كلمة الإمام الخامنئي لدى استقباله وفودًا شعبية بمناسبة عيد الغدير _20-9-2016 م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين لا سيّما بقية الله في الأرض.
عيدكم مبارك؛ إن شاء الله تعالى وببركة هذا العيد العظيم وبركة ذكر المولى، يجعل
قلوبكم نورانية بألطافه وسكينته وطمأنينته ولطفه، ويوفّقنا حقًّا للاستفادة
المناسِبة والمطلوبة من هذه المناسبة وأمثالها من المناسبات إن شاء الله.
حسنًا، إنّ مجلسنا وبحمد الله بدأ بدايةً جيدة جدًّا؛ تلاوة القرآن كانت حسنة
جدًّا، والأشعار التي أُنشدت كانت جميلة جدًّا؛ من حيث القالب وكذلك من حيث المحتوى
والمضمون. وأنتم أيضًا، قلوبكم مفعمة بعشق ومحبة مولى الموحّدين –سلام الله وتحيّته
عليه- وإن شاء الله فإنّ هذا الشوق والعشق والتولّي والتوجّه، يجب أن تكون كلّها
وسيلة تشدّنا نحو الجهة التي يريدها المولى (علي) لنا.
﴿اليوم يئس الذين كفروا﴾
هناك مسألة تتعلّق بالغدير نفسه؛ أن يُقال في بعض العبارات إنّ عيد الغدير هو عيد
الله الأكبر وهو أفضل من كلّ الأعياد، ما هو سبب هذا الأمر وتوجيهه؟ حسنًا، يوجد في
القرآن الكريم آيات لا يمكن تطبيقها مع أي مسألة غير مسألة الغدير. هذه الآية
المعروفة ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (1) والتي نزلت في أوائل سورة
المائدة، آيةٌ لا يمكن تطبيقها مع أي مسألة أخرى من المسائل التي لا يمكن أن تعادل
مسألة الغدير في وزنها وأهميتها وحجمها. مسألة الغدير هي الوحيدة التي يمكن أن
يعبّر عنها هكذا: "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم". أولئك الذين أشكلوا على مضمون
هذه الآيات قالوا كلامًا وأوردوا آراءً، أولئك المخالفون الذين لا يقبلون بقضية
الغدير قد أوّلوا هذه الآية بنحو آخر ولكن هذا الجزء من الآية لا يقبل التأويل:
اليوم يئس الذين كفروا من دينكم؛ فما الذي أُضيف على الدين حتى جعلَ العدوَّ ييأس؟
تلك الأحكام التي جاءت في هذه الآية في أول سورة المائدة، قبل وبعد هذه الفقرة، ما
مدى أهميتها حقًّا؟ لم يأتِ هذا التعبير بشأن الصلاة ولا الزكاة ولا الجهاد؛ لم
يستخدم هذا التعبير حول أيٍّ من الأحكام الإلهية الفرعية، بأنه "اليوم يئس الذين
كفروا من دينكم"؛ إذا، فهذه قضية مختلفة، وهي ليست كتلك الأحكام الفرعية. ما هي تلك
القضية؟ إنها قضية قيادة المجتمع الإسلامي؛ قضية نظام الحكم والإمامة في المجتمع
الإسلامي. نعم، من الممكن أن يحصل خطأ (من قبل بعض المسلمين) وأن يتخلّفوا –كما
فعلوا؛ عدة قرون من حكم بني أمية وبني العباس وأمثالهم، فقد حكموا وتسلّطوا كالملوك
باسم الإمامة والخلافة وما شابه- ولكن هذا لا يضرّ بفلسفة الغدير.
حادثة الغدير؛ وضع القاعدة
حادثة التعيين في الغدير هي تعيين الضابطة، تعيين القاعدة. حيث تمّ بناء قاعدة في
الإسلام؛ وقد وضع الرسول الأكرم في الأشهر الأخيرة من عمره هذه القاعدة؛ ما هي تلك
القاعدة؟ هي قاعدة الإمامة؛ قاعدة الولاية. لقد كانت لدى المجتمعات البشرية ومنذ
القدم، حكومات وأنظمة، وقد جرّب البشر أشكالًا من الحكومات؛ الإسلام لا يقبل بهذه
الحكومات وهذا النوع من السلطة وزمام الحكم والقدرة؛ الإسلام مؤمن بالإمامة. هذه
قاعدة الإسلام؛ والغدير يبيّن هذه القاعدة، ومصداقها محدّد أيضًا؛ إنّه أمير
المؤمنين الذي لم يستطع أحد في ذلك الزمان ولا في الأزمنة اللاحقة أن يورد أي إشكال
أو خدشة على شخصيته السامية وعلى تمثيله وتجسيده للمفاهيم والمعارف القرآنية.
حسنًا، كان هناك من سبّه وشتمه، هناك من يسبّ الله ورسوله أيضًا –والعياذ بالله-
ولكن السبّ والشتم ليس دليلًا منطقيًّا. لا يمكن لأي إنسان عندما يفكّر، عندما
يتخلّص من حساسيّاته وتعصّباته، أن يطرح أصغر إشكال وخدشة أبدًا على هذا الشخص
النوراني والهيكل القدسي. لقد عيّن الرسول هذا الإنسان مصداقا للإمامة. وقد أصبحت
هذه قاعدة؛ حتى أبد الدهر وآخر الدنيا، كلما أراد المسلمون أن يشدّوا الهمّة
ويهتدوا من قِبَل الله كي يحقّقوا الإسلام ويبنوا المجتمع الإسلامي، فإنّ الضابطة
والقاعدة هي هذه: يجب إحياء الإمامة. بالطبع فإنهم لا يصلون أبدًا إلى مستوى أي
مصداق من تلك المصاديق التي عيّنها الرسول، ولا يصلون إلى الأقل منها أيضًا؛ إنّ
أعظم الشخصيات العلمية والمعنوية والعرفانية وعظماء السلوك والمعرفة عندنا، إنما
نسبتهم إلى أمير المؤمنين هي كنسبة ذلك الشعاع الضعيف الذي يرى الإنسان من خلاله
بقعةً من قعر البئر حين تقارنوه بالشمس؛ نعم، هذا شعاع، ولكن كم يختلف ويفرق عن
الشمس نفسها؟ أعلى شخصياتنا، شخصٌ كإمامنا العظيم الذي كان، للحق والإنصاف، إنسانًا
كاملًا عظيمًا كبيرًا وجامع الأطراف وبارزًا وممتازًا من جميع الجهات، إذا أردنا أن
نقارنه مع أمير المؤمنين، فالنسبة هي ما ذكرته: قارنوا نور الشمس مع ذلك الشعاع
الذي ينير قاع البئر أو زاوية تلمع أو تضيء فتعكس نور الشمس؛ الفروقات شاسعة إلى
ذلك الحدّ.
الضابطة: لا لحكم القوّة والمال
نعم، المسافات الفاصلة كبيرة ولكن الضابطة هي هذه؛ ضابطة الإمامة. لقد تعيّنت قاعدة
الحكومة والاقتدار والسلطة في المجتمع الإسلامي من خلال الغدير وتمّ وضعها وبناؤها؛
هذه هي أهميّة الغدير. ليست أهمية الغدير فقط أنّه قد تمّ تعيين (تنصيب) أمير
المؤمنين؛ هذا أمر مهم أيضًا ولكن الأهم منه هو تعيين الضابطة والقاعدة، حيث أضحى
واضحًا ومعلومًا أنّه، في المجتمع الإسلامي، لا معنى للحكم الملكي، ولا معنى للحكم
الشخصي ولا لحكم الذهب والقوة، ولا معنى لحكم الأرستقراطية، ولا معنى لحكم التكبّر
على الناس وحكم الطمع والهيمنة وجمع المال والسلطة للنفس، لا معنى لحكم الشهوات؛
صار واضