كلمة الإمام الخامنئي في جلسة الأنس بالقرآن الكريم 18-5-2016
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة
والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الطیبین الطاهرین
المعصومین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.
جلسات الأنس تجمعُ المسلمين
لقد كانت جلستنا اليوم في غاية العذوبة، جلسة حلوة ومنشودة. فقد انتهلنا
من بركات التلاوات والعروض الفنية القرآنية التي ألقاها رجالنا وشبابنا الأعزاء.
كما وأرحّب بالضيوف الذين وفدوا علينا من البلدان الأخرى، سواء أساتذة القرآن، أو
المشاركون في المسابقات.
إن إحدى المحاسن الكبرى لهذه الجلسات والمسابقات القرآنية، هي الأنس المتبادل بين
الإخوة المسلمين من مختلف البلدان مع بعضهم الآخر. فإن السياسات الاستكبارية
المختلفة تسعى جاهدة لإثارة الشقاق فيما بيننا والعمل على إقصاء الشعوب المسلمة
بعضها عن الآخر، بل وتأليب بعضها ضدّ الآخر. وعلى الشعوب الإسلامية أن تعمل بعكس
ذلك تماماً، وأن توطّد الأنس فيما بينها بكل ما أوتيت من قوة وبما أتيح لها من
سبيل. وواحدة من هذه السُبُل، هي إقامة مثل هذه الجلسات. فإن القرآن هو المحور
المشترك والنعمة الإلهية الكبرى للمسلمين كافة. وعلى الجميع أن ينتهلوا معاً من
بركات هذه المائدة المعنوية الإلهية. وهذه الجلسات والمسابقات القرآنية، توفّر
للجميع الفرصة للنهوض بهذا العمل.
ثبات الأمة.. على هدي القرآن
وإنّ من البركات الأخرى لهذه الجلسات، تعزيزُ الأنس بالقرآن لدى شبابنا
ومختلف أبناء الشعب والشرائح. وهذه حقيقة: أننا بعيدون عن القرآن، والأمة الإسلامية
بعيدة عن القرآن، وهناك بونٌ شاسع بين واقع حياتنا والحقائق القرآنية! وما علينا
إلا أن نقرّب أنفسنا منه، وإن سعادة الأمة الإسلامية مرهونة بأن تقترب بنفسها من
القرآن ومفاهيمه ومعارفه ودروسه. ومن الطرق المؤدية إلى ذلك تعزيزُ الأنس بالقرآن
لدى الشباب وأبناء الشعب نساءً ورجالاً. وهذه هي الأخرى من بركات هذه المسابقات.
وإني أتقدّم بالشكر لأولئك الذين أقاموا هذه المسابقات، وأداروها، وتجشّموا العناء
فيها.
التفتوا! هناك اليوم تُنفق أموالٌ باهظة في العالم، وأعمال كبيرة تُنجز، لتسديد
ضربة للإسلام والمسلمين. فإن القوى الطاغوتية في العالم تهاب الإسلام، وتخاف من
مجتمع المسلمين البالغ عدده ملياراً ونصف المليار نسمة، ولهذا باتت تبذل قصارى
جهدها لاستلاب القوة من مجتمع المسلمين بطرقٍ مختلفة، فهي تعلم أن الإسلام يقف سداً
أمام مطامعها. ولو علا صوت الإسلام، لما توافرت لها بعدُ إمكانية ممارسة الظلم في
حق الشعوب بهذه الطريقة. لذا فهي تعمل على إخماد صوت الإسلام، من أجل أن يتسنى لها
إخراج قضايا المستضعفين في العالم من الأذهان، وإيداع القضية الفلسطينية واغتصاب
بلدٍ إسلاميٍّ في غياهب النسيان.. هذه هي الأهداف التي ينشدونها. فلو تمسّكنا
بالقرآن وبهديِهِ، لكان بمقدورنا التغلّب على هذه المؤامرات، ولو واصلنا طريق
الجهاد، لكان النصر حليفنا لا محالة. فلا بد من التمسّك بالقرآن، والعالم الإسلامي
بحاجة إلى التمسّك بحبل الله، وإرساء دعائمه، وتعزيز ثباته وصموده.. هذا ما يحتاج
إليه العالم الإسلامي في الوقت الراهن.
شرطان للتمسّك بالعروة الوثقى
لا ينبغي لنا أن نكون ضعفاء، بل يجب علينا أن نكون أقوياء، والقوة لا
تتلخص في السلاح والمال، وإنما ترتكز في الأساس على الإيمان بالله والثبات. يقول
الله سبحانه وتعالى:
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ
اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَ﴾. فإن الإيمان بالله
والكفر بالطاغوت، يستتبع التمسّك بالعروة الوثقي، وهو مدعاة للقوة والاقتدار. وهذا
ما يجب علينا ترويجه وبثّه في ربوع العالم الإسلامي، ويجب أن تقوم إرادتنا على ذلك.
والمؤسف أن هناك في العالم الإسلامي من يتمسّك بالطاغوت بدلاً من التمسك بالقرآن،
ويسعى لتطبيق السياسات الأمريكية في المنطقة، ويعمل بما يتوافق مع الميول والآراء
والسياسات الأمريكية - وأمريكا هي الطاغوت الأعظم والشيطان الأكبر - ويتمسك
بالطاغوت ولا يكفر به. والشرط الأول هو الكفر بالطاغوت:
﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ
بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾.
إن وقوف الشعب الإيراني في وجه أطماع أمريكا وجَشَعها، هو العنصر الأساس لاقتدار
هذا الشعب. فإننا اليوم شعبٌ مقتدر. وقضية الإسلام في إيران تختلف عن قضية الشخصية
الدينية الفلانية أو الشخصية السياسية الفلانية، فإننا دولة، لها إمكانياتها، ولها
شعبها البالغ ثمانين مليون نسمة، ولها سلاحها واقتصادها وسياستها وعلمها.. هذه هي
الجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن. والأعداء يخافون من الإسلام المقتدر الشجاع،
ولهذا السبب تجدهم يهابون الجمهورية الإسلامية ويهاجمونها. فإن هجومهم علينا ناجم
عن خوفهم وذعرهم وعلمهم بأن مواقف الجمهورية الإسلامية تترك تأثيرها في العالم،
وذلك لأننا نتحدث إلى الشعوب الإسلامية بصدق، ونتعامل معها بصدق، ونعمل بما نقوله
ونتابعه، ولم تتمكن وعود الطواغيت من خداع الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني؛ لا
وعودهم خدعتنا ولا تهديداتهم أخافتنا، فإننا لا نهاب تهديداتهم ولا تنطلي علينا
وعودهم. وهذا هو الأمر الضروري الذي تجب متابعته، وهو الشيء الذي تحتاج إليه الأمة
الإسلامية: الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، ومن يفعل ذلك
﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾.
والمؤسف أن بعض الدول الإسلامية تخون شعوبها، وتخون الأمة الإسلامية، وتمهّد
الأرضية للتوغّل الأمريكي، وتمدّ يد العون إلى الطاغوت الأعظم المتمثل بالولايات
المتحدة الأمريكية، وتتّبع سياساتها. وهذه هي الـمُلمّة التي ألـمّت اليوم
بالمسلمين وبمنطقتنا. وهي جريمة كبرى يقترفونها.
﴿لَتُبَیِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَکْتُمُونَهُ﴾
والواجب الملقى على أعناق المجتمع الإسلامي أجمع والأمة الإسلامية جمعاء، في الدرجة
الأولى هو الجهاد في سبيل تنوير الأفكار وتوعيتها. والمسؤولية هذه تقع على عاتق
العلماء والمثقفين والدارسين وكل من له منبر، فليعملوا على إنارة الأفكار وتبيان
حقائق العالم الإسلامي للناس، والتنوير هذا جهاد. فالجهاد لا يقتصر على رفع السلاح
والنضال في ميدان القتال، وإنما يشمل الجهاد الفكري والجهاد العملي والجهاد
التبييني والتبليغي والجهاد المالي أيضاً.
اليوم، وبسبب أننا لم نؤدِّ هذه الفريضة - فريضة التبيين - بشكل صحيح، وقع البعض في
ضلالة، وراحوا يعملون ضدّ الإسلام، زاعمين أن عملهم هذا يصبّ في خدمة الإسلام.
وهؤلاء هم الجماعات الإرهابية في منطقتنا، الذين سلبوا الأمن والاستقرار من الشعوب
المسلمة، وأخذوا يحاربون المسلمين بالنيابة عن العدو. فإن هذه الجماعات الإرهابية
المقرّبة من الوهابية، قد أخذت على عاتقها عناء العدو، وباتت تنفّذ بالنيابة عنه ما
كان يصبو إليه، وتثير الخلاف والشقاق بين المسلمين. فإن انشغل المسلمون بالاقتتال
فيما بينهم، سوف تُرمى القضية الفلسطينية في بقعة النسيان، وهذا ما باتوا يطبّقونه
بالفعل.
فلا بد من التبيين والتوعية والعمل، وعليكم أن تستثمروا هذه المحافل والاجتماعات
القرآنية. وأنتم الوافدون من شتى البلدان، قوموا بإرشاد شعوبكم وتوعيتهم على أساس
التعليمات القرآنية والجهاد القرآني والتبيين الذي ينشده القرآن:
﴿لَتُبَیِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَکْتُمُونَهُ﴾.. هذا ما يجب عليكم بيانه وإيضاحه لهم.
النصر للإسلام!
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمهّد السبيل لحركة الأمة الإسلامية. فلو
جاهدنا وتحركنا وأخلصنا نياتنا، سوف ينصرنا الله عزّ وجلّ، وإن تقاعسنا ولم نؤدّ
الواجب الذي في أعناقنا، لا ينبغي بطبيعة الحال أن نتوقّع النصر الإلهي. فإن الله
يساعد الذين يعملون ويجتهدون، وينصر الشعوب التي تتحرك وتبذل جهدها، فلنجاهد
ولنتحرّك، لنفوز بنصرة الله تعالى.
وكلّي يقينٌ بأن النصر للإسلام، وأن جبهة الكفر بكل ما تنطوي عليه من سعة وبهرجة
وعربدة، سوف تُرغم في نهاية المطاف على التراجع أمام الأمة الإسلامية وأمام جبهة
الإسلام المناضلة والمجاهدة.
﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا
الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرً﴾، وهذه هي سنّة الله
التي لا يعتريها شكّ وريب. والشرط الوحيد فيها أن نتحرك ونبذل مجهودنا، ولو قمنا
بذلك، فإن سنة الله تقضي بأن العدو يجب أن يتراجع، وهو سيتراجع بالفعل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُحيينا وإياكم مع القرآن، وأن يُميتنا وإياكم مع
القرآن، وأن يحشرنا وإياكم في يوم القيامة مع القرآن.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته