعًا. [إذًا]
الروح الشعبية تقع على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية.
الإلتزام بمبادئ الثورة
ومن الأمور المهمة هي أنهما لم يدّخرا لأنفسهما شيئًا من خلال المنصب
الذي عُهِد إليهما. فلا ينبغي لنا أن نفكّر في أن نصنع من مسؤوليتنا وسيلة لتأمين
مستقبلنا، كما هو حال المسؤولين في كثير من بلدان العالم الذين يجعلون من مناصبهم
وسيلة لأن يكونوا في المستقبل أحد أعضاء المجلس الإداري في الشركة الفلانية، أو أن
تكون لهم حصة في المركز الفلاني المالي الحساس. وبالتالي، فإنّ إحدى سمات هاتين
الشخصيتين هي الالتزام بمبادئ الثورة وقيمها؛ الأمر الذي يجب علينا أن نأخذه بعين
الاعتبار وأن نطبّقه على أنفسنا.
صناعة الثقافة العامة
إن واحدة من الخصائص المودعة في سلوك المسؤولين هي صناعة الثقافة في
المجتمع، فنحن بأي طريقة نسلك؟ وبأي أسلوب نتحدث؟ وبأي نمط نعيش؟ ومن نعاشر؟ ومع من
نقطع العلاقات؟ إذ أن هذه الأمور تصنع الثقافة في المجتمع. ومن هنا فإن العمل الذي
تنجزونه والخدمة التي تقدمونها في أيّ قطاع كان، إذا كانت على مستوى التوقعات1،
واقترنت بالحرص والإخلاص والجهد البليغ، سيكون لها بالإضافة إلى ما يتركه هذا العمل
نفسه من أثرٍ على الواقع الخارجي، آثار بعيدة المدى أيضًا وهي عبارة عن صناعة
الثقافة. فإن الناس ينظرون إلينا وإليكم، وإن سلوكياتنا ورؤانا هي التي تصنع
الثقافة العامة لدى الناس. وعلى أي حال نحيّي ذكرى هذين الأخوَين الصالحَين
السعيدَين، ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا للسير في نفس هذا الصراط.
ضرورة إعلام الناس بإنجازات الحكومة
أرى من الضروري أن أقدم شكري وتقديري لأعضاء الحكومة المحترمين، ولا
سيّما رئيس الجمهورية المحترم، على الجهود التي بذلتموها. فلقد كانت التقارير جيدة
في هذا اليوم، ومن المناسب جدًّا أن تُذاع هذه التقارير، ويسمعها الناس من أفواهكم.
ولذا نطلب من السيد سرافراز2 أن يبثّ هذه التقارير بأصوات السادة أنفسهم، ومعنى ذلك
أن يسمع الناس من السيد نعمت زاده3 والسيد زنكنة4 والسيد شيت شيان5
وباقي الإخوة،
ما تم إنجازه من أعمال، وهذا أمرٌ مطلوب للغاية، وهو يُفضي إلى طمأنة الناس بأنّ
الإخوة يعملون ويبذلون جهودهم ويعكفون على العمل.
هناك أعمال إيجابية تم إنجازها
ولكن ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا دومًا ذكر الإنجازات التي يصدّقها
الناس إذا ما نظروا إلى واقع حياتهم، ويقرّون بأن هذه هي حقيقة الأمر. فإنني وبعد
مدة من نهوض السيد الدكتور هاشمي6 بمشروع الصحة، بدأتُ متعمّدًا أسال البعض من
المراجعين ومن أبناء الشعب سواء من الأقرباء أو الأصدقاء؛ في مشهد وفي أماكن أخرى،
ووجدتُ الناس قد تلمّسوا هذه القضية، ويقولون مثلًا كان الوضع في المستشفى الفلانية
على هذا النحو، وهذا أمرٌ جيد جدًا. فإن بعض الأعمال بعيدة عن متناول الناس، ولا
يشهدها أبناء الشعب، وإنما آثارها الجانبية هي التي تصل إليهم، بيد أن بعض الأعمال
مشهودة لديهم، وهي التي ينبغي طرحها. والذي أود أن أشير إليه الآن هو أن الاستقرار
والهدوء النسبي ملموس في القضية الاقتصادية، والجميع يرفع تقاريره في ذلك، وقد
بلغتنا التقارير من أطراف مختلفة. وهذه هي واحدة من المزايا حيث تم القضاء على
التذبذبات والتأرجحات الحادة في الشأن الاقتصادي، ولا بد من مراقبة هذا الأمر
وصيانته.
خفض نسبة التضخّم
ومن الأمور الإيجابية جدًا قضية خفض نسبة التضخم، علمًا بأنّ النسبة
الموجودة حاليًا غير مرضيّة لدينا، أعني التضخم المؤلف من رقمين. وقد أشار السيد
رئيس الجمهورية بأن معدل التضخم قد وصل مثلًا إلى نسبة 13 بالمئة ونيف -والملاك
بالطبع هو التضخم السنوي، والتضخم الشهري لا يُعتنى به وليس بالأمر المهم، والأساس
هو التضخم السنوي- علمًا بأن بلدان العالم الذي يبلغ معدل تضخمها عددًا مؤلفًا من
رقمين معدودة وقليلة جدًا، ونحن ندخل في عداد هذه البلدان. ولكن ينبغي أن يصل معدل
التضخم في بلدنا إلى نسبة أقل من عشرة بالمئة، ولا بد أن نصرف همّتنا ونبذل جهدنا
لتحقيق هذا الهدف. فإنه قد ترتفع نسبة التضخم أحيانًا بسبب بعض التأثيرات [المضاعفات]
الخارجة عن إرادتنا وأحيانًا المضاعفات التي يمكننا التحكّم بها، ومن الواضح أنها
غير دائمة، فإن حالات التضخم المفرط لا تستمر أبدًا، وبالتالي يُعمل على تخفيضها
بشكل من الأشكال، وقد تمكّنتم من القيام بذلك والحمد لله، ولكن لا تكتفوا بهذا
القدر. وعلى أي حال فهي مبادرة جيدة، وإنّ خفض معدّل التضخم حاليًا إلى نسبة 13 أو
14 بالمئة بحد ذاته يعتبر خطوة كبيرة.
معالجة الركود الاقتصادي
وهناك جهود تُبذل لمعالجة الركود ]الاقتصادي[ -وسوف أتحدث بالطبع حول
هذه المسألة، وسبق أن طرحتُ بعض الأمور على السيد رئيس الجمهورية في اللقاءات
الثنائية- فإنكم بالتالی تبذلون مساعيكم في معالجة الركود، وهو أمرٌ بالغ الأهمية،
فإن قضية الرکود تترك أثرها على التضخم وعلى العمالة أيضًا، ولذا فهي قضية مهمة في
البلد. وثمة جهود حسنة تُبذل في هذا المضمار.
أنشطة خدماتيّة
ومن النقاط الإيجابية قضية الصحة والسلامة. والأنشطة العلمية التي تمارس
في المعاونية العلمية أنشطة قيّمة. وقضية ريّ الأراضي التي بدأ النائب الأول
المحترم يمارس نشاطه فيها، وذهب بنفسه على ما يبدو إلى خوزستان وإيلام وزابل وأماكن
أخرى. (لم تذهب إلى زابل؟ عليك الذهاب إلى هذه المدينة بالتأكيد، إذن فذكرُ هذه
المدينة في محله) هذه هي أعمال حسنة تم إنجازها.
الملفّ النووي
وكذلك الحال بالنسبة إلى الملف النووي. ولقد تحدثنا كثيرًا في هذا الشأن،
وأشرنا واستمعنا إلى الكثير من النقاط، ولكن المهم هو أن السادة استطاعوا إنهاء هذه
المفاوضات. فقد كان التسويف والمماطلة في هذه المفاوضات معضلة بحد ذاتها وقد تمكنوا
من إنجازها، وهو عمل في غاية الأهمية. وإن كان على هامشها [في بعض زواياها] مشكلة،
فإنها سوف تعالج بتدبيركم وتدبير المسؤولين المعنيين بالأمر إن شاء الله. على أي
حال فإني أشكر جميع الإخوة والأخوات الذين يمارسون أعمالهم.
لم يتضاءل عداؤهم للجمهوريّة!
ثمة نقطة تُخامرُ ذهني في شأن القضية النووية وإنهاء المباحثات فيها،
وتشكّل هاجسًا وقلقًا في نفسي، وهي أن نلتفت إلى الأهداف التي يصبو إليها عدوّ
الجمهورية الإسلامية اللدود والأعمال التي يريد إنجازها. وبالتأكيد فإنه لم يقلّ
عداؤهم للجمهورية الإسلامية منذ انتصار الثورة وحتى يومنا هذا، فقد يمكن كبح العداء
والحؤول دون تنفيذه في بعض المواضع - وهذا مما لا شك فيه - ولكن لا يعني ذلك أن
العداء قد خبا بريقه. ونعتقد أن عداء الكيان الصهيوني الغاصب الزائف أو إدارة
الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية وحتى هذا اليوم لم يتضاءل أبدًا، وكلٌّ له
دليله، فالكيان الصهيوني يعادينا لسبب، وأمريكا تعادينا لسبب آخر، غير أنهما
متماثلان في حقدهما وعدائهما لنا، ولم يقلّ هذا العداء، وهم يمارسون اليوم تجاه
الثورة الأعمال نفسها التي قاموا بها في بداية الأمر، غير أن الأعمال قد تطوّرت،
والأساليب قد تغيّرت، فكانوا بالأمس يمارسون العداء ويوجّهون الضربات بطريقة،
واليوم بآلية ووسيلة أخرى، وهذا ما لا ينبغي التغافل عنه. وعلى المسؤولين كافة -
ولا يقتصر هذا الأمر على وزارة الخارجية والسيد الدكتور ظريف، وإنما يشمل شتى
الأجهزة الاقتصادية والسياسية - أن يلتفتوا إلى أن لا ينخرطوا في المخطط الذي رسمه
العدوّ ولا يلعبوا في ساحته، بأن يكون القرار الذي يتخذونه في المجال السياسي أو
الاقتصادي أو التجاري أو الثقافي مساعدًا على تحقيق مآرب الأعداء. حيث يمكننا أن
ندرك مقاصدهم من خلال أقوالهم وكتاباتهم وتصريحاتهم، ومعنى ذلك أنني أتحدث عن
العداء لا من باب الإخبار بالغيبيّات أو الاستناد إلى الأحلام والمنامات والأمور
الخيالية والوهمية، بل هي حقائق ماثلة أمام أعيننا. فإنه قد تشير تصريحاتهم إلى شيء
آخر، إلا أن الحقائق الخارجية المحسوسة والملموسة لدينا تدل على العداء ومعالمه
ومؤشراته ولكن بأساليبه الخاصة. أما واجبنا تجاه هذا العداء فهو بحث آخر، ولكن لا
ينبغي أن ننسى هذا العداء؛ هذا ما أروم قوله. فحينما لا تغفلون عن وجود معسكر
الأعداء أمامكم، وقد تخندقوا في مواقعهم، وأعدّوا أسلحتهم، سوف تعملون بما يقتضيه
الظرف، فقد يتطلّب الأمر إطلاق الرصاص، وقد يستوجب التزام الصمت، وقد يستدعي اللجوء
إلى الخنادق، وقد يقتضي الخروج من الخنادق؛ وهذه هي الواجبات التالية، غير أن المهم
في الدرجة الأولى عدم الغفلة عن وجود معسكر أمامنا وهو معسكر العدوّ الذي يتربّص
بنا سوءًا. ولا يقتصر خطابي هذا على المسؤولين الحكوميين فحسب، بل يجب على كافة
أبناء الشعب، ولا سيّما العناصر المخلصة للثورة، والمتأهبة لتقديم الخدمة إلى
الثورة، أن يتنبّهوا إلى هذه القضية، غير أن رجال الحكومة تقع على عواتقهم في هذا
المجال مسؤولية أعظم وأكبر بالقياس إلى سائر العناصر الوفية للثورة.
وعيٌ واتحاد وثبات على الأسُس
وباعتقادي، فإن العمل الذي يجب القيام به في الدرجة الأولى هو التزام
الصراحة في اتخاذ المواقف الثورية من دون مجاملة وخجل. فلنُعلن المواقف الثورية
وأسس الإمام الخميني العظيم بصراحة دونما خجل ومجاملة وخوف، ولنعلم أنه
﴿وَللهِ
جُنودُ السَّمواتِ وَالأَرضِ وَكانَ اللهُ عَزيزًا حَكيمً﴾7. فإنّ كل ما في العالم
من إمكانات وسنن هي جنود إلهية، وبإمكاننا أن نجعل من هذه الجنود الإلهية ظهيرًا
وسندًا لنا بالتوكل على الله والسير في سبيله.
ويجب علينا أن نتحلّى بالوعي واليقظة. فقد ذكرتُ قبل عدة أيام في كلمتي أن الأعداء
يهدفون إلى التوغّل والنفوذ، وقد يتحقق ذلك في قطاعات مختلفة، ولذا يجب عليكم توخّي
الحيطة والحذر. فإن المرء قد يبلغه فجأة بأن المؤسسة الفلانية مثلًا تغلغلت إلى
قطاع معين من منظومتنا الثقافية - كالمدارس التمهيدية - وأخذت تسيّرها بطريقة خاصة،
ويطّلع على هذا الأمر، ثم يبدأ بتحري القضية عن كثب فيجد بأنهم يمارسون عملًا
خطيرًا وكبيرًا وهو في غفلة، فإنّ هذا هو التوغل الذي يتم في شتى المجالات
الاقتصادية وفي تردّد الوفود وفي جميع الأجهزة. هذه نقطة متمثلة بالصراحة.
والنقطة الأخرى هي الحفاظ على التلاحم الموجود بين أبناء الشعب لحسن الحظ. ولا
ينبغي أن يتبادر إلى الذهن فور حديثنا عن التلاحم والتكاتف بأن كافة أبناء المجتمع
يعيشون بودّ وإخاء، كلا؛ إنما المراد بذلك أن الحركة والمسيرة عامة. وعلى سبيل
المثال إذا ما نظرتم إلى مسيرات الثاني والعشرين من بهمن، ستجدون أن الجميع يتجه في
حركته باتجاه واحد، ولكن هل أنهم جميعًا مثل بعضهم الآخر؟ وهل ينتمي كلهم إلى تيار
واحد وفئة واحدة؟ كلا، ولكن الاتجاه واحد، وعلينا أن نثمّن هذا الاتجاه الواحد وأن
نعرف قدره وأن نولي اهتمامنا به. ولا بد من تجنّب الأعمال الهامشية، فإن بعض هذه
الأعمال الهامشية تبعث على التفرّق والتشتت، وتؤدي إلى تمزّق هذا المنحى والاتجاه
الواحد، فلنتوخَّ الحذر في هذا المضمار.
تحديد الأولويات
لقد سجّلتُ عدة نقاط لتحديد الأولويات في هذه الفترة الزمنية، أطرحها
عليكم. ولحسن الحظ، وجدتُ في التقارير التي رفعها السادة هذا اليوم نقاطًا تتعلق
بهذه الجوانب التي دونتُها هنا، ولكني سوف أذكرها من باب التأكيد. فإن بعض هذه
النقاط مكررة، ولكن التكرار لا ضير فيه، وفي بعض المواطن لا يوجد بأس وإشكال في أن
يكرر الإنسان موضوعًا مهما بلغ. فانظروا كم تكررت قصة موسى في القرآن الكريم؟ لا
يوجد أي إشكال في هذا التكرار، فهو تنبيه يذكّرنا بمهامنا ومسؤولياتنا، ويعزّز
دوافعنا ومحفزاتنا.
المحفاظة على سرعة الوتيرة العلميّة
النقطة الأولى هي الحفاظ على الوتيرة العلمية المتسارعة. فقد بقيت
المرتبة العلمية دون انخفاض، وما زلنا على نفس تلك المرتبة الخامسة عشرة أو السادسة
عشرة التي كنا نتبوّؤها، وهي مرتبة عالية وجيدة جدًا، بيد أن الوتيرة المتسارعة قد
تباطأت، وهذا ما قلتُه للإخوة الجامعيين وأقول هنا أيضًا: لا تَدَعوا هذه السرعة
العلمية تتباطأ في العقد الثاني من ميثاق الأفق العشريني -وقد دخلنا في العقد
الثاني من هذا الميثاق-. ولو مضينا قُدمًا بهذه السرعة، لتضاعفت مرتبتنا العلمية
أهمية وقيمة بالتأكيد، ولربما وصلت إلى المرتبة العاشرة أو ما دونها، وهذه قضية على
جانب كبير من الأهمية. فإن العلم يمثّل الركيزة الأساسية للبلد. وفي جميع هذه
الموضوعات التي أشار إليها السادة من الصناعة والزراعة والنفط والطاقة والصحة
والعلاج والقطاعات الأخرى، لو أدرجنا عنصر العلم والإبداع العلمي والتقدم العلمي
ومشاركة العلماء فيها وأدخلناها في المعادلة، لتغيّرت الأوضاع بالمرة، ولحققنا طفرة،
فلا ينبغي أن نستهين بهذه القضية.. هذه هي عقيدتي. إذ أعتقد أننا مهما أنفقنا في
مجال العلم والبحث العلمي فهو استثمار، وهذا يعني أن لا نخشى من الإنفاق أبدًا. فإن
هذا الموطن يُعدّ من المواطن التي لا تُهدر فيها النفقات حقًا. ومهما بذلنا فقد
استثمرنا للمستقبل، وهذا أفضل عمل يمكننا أن نفعله بممتلكاتنا وأموالنا ومواردنا.
والنقطة الأساسية التي كانت حينذاك موجودة في العقد الأول - حيث شرعنا ولحسن الحظ
بالتقدم العلمي وبلغنا هذه المرحلة بحسب ما تفيده الإحصائيات العالمية - هي أن
الحركة العلمية تبدّلت إلى خطاب، ومعنى ذلك أن الأمر لم يقتصر على بعض الأجهزة
الحكومية، بل تبدّل في أوساط الجامعات والطلبة الجامعيين إلى خطاب عام. ولقد شاهدتُ
خلال لقاءاتي بالشرائح الجامعية ولا سيّما في الأعوام الأخيرة أن الجامعيين بما
فيهم الأستاذ والطالب حين إلقاء كلماتهم يطالبونني أنا الحقير بنفس ما كنتُ أطرحه
قبل سنوات في الأوساط الجامعية، وهذا ما يُسرّني كثيرًا. ويدل على أن هذه الكلمات
قد تبدلت إلى خطاب وإلى جوّ ومطلب عام، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. فلنحافظ على هذا
الخطاب. وإني أشدد على القطاعات المعنية - بما فيها الشرائح الجامعية، والتعليم
والتربية، ولا سيّما جهاز المعاونية العلمية الذي يبدو غائبًا في هذا اليوم - أن
يعمدوا إلى صيانة خطاب التقدم العلمي بكل إصرار وتأكيد.
كما ويجب الاستناد إلى الشركات المبنية على المعرفة8 - وقد رفعوا تقارير في هذا
المجال وكانت جيدة - ومن الأعمال المطلوبة والضرورية جدًا التسويق للعلوم
والتكنولوجيا، وتأسيس مجمعات العلوم والتكنولوجيا. فإن واحدة من مشاكلنا الاقتصادية
هي العمالة، ومن أفضل السبل لخلق فرص العمل، تأسيس مجمعات العلوم والتكنولوجيا
وإشراك طلاب الجامعات في الأعمال التقنية الصالحة للتبديل إلى ثروة. فلا بد من
مساعدتهم، وإرشادهم، وفتح طريق عملي حقيقي أمامهم، ليمارسوا أعمالهم. وإنّ تصوّر أنّ
كل من يتخرّج يجب أن يعمل في دائرة حكومية، ثم نُقيم العزاء بأن عدد المتخرجين كبير
ولا يتوفر لدينا مكان ولا إمكانيات، فإن هذه باعتقادي نظرة خاطئة، والنظرة الصائبة
هي أن نفتح الطريق أمامهم، ولا يتأتى ذلك إلا عبر التخطيط والبرمجة بأن يكون الطريق
للطالب الجامعي سالكًا وهو يمارس دراساته في الجامعة أو في المراحل العليا، ليتوفر
له مكان للقيام بالبحث العلمي، وفي رأيي فإن فرص العمل الناتجة عن العلم لا نهاية
لها. حيث يمكننا أن نوفر للجميع فرصة للعمل في المجال العلمي، شريطة أن نبذل
مساعينا في هذا المضمار. وهذه هي النقطة المختصة بالعلم.
هواجس قضيّة الثقافة
والنقطة الأخرى تحوم حول الثقافة. وإن السادة الحاضرين في هذا الاجتماع
ولا سيّما المسؤولين الثقافيين في البلد وشخص السيد رئيس الجمهورية المحترم، يعلمون
حساسية هذا الحقير تجاه القضية الثقافية. فإن المشاكل الثقافية أحيانًا تقضّ عليّ
مضجعي، وهذا ينبئ عن مدى أهمية القضايا الثقافية.
الحماية والإنتاج السليم
ثمة عملان أساسيان لا بد من إنجازهما، الأول المنتجات الثقافية السليمة
في المجالات المختلفة، والثاني الحؤول دون المنتجات الضارة وما تسمى بالأمتعة
والسلع الثقافية المضرة، وهذان باعتقادي يدخلان في عداد الأعمال الرئيسية. ففي جميع
العالم هناك إشراف ورقابة على المنتوجات الثقافية والكتب وما إلى ذلك، وهل توجد
بقعة في العالم خالية من هذه الرقابة؟ دلوني عليها. وهذه السيدة ابتكار9 الحاضرة في
هذا الاجتماع، ذكرت لي بأنها ألّفت كتابًا لم يُسمَح بطباعته في أمريكا، ولم يكن أي
ناشر على استعداد لطباعته، والسبب لا يعود إلى تعصب الناشر، فلو كان الإقبال على
الكتاب كبيرًا، لتولى طباعته أي ناشر، ولكنه يعود إلى الخوف من الرقابة، حتى عثرت
بحسب الظاهر على ناشر في كندا وهو أيضًا باعتقادي تصدى لطباعته بتخوّف، ولم تسعفني
ذاكرتي على تفاصيل القضية لأنها ذكرتها لي قبل عدة أعوام. وهذه أمورٌ يجب بيانها
ليعلم السادة ويُدركوا بأن السيد جنتي10 إذا ما حال دون طباعة كتابٍ فإنه لم ينفرد
في هذه العملية، وإنما هي عملية تُنفّذ في أمريكا وفي أوروبا أيضًا. ففي قضية
الهولوكوست لا يجرؤ أحد على إطلاق الحديث حولها، وهي بالتالي ليست قضية عقائدية.
نعم، إذا آلَ المطاف إلى الكاريكاتيرات المشينة لمقدسات دين الإسلام، عندها يصبح
السادة من طلاب الحرية ومن المنادين بحرية التعبير! ولكن لا أثر لحرية التعبير في
ما يخص الهولوكوست، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحجاب والقضايا الأخرى. وبالتالي فإن
هناك أسساً سائدة في كل بلد لا بد من صيانتها ويجب على الأجهزة الحكومية مراعاتها
دون الشعور بالخجل. فلو شاهدتم أن المسرحية الفلانية، أو الفيلم الفلاني، أو الكتاب
الفلاني، أو النشرة الفلانية تتعارض وأسس الثورة ومبادئ الإسلام، قوموا بمواجهتها
والحيلولة دونها، وطريقة هذه المواجهة لها بحث آخر، وهو أمرٌ موكول إلى الأجهزة
ليعملوا وفق ما رسمه القانون لهم، ولكن أعلنوا ذلك بصراحة دون مجاملة. إذن فالعمل
الأساس هو تهيئة الغذاء الثقافي السليم والحؤول دون الغذاء الثقافي الضار وغير
السليم.
ولا يجوز إلقاء حبل الثقافة على غاربها. فإن الإدارة الثقافية عملية ضرورية جدًا،
ولا بد أن تقوم الإدارة على أساس شعارات الثورة ومبادئها، والأصل في ذلك هو صيانة
أسس الثورة ومبادئ الإمام واستقلال البلد وما إلى ذلك. وهذه هي النقطة الثانية التي
تشكل في رأيي واحدة من أولويات هذه الفترة الزمنية.
في الشأن الاقتصادي
والأولوية الثالثة التي هي الأسبق والأكثر فورية من غيرها، قضية
الاقتصاد. ولحسن الحظ فقد نظّم السيد جهانكيري11 هذا الاجتماع بطريقة تم فيه
التركيز على القضايا الاقتصادية. ويعتبر الاقتصاد في الظرف الراهن أمرًا هامًا
لمصير البلد وتقدمه الحقيقي، ولواجهة البلد الخارجية، وللواقع السائد في حياة الناس
أيضًا. ومن هنا، فإنّ القضيّة الاقتصادية تحتل الصدارة بالنسبة إلى أولويات البلاد،
ومهما جرى التفكير والعمل والجدّ والجهد والتذكير في خصوص هذه القضية، كان في محله.
نحن نعتقد في الشأن الاقتصادي أولًا أن التقدم الاقتصادي للبلاد لا بد وأن يكون
مصحوبًا بالعدالة، فإننا نرفض الاقتصاد العاري من العدالة، وهذا ما ترفضه الثورة،
ويرفضه نظام الجمهورية الإسلامية. ويجب عليكم توخي الحذر في أن لا يحدث شرخ طبقي
ولا يُسحق الفقراء، فإن هذه هي من أمهات المسائل الـمُدرجة في برامجنا الاقتصادية
العامة، بما في ذلك الاقتصاد المقاوم الذي سوف أشير إليه لاحقًا، فقد لوحظت العدالة
وتأمين الحدود الدنيا في سياسات الاقتصاد المقاوم.
- التشجيع على العمل وتحقير البطالة
وإنّ من الأمور الأساسية في المجال الاقتصادي باعتقادي هي أنّ الكدح والعمل قد آلَ
إلى خطاب في الأجواء العامة. ولا بد أن يتزايد العمل القيّم في منظومة العمل اليومي،
وانخفاضه عيب ونقص كبير. ولنحاول أن نجعل الكسل والبطالة وإهمال العمل أمورًا وضيعة
في أنظار الناس، ومعنى ذلك ضرورة أن تصبح البطالة أمرًا حقيرًا، والعمل أمرًا
قيّمًا. حيث يُروى عن النبي (ص) أنه كان إذا نظر إلى رجل فأعجبه قال: له حرفة؟ فإن
قالوا لا. قال: سقط من عيني12. وهذا ينبئ عن مدى أهمية العمل، فإنّ النبي لا يجامل
أحدًا، ولذلك يتعامل معهم بهذا الأسلوب. علمًا بأن الجانبين يطالبان، فالعاطل عن
العمل يطالب بمنحه عملًا، والطرف الآخر يطالبه بالبحث عن العمل، وهناك طريق وسط
لربما أشرتُ إليه خلال حديثي. وبالتالي لا بد من الحثّ على العمل، والتشجيع على
إنتاج الأعمال القيمة وإنتاج الثروة في البلد. وعلى الحكومة أن تتجه في هذا الاتجاه،
وعلى أصحاب المجلات والصحف ومنابر الخطابة ووسائل الكتابة أن ينتهزوا هذه الفرصة،
ويبيّنوا هذه الأمور للناس. هذه نقطة في قضية العمل.
- إيجاد قنوات للعمل وتوفير الفرص
والنقطة الأخرى تتمثل في إيجاد وتوفير قنوات صحيحة للعمل، وهذا [مجرّد] قول وكلام،
غير أنه عمل عظيم وهام جدًا. ومن واجبنا إنشاء قنوات العمل. فإنه حين يتحدث المرء
عن عمل الإنسان وشغله وحرفته ويحث على هذا الأمر - كما ذكرت - يقول الطرف الآخر:
طيب، أنا عاطل عن العمل، فماذا أفعل؟؛ واجب علينا أن نرشد الناس إلى طرق البحث عن
العمل.
قبل عدة أيام شاهدتُ تقريرًا متلفزًا جيدًا حول رجلٍ يقول إنّه استطاع أن يوفر
بعشرة ملايين تومان فرصة للعمل في مجال تربية الزهور وإنتاجها وهو يعود عليه بهذا
المقدار من الربح، ثم ذكر بأن الحكومة تمنح الراغبين في هذا العمل الأراضي في
المناطق الفلانية. في حين أتذكر أن بعض السادة الأعزاء جاؤوا في فترة من الفترات
قبل حكومتكم لمناقشة هذه المسألة [كم هي كلفة تأمين فرصة للعمل؟]، وكان الحديث عن
مئة مليون وخمسمئة مليون في بعض الحِرَف وما إلى ذلك! ولكن يتسنى توفير فرصة للعمل
بعشرة ملايين، وهذا نموذج، وهناك نموذج آخر صادف وأن شاهدتُه في برنامج تلفزيوني
أيضًا، حول امرأة تصنع بعض الأمور وتقول إنّها استطاعت توفير هذه الفرصة باستثمار
عشرين مليون. ومن هنا يتضح أن لنا رصيدًا كبيرًا من الفرص والإمكانات.
وقد انعقد هنا اجتماع مع بعض السادة، وجرى الحديث فيه عن ضرورة ارتفاع نسبة النموّ
في بلدنا، وذكرنا بأن نسبة النموّ في بعض البلدان الأوروبية المتقدمة غالبًا ما
تبلغ واحدًا أو واحدًا ونصف أو اثنين بالمئة، وذلك لملء الفراغات واستنفاذها، كما
أن بلاد الصين مثلًا التي كانت نسبة النمو فيها تبلغ 10 أو 11 أو 12 بالمئة، أخذت
تتراجع حاليًا، وذلك لأنها ملأت الكثير من فراغاتها، وستتراجع هذه النسبة أكثر
فأكثر. بيد أن فراغاتنا وإمكانياتنا ما زالت كثيرة جدًا. ومن هنا، فإنّ جواب الإخوة
الذين أشكلوا على نسبة النموّ البالغة 8 بالمئة في الخطة الخمسية السادسة، والذي
صدر من قبل الخبراء والمتخصّصين هو أنّنا قادرون، وأن هذا ما يتطابق مع واقع البلاد؛
الأمر الذي أشار إليه السيد رئيس الجمهورية في هذا اليوم.
وانطلاقًا من هذا، فإنّ من الأمور المطلوبة هي إيجاد قنوات للعمل والبحث عن طريقة
لتوفير فرصه. إلا أنّ هذه المهمة تقع على عاتق أي قطاع من القطاعات الحكومية؟
والسيد ربيعي13 يقول دائمًا إنّ قضية العمالة ونحوها لا تقع على عاتقي أساسًا،
وينقذ نفسه بهذه الطريقة. ولكن بالتالي يجب على أحد القطاعات النهوض بهذه المسؤولية،
سواء أنتم أم منظمة التخطيط والبرمجة. علمًا بأن وزارة الاقتصاد بمعنى من المعاني
مسؤولة عن هذا الجانب حقًا في بعض المواطن، وأن نعتبر وزارة الاقتصاد مسؤولة فهذا
لا يتنافى مع كوننا مخلصين لكم! فإنّ هناك أموراً تتعلق بوزارة الاقتصاد، وقضايا
تتعلق بالبنوك والمصارف أيضًا، وسوف يصل الدور إلى السيد سيف ]رئيس البنك المركزي[.
- إدارة التجارة الخارجية
والقضية الأخرى التي أؤكدُ وأشددُ عليها في الجانب الاقتصادي، هي قضية الإدارة
الجادة للتجارة الخارجية، فهي على جانب كبير من الأهمية. حيث تعوّد الأجانب على مدى
سنين طويلة أن تكون نظرتهم لبلدان مثل بلدنا بخصوص التجارة قائمة على وجود مواد خام
في هذه البلدان، وعليهم أخذها واقتناؤها وصناعة قيمة مضافة منها لأنفسهم، وكما
ويوجد في هذه البلدان سوق وطلب يمكّنهم من نقل بضائعهم لها. وكان الجهاز الحاكم على
البلد قبل الثورة قد قبل بذلك. وحدث ذات يوم أن اجتمعتُ في مكانٍ ما مع أحد نواب
المجلس آنذاك، فقال لي بصراحة إن هذا أمرٌ مطلوب جدًا! وأساسًا هذا هو العمل الصائب
بأن ننفق نحن الأموال، ويقوم الأوروبيون كالخدم بتوفير البضائع ونقلها إلينا. فكان
البعض يحمل هذا المنطق التافه والخاوي تجاه هذه العملية ما أدى إلى انسياق البلد
صوب هذا الاتجاه. ونحن اليوم نحمل بعد انتصار الثورة نظرة أخرى، حيث نعتقد بأن
جانبًا من أسواقنا مرتبط بالمنتج الأجنبي، وهذا ما لا بأس فيه، ولكن يجب أن يرتبط
جانب من سوق ذلك المنتج الأجنبي نفسه [بمنتجاتنا] أيضًا، وهذا يعني التبادل
والتعامل العادل، وهو أمرٌ في غاية الأهمية.
- الاستيراد
والنقطة الأخرى هي قضية الاستيراد التي أشار إليها السيد نعمت زادة، وهو الذي قد
عُهدت إليه مسؤولية أربع وزارات؛ وإنّ المرء يخجل حقًّا! وزارات أربع هي: الصناعة،
والصناعات الثقيلة، والمناجم، والتجارة. فإنّ أحد الأعمال التي لم يتضح سببها حتى
الآن هو دمج وزارة التجارة بوزارة الصناعة والمناجم، ولم يتم حلّ هذه المسألة حتى
يومنا هذا. كما ولم يكن واضحًا بالنسبة لي الدافع وراء هذا العمل حين بادروا إليه.
وهذا على كل حال كان تشخيص المسؤولين في المجلس وفي الحكومة وقد قاموا به. ولذلك
فإنه عملٌ مُجهدٌ حقًا، وإنّه لحقّ أن يشعر بصعوبة النهوض بهذه المسؤولية، ولكن يجب
بالتالي إنجاز هذا العمل. فإن واحدة من أهم الأعمال هي إدارة التجارة الخارجية، إذ
يجب أن لا تتبدل البلاد إلى مجرد سوق لاستهلاك المنتوجات الأجنبية، وسوقًا للسيارات
وغيره من البضائع ويصبح لهم بالكامل. والأسوأ من ذلك قضية البنوك والمصارف.
- الاقتصاد المقاوم في عامه الثاني
والنقطة الأخرى حول قضية الاقتصاد المقاوم. وها هو العام الثاني لهذه السياسات، حيث
بدأ تنفيذ سياسات الاقتصاد المقاوم في العام الماضي (سنة 2014). وقد رفع الأعزاء في
الحكومة لي تقارير في هذا الشأن، وأنا بدوري شكرتُ السيد جهانكيري باللسان شخصيًا
حين أبلغ خمسة عشر جهازًا بلزوم إنجاز هذه الأعمال والمهام. ثم رفعوا لي تقريرًا
مفصّلًا لاحظتُه وقرأتُه بعد تلخيصه. فإنّ بعض الأعمال التي أُنجزت في مجال
الاقتصاد المقاوم أعمال تمهيدية، ولا ينوء بنا المقام لأن نتحدث عن المصاديق، وبعض
الأعمال الواردة في التقرير لا صلة لها ببنود الاقتصاد المقاوم، رغم أنه قد تم
وصلها وربطها به، بيد أنها تدخل في عداد المهام الجارية للأجهزة، إذ أن لها بالتالي
أعمالها ومهامها الجارية، فرفعت لكم تقاريرها التي تفيد بأننا أنجزنا هذه الأعمال،
وبالتالي أُدرجت ضمن جدول أعمالها الذي يدخل في إطار الاقتصاد المقاوم، والحال أنها
ليست كذلك. وهناك بعض الأعمال أيضًا لا صلة لها ببنود الاقتصاد المقاوم، فهذا
المقدار لا يكفي. وذلك أن سياسات الاقتصاد المقاوم تعتبر رزمة كاملة منسجمة، وهذه
الرزمة ليست ثمار فكر شخصي، وإنما هي ثمرة عقل جمعي وحصيلة جهود جماعة من الناس،
وبعض الخبراء الاقتصاديين الحاضرين في هذا الاجتماع على علمٍ واطلاعٍ بمجريات
الأمور. فقد حصل عمل واسع النطاق بشأن هذه السياسات، ثم جاءت النتيجة إلى هنا وتمّ
تمحيصها ودراستها ومناقشتها والتفكير فيها، ومن بعد ذلك انتقلت إلى مجمع تشخيص
مصلحة النظام وخضعت للدراسة والبحث، حتى تمخّضت عنها هذه السياسات المعلنة. فهي
حصيلة عملية عقلائيّة قائمة على أساس التدبير. ولذلك وافق الجميع عليها، إذ أنني لا
أعرف حتى حالة واحدة من بين علماء الاقتصاد تصدّت لمخالفة هذا الاقتصاد المقاوم
وتخطئة سياساته سواء من الذين لهم موقف إيجابي منا أو موقف سلبي، بل صادق عليها
الجميع.
لزوم خطة متناسقة..
وبالتالي فإنها رزمة متناسقة، ينبغي تنفيذها بمجموعها، ولكن كيف يتحقق
ذلك؟ حينما يجري تقديم خطة تنفيذية وعملية متناسقة لها، وهذا ما قلته قبل فترة
للدكتور السيد روحاني، وتقرر أن يطلب من الأعزاء إعداد الخطة إن شاء الله، فهو عمل
ضروري. أي أننا بحاجة إلى وضع برنامج عملي يحدد حصة كل جهاز حيال بنود الاقتصاد
المقاوم، ثم يضع لها سقفًا زمنيًّا، وهو أمرٌ بالغ الأهمية. فلا بد من وضع جدول
زمني ليتضح أن هذه المهمة ينبغي إنجازها إلى هذا الزمن، وما لم يوضع جدولٌ زمنيّ،
فلا ضمانة لتنفيذ هذه السياسات حتى على طول فترة تصدّيكم للحكم. فإن أردتم تطبيق
هذه السياسات وتنفيذها وعَوْدها بالنفع على الناس، عليكم بوضع سقف زمني لها. ويجب
أولًا تحديد الخطوات العملية اللازمة لكل فقرة وبند، وتعيين من يتصدى لتنفيذها من
الأجهزة، ووضع سقف زمني لكل قطاع، وفرز الإمكانيات الضرورية وطريقة تأمينها. فإنّ
هذه السياسات تمثل بالتالي خطوة عملية ميدانية، وحينما تقومون بإعداد آلية لها،
فإنّكم تريدون في الحقيقة قطع خطوة ميدانية. ولهذه العملية لوازمها، ولكن ما هي هذه
اللوازم؟ وكيف يتم تأمينها؟ هذا ما يجب اكتشافه وتحديد طرق تأمينه. فإن تحقق ذلك،
سوف يتسنى لكم عندئذٍ الرصد والمتابعة، لتنظروا هل تحقق المطلوب أم لا؟ وهل نهض
الجهاز الفلاني بواجباته أم لا؟ وهل تسير الأمور قدمًا أم لا؟
والنقطة الثانية حول الاقتصاد المقاوم هي ضرورة أن يتم إدراج جميع البرامج
الاقتصادية للحكومة في منظومة الاقتصاد المقاوم وسياساته، حتى الخطة الخمسية
السادسة والميزانية السنوية، إذ يجب أن تتبلور بأسرها على أساس الاقتصاد المقاوم،
بمعنى أن لا يكون أيّ منها وفي أي قطاع من القطاعات غير متطابق مع هذه السياسات،
وليس المراد من ذلك أن لا يكون معارضًا لها وحسب، بل لا بد أن يكون متطابقًا معها
بالكامل.
والنقطة الأخرى هي أخذ القطاعات الخارجة عن الحكومة بنظر الاعتبار، إذ بإمكانكم
إبلاغ الوزارات والقطاعات الحكوميّة، ولكن هناك قطاعات تعمل خارج إطار الحكومة،
ويمكنها أن تؤدي دورها في مجال الاقتصاد المقاوم، ومنها التعبئة، ولقد رُفع إليّ
تقرير في هذا الشأن. وأرى من الضروري جدًا - إن سنحت الفرصة للسيد رئيس الجمهورية
أو السيد جهانكيري على أقل تقدير - أن تنظروا ما هي الأعمال التي بوسع منظمة
التعبئة إنجازها في مجال الاقتصاد المقاوم ولديها القدرة على ذلك، فإن التعبئة طاقة
جبارة وليست بالشيء القليل الضئيل، وإنما هي منظومة عظيمة متأهبة للعمل، فاجتمعوا
بهم وانظروا ما الذي يمكنهم القيام به، وهم بدورهم سوف يعرضون إمكانياتهم وطاقاتهم
ويستعرضون إنجازاتهم، وهم باعتقادي يتمتعون بقدرات عالية. وقد أشرتُ إلى التعبئة
على سبيل المثال، وإلا فهناك قطاعات مختلفة، وهناك علماء اقتصاديون وناشطون في
المجال الاقتصادي الخارج عن الإطار الحكومي، وهناك شركات تمارس أنشطتها في هذا
الشأن، فاستثمروا إمكانياتهم وقدراتهم. ولا بد من إدراج كل هذه الأمور في الخطة
العامة، بمعنى أن لا تكون الخطة العامة خاصة بالقطاعات الحكومية. إذاً، الخطوة
الأولى هي رسم هذه الخطة بهذه المميزات.
والخطوة التالية تأسيس لجنة قوية واعية نافذة الكلمة. وأنا طبعًا مطّلع على الشورى
المشكّلة من قبل السيد رئيس الجمهورية، وهو أيضًا يشارك فيها، وهي مبادرة جيدة جدًا،
بيد أنها لا تمثل لجنة القيادة. فإن للسيد رئيس الجمهورية الكثير من الأعمال
والمهام الأخرى التي يجب عليه متابعتها، ولا يمكنه أن يخصص كل وقته وطاقته وهمته
لهذه المهمة. بل لا بد من لجنة ومقر -كمقرات القيادة التي كانت لدينا في الحرب، أو
التي تشكلت في شأن بعض المشاريع الأخرى، ولديكم أيها الدكتور السيد روحاني تجربة في
هذا المجال- فإنه ثمة حاجة إلى لجنة قيادة ترصد دومًا وتنظر وترى أي جهاز استطاع
التقدم، وأين تكمن المشاكل. لأن الكلام سهل، والبرمجة لا تحمل صعوبة كبيرة، بيد أن
العمل يختلف عنهما، فإن أراد المرء أن يخوض غمار الساحة وحثّ الخطى نحو الأمام، قد
تواجهه بعض العقبات التي لم يُؤخذ بعضها بالحسبان، على خلاف بعضها الآخر ولكنها
عقبات طارئة، فيجب على هذه اللجنة أن تتمكن من إزالة هذه العقبات في عمليات خاطفة،
وفتح الطريق والتقدم نحو الأمام، وأن تكون نافذة ومسموعة الكلمة، ولا تكون كما حدث
اليوم حينما كان يكرر السيد جهانكيري قوله: تحدثوا لمدة خمس دقائق، وكان السادة
يمدّدونها إلى سبعة وعشرة دقائق، بل لا بد أن يتقبل الجميع كل ما تطالب به هذه
اللجنة.
ثم أطلعوا الناس على تقدّم العمل من خلال التقارير، وانظروا ماذا سيحصل! فلنفترض
أنه تم تدوين هذه الخطة بالشكل الذي ذكرناه، وتأسست تلك اللجنة، وعملت لمدة ستة
أشهر مثلًا، سيحقق العمل تقدمًا باهرًا، ومن بعدها بيّنوا للناس أنّنا قمنا بهذه
الأعمال وأنجزنا هذه المهام، ويشعر الناس بها في حياتهم، وبهذا سوف يتحقق بالكامل
ذلك الأمل والتفاؤل بالمستقبل الذي تريدون الحفاظ عليه لدى أبناء المجتمع، وهذا
يعني رفع التقارير للناس. ويجب بالطبع تحديد مؤشرات للتقييم.
وهناك أيضًا في منظومة الاقتصاد المقاوم ثمة إلزامات قانونية وحقوقية وقضائية، وإنّ
السلطتين التشريعية والقضائية مستعدتان لإسداء التعاون، فالمجلس على استعداد
للتعاون في هذا المجال، بحيث أنكم لو احتجتم إلى تغيير قانون أو تعديله أو إضافة
قانون جديد، أو إلى مبادرة قضائية في مورد من الموارد، فإن السلطتين مستعدتان
لتقديم التعاون فيها لتحقيق الاقتصاد المقاوم.
إعادة تشغيل الوحدات الجاهزة
وأشير إلى قضية الركود، فإن وصول نسبة النموّ إلى 3% يدل على أن الركود
قد تزحزح ]وتحسّن وضعه[، وقد قُطعت خطوة ]في هذا المجال[. ولكن يجب علينا التحرّي
لنرى في أيّ القطاعات كان النموّ إيجابيًا وفي أيها كان سلبيًا، حتى وصلت حصيلة
حالات النمو الإيجابية والسلبية إلى ثلاثة بالمئة. وإن لم يتم مكافحة الركود بصورة
جادة دؤوبة، ستتعرض نفس هذه النسبة من النمو للخطر، وسيرتفع معدل التضخم، وستواجهنا
مشكلة البطالة.
وأقول هنا إذا أراد السيد نعمت زاده متابعة عدد المعامل العاطلة حاليًا عن العمل -أقصد
المعامل التي يتوفر فيها كل شيء ولا تعمل في الحال الحاضر- وقد رُفعت تقارير ذُكر
فيها الأرقام الدقيقة، وعدد المعامل التي تعمل بنسبة ما دون الخمسين بالمئة، وعدد
المعامل التي تعمل بنسبة ما دون السبعين بالمئة. هذا ويمكن قبول ما يعمل منها بنسبة
سبعين بالمئة، إلا أن الذي يعمل منها بنسبة أقلّ من الخمسين بالمئة أمرٌ مرفوض! فإن
البعض منها يعاني من مشكلة السيولة النقدية، أي الرأسمال المتداول -وهذه مهمة
البنوك، وعليها أن تتحمل المسؤولية في هذا المضمار، ولو تشكلت في مجال الاقتصاد تلك
الهيئة الرئيسية واللجنة القيادية لأمكنها متابعة كل هذه الأمور- إلا أن البعض منها
لا يعاني من مشكلة افتقاد السيولة النقدية، وقد تسلّم التسهيلات ]المصرفية[،
والمعمل حاليًا جاهز ومعدّ للعمل، ولا تواجهه أية مشكلة، والمكائن فيه –كما ذكروا–
حديثة، ورغم ذلك فهو عاطل عن العمل، لماذا؟ لأنه أنفق التسهيلات في مكان آخر، وهذا
ما يستوجب ملاحقة قضائية، وعليكم بمتابعة هؤلاء واستدعائهم. ولهذا السبب نطالب
بتشكيل «لجنة القيادة» التي ستقوم بمتابعة هذه المسائل. فما لم تُعالج قضية الركود،
ستترك بصماتها على كافة العلامات والمؤشرات الاقتصادية. علمًا بأن القانون الأخير
الذي أشاروا إليه قانون جيد، ولكن القانون لوحده لا يكفي. بل يجب دعم المراكز
الإنتاجية، وتأمين السيولة النقدية ورؤوس الأموال المتداولة، والتصدي الجاد للذين
تركوا الوحدات الإنتاجية الجاهزة راكدة عاطلة عن العمل.. هذه كلها من الأعمال
الضرورية. ولقد قلتُ في الاجتماع السابق الذي جمعنا مع السادة الأعزاء، وأعود لأؤكد
الآن أيضًا، ضرورة أن يؤدي النظام المصرفي دوره في هذا المجال، وأن ينزل إلى الساحة
بشكلٍ كامل.
خصخصة بعض المشاريع
ومن القضايا التي اقترحوها، وكانوا وما زالوا يقولون بأن الأرضية مؤاتية
لها، هي إيداع بعض المشاريع إلى القطاع الخاص، وينبغي بالطبع تمهيد السبيل لحثّ هذا
القطاع وتشجيعه، حيث توجد حاليًا بلا شك أموال سائبة. وحسب التقارير التي زوّدوني
بها هناك 400 ألف مليار تومان من المشاريع الراكدة المتوقفة - وكلها حكومية - وإن
استطعنا إحالة عشرة بالمئة منها للقطاع الخاص فانظروا ماذا سيحصل، سوف يدخل أربعون
ألف مليار تومان فجأة إلى سوق العمل، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. بمعنى أنه لو مُنح
القطاع الخاص عشرة بالمئة من هذه المشاريع المعطلة التي تقدّر ب400 ألف مليار تومان،
لقُطعت في البلد خطوة هامة. وهذا حقًا أحد الأعمال التي يجب التخطيط لها والمبادرة
إليها.
تطوير القطاع الزراعي
وقطاع الزراعة أيضًا مهم بدوره. وأعتقد بالطبع أن السيد حجتي ]وزير
الجهاد الزراعي[ يستطيع أن يمارس دوره في هذا المجال حقًا. وهو في رأيي وزير من ذي
السوابق الحسنة في عمله، ويتمكن من النهوض بهذه المسؤولية، غير أنّ الأمر الذي
نتوقعه منه ومن المجموعة كلها هو تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج المحاصيل الحيوية،
فلا تستمعوا في قضية الاكتفاء الذاتي إلى قول هذا وذاك بأن القمح في الخارج أزهد
ثمنًا وما إلى ذلك، بل لا بد من بلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي في المواد الحيوية.
كما ويجب الاستفادة من المهندسين الزراعيين أيضًا. ذات مرة قلت للسيد روحاني بأننا
كنا في زيارة لإحدى المحافظات -وأظن أنها محافظة همدان- فأبلغني الإخوة الذين كانوا
يتابعون الأمور بأن الزراعة مزدهرة جدًا في مختلف مناطق هذه المحافظة، واتضح بعد
التحقق أنهم كانوا يستعينون بالمهندسين الزراعيين الشباب وهم كثر في تلك المحافظة
والحمد لله. حيث طلبوا مساعدتهم، وكان الطرف الآخر يستمع إلى كلامهم وتوجيهاتهم،
وهذا ما يساعد على تحسين العمل. وهو أمرٌ يحتاج إلى وضع برنامج وخطة، وليس بعمل
بالغ الصعوبة، وإنما هو بحاجة إلى دعوة عامة، وإلى فرز وتشخيص، وإلى برمجة وتخطيط،
وإلى تقسيم للمهام، وهي مهام يمكنكم إنجازها في سبيل توظيف هذه الطاقات.
وكذلك استخدام التقنية العصرية، ومعالجة قضية الماء التي أشاروا إليها وتقسيم
المياه والاستهلاك الأمثل لها والتي تعد من الأمور الهامة جدًا، والوقوف أمام
الاستيراد، وأعود لأؤكد ثانية على هذا الأمر. فإنكم تقولون بأننا وقفنا أمام
الاستيراد، ولكن هناك في الأسواق فواكه مستوردة، فمن أين تستورد إيران فاكهة تكون
أفضل من فاكهتها؟ ذات مرة زارني رجل من إحدى البلدان العربية - ولا أذكر الاسم - في
فترة رئاستي للجمهورية، وقدم لي علبة جميلة جدًا من التمر كهدية، فقلتُ في نفسي:
هذا مصداق حقيقي لناقل التمر إلى هجر. إذ أننا نمتلك أنواع التمر - من التمر
الموجود في مدينة بم أو أنواع التمر في جنوب البلاد، سواء في محافظة فارس أو
خوزستان أو بلوشستان - وإذا بهم يقدمون لنا تمرًا ولكن بصورة معلّبة. فأخذتُ هذا
التمر حينها وذهبتُ به إلى مجلس الوزراء وقلتُ لهم: قارنوا هذا التمر بالتمر
الموجود في بلدنا! فإن تمورنا أفضل منه، ولكن كم هو جميل هذا التعليب. والحال أن
تمورنا كانت توضع في تلك الأكياس الكذائية، وتُكدّس في الحصران بالركلات، وتُغلق
رؤوسها، وتوزّع! وقد تحسّن الوضع الآن بعض الشيء. وعلى أي حال فإن استيراد الفاكهة
استيراد منفلت.
التركيز على القطاع الريفي
وهناك قضية أساسية ترتبط في الأغلب بوزارة الزراعة - ولا تختص طبعًا
بهذه الوزارة - وهي التركيز على القرى والأرياف. ومعنى ذلك أن نقوم بإدراج هذه
القضية ضمن الأجزاء الأساسية لتخطيط الحكومة وبرمجتها، وهي التركيز على القطاع
الريفي. فلقد تحدثنا كثيرًا بهذا الشأن في السنوات الماضية، ولكن لم يتم تطبيقه
عمليًّا. وعلينا أن نقوم بنقل الصناعات التحويلية إلى الأرياف وإلى بعض المدن. ففي
أرومية مثلًا شاهدتُ التفاح متساقطًا على الأرض! وقالوا إنه غير مجدٍ اقتصاديًا،
وتكاليف العمال أكثر بكثير من الأموال التي تعود علينا من بيع التفاح، أو الخوخ، أو
المشمش، أو العنب. فتلك المناطق بحاجة إلى صناعات تحويلية. ولدينا في كثير من مناطق
البلاد فواكه لا يكون حصادها مجديًا لأصحاب البساتين من الناحية الاقتصادية. فلو
كنا نمتلك صناعات تحويلية ومجففات يمكننا توظيفها في تلك الأماكن، لتعيّن علينا
المبادرة إلى هذا العمل. وطاقاتنا وإمكانياتنا فائقة حقًا. فلقد رأيتُ في مدينة
إيرانشهر طماطم بحجم الشمام! وهي لم تكن مفردة خاصة، وإنما كان حجم الطماطم بهذا
المقدار، حيث دعيتُ -حينما كنت منفيًا- إلى بستان واقع بين مدينتي بمبور وإيرانشهر،
فجاؤوا بطماطم بحجم الشمام! وجاؤوا ببصل بحجم كفي هذه! إذ أتذكر أنني أمسكتُ البصلة
في يدي وقلتُ أريد أن أقيس حجمها من أجل أن أذكر هذه القضية للآخرين، فكانت بمقدار
كفي، ولم تنحنِ أصابعي حين أمسكتُ بها؛ أي كانت بهذا الحجم الكبير! وهذا ما هو
متوفر لدينا، وقد توافرت هذه الإمكانيات في الكثير من مناطق بلدنا. فإن أولينا
اهتمامنا بالصناعات الريفية وبالأرياف وبأصحاب البساتين، لكان ذلك خير خدمة نقدّمها
للقرى وللفقراء الساكنين فيها وفي المناطق الأخرى.
في قطاع المناجم
وقد دوّنتُ هنا شيئًا في قطاع المناجم، ولكن الوقت قد أدركنا (ولا نريد
أن نضغط كثيرًا على السيد نعمت زاده). إلّا أننا - بحسب التقارير التي بلغتني -
نستثمر كحد أعلى 15% من احتياطيات المناجم في البلاد، 15%! ولكن علينا أن نجعل
المنجم بديلًا عن النفط، وأن نتمكن من القيام بذلك حقًا. ولقد قلتُ قبل زهاء عشرين
سنة للحكومة في وقتها بأن علينا أن نفعل ما من شأنه أن يمكّننا متى ما شئنا من
إغلاق آبار النفط، فلا نخشى من قلة الزبائن، ولا من فقدان الأسواق، ولا من افتقاد
عائدات النفط، ويجب علينا بلوغ هذه المرحلة. ولا بد لنا حقًا من التخطيط لأجل توفير
بديل للنفظ. ولكم أن تنظروا ماذا آلَ الأمر بهذه المادة! فتبادل إشارة واحدة بين
القوى الكبرى والعناصر الخبيثة في المنطقة، أدّت إلى هبوط مفاجئ لسعر النفط من مئة
دولار إلى أربعين دولارًا! ولكن كم شهر استغرق هبوط سعره من مئة دولار وإلى الآن؟
ولهذا فإن النفط مادة لا يمكن الاستناد إليها، ولا يستطيع الإنسان أن يجعلها جزءًا
من مصير البلاد اقتصاديًا وتسيير أموره وربطها بها. فإن النفط نفطنا، غير أن أمره
بيد الآخرين، وعائداته في الأغلب تعود للآخرين. وإن مقدارًا أكثر من الذي نستفيده
نحن من تصدير النفط، تستفيد منه تلك الحكومة المستوردة للنفط في أوروبا أو غير
أوروبا، حيث تجبي الضرائب وغير ذلك. فإننا نعطي نفطنا ونأخذ المال، وهي تأخذ النفط
منا وتأخذ المال من شعبها. وأرباح تلك الحكومات من بيع النفط أكثر من أرباح حكومتنا،
فيا لها من صفقة خاسرة. علمًا بأننا كنا في بعض المواطن مضطرين لإنتاج النفط، ولم
يكن أمامنا سبيل غير ذلك، ولكنني في الحقيقة لا أفرح من أعماق قلبي عندما أسمع
بزيادة صادرات النفط وإنتاجه، وأفكر دومًا بأن علينا أن نجد بديلًا له. وعليه، لو
أردنا العثور على بديل فالمناجم من أفضل البدائل.
ثم ينبغي أن نتجنب بشدة بيع خامات المعادن. فإن لدينا معادن قيّمة، وتوجد في محافظة
كرمان أو في جنوب خراسان أحجار قيمة للغاية. فأن نقوم باقتلاع هذه الأحجار وإرسالها
إلى إيطاليا ليقوموا بتبديلها والحصول على قيمتها المضافة بعشرة أضعاف، وإعادة
إرسالها إلينا وتصديرها إلى داخل البلاد أحيانًا، فهذا ما يحزّ في النفس. وهذه إذاً
بدورها قضية. وأعتقد أن القطاع الخاص مهم أيضًا في قضية المناجم. وبحسب التقارير
التي وصلتني، فإن المحافظين وأمثالهم في المحافظات يصرّحون بأنهم يستطيعون إشراك
القطاع الخاص في قضية المناجم وفي بعض المجالات الأخرى.
بالنسبة للمياه..
وقضية المياه التي دوّنتها تعتبر في غاية الأهمية. وقد أشار السيد شيت
شيان - وكانت إشارة صحيحة بالكامل - إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وهي مسألة
مهمة حقًا. ولا تكفي هذه البرمجة التي تحدثتم عنها، فإن البرمجة تشكل خمسين بالمئة
من العمل أو أقل، بل لا بد من تطبيق هذا البرنامج والسير فيه. وأنتم بالطبع أهلٌ
لذلك والحمد لله. وهناك بالإضافة إلى ذلك الاقتصاد في الماء، وإصلاح عملية الري،
والترشيد الزراعي في كل منطقة.
في قضية الخطة الخمسيّة
والنقطة الأخيرة حول الخطة الخمسية السادسة التي يكاد أن يفوت وقتها.
فيجب عليكم إعداد هذه الخطة في أسرع وقت إن شاء الله، متطابقة - كما ذكرتُ - مع
سياسات الاقتصاد المقاوم، ورفعها بسرعة إلى المجلس. لأنني أعتقد بضرورة المصادقة
والتصويت عليها في هذا العام، ومعنى ذلك أن يتم إنجاز هذه العملية بسرعة فائقة.
وعليكم أن تُنزلوا المجلس إلى الميدان وفي وسط الساحة، ليتصدى الأعزاء بدورهم إلى
متابعة جادة ودؤوبة لهذا الأمر، وسوف يحالفكم النجاح في هذا العمل إن شاء الله.
ونسأل الله أن يغمركم بعونه فإنه
﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ
المُؤمِنينَ لِيَزدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِم﴾14. وندعو الله أن يسبغ على
قلوبنا وقلوبكم جميعًا سكينة وطمأنينة تقف على النقيض من اندلاع التشويش والاضطراب
في الأذهان والأفكار، وهذه السكينة هي التي تتسبب في ازدياد إيمان الإنسان:
﴿
لِيَزدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِم﴾. وهي تُكتسب من خلال الاتكال على قدرة الله،
ولذا يقول بعد ذلك:
﴿وَللهِ جُنودُ السَّمواتِ وَالأَرضِ وَكانَ اللهُ عَليمًا
حَكيمً﴾.
نسأل الله أن يعينكم ويساعدكم، ونحن أيضًا بدورنا ندعو لكم باستمرار. وينبغي أن
ندرج في جدول برامجنا جميعًا العمل الذي يصب في خدمة الناس ويكون في سبيل الله
ويُؤدّى بإخلاص، وندعو الله تعالى أن يبارك لنا ويتقبل منا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته.
1- "وهي إلى حد كبير
على هذا المستوى في كثير من القطاعات والحمد لله".
2- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
3- وزير الصناعة والمناجم والتجارة.
4- وزير النفط.
5- وزير الطاقة.
6- وزير الصحة.
7- سورة الفتح؛ الآية 7.
8- أو الشركات العلميّة المحور
9- رئيسة منظمة البيئة.
10- وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي
11- النائب الأول لرئيس الجمهورية
12- بحار الأنوار، ج100، ص9.
13- وزير العمل والتعاون والرفاه الاجتماعي
14- سورة الفتح؛ جزء من الآية 4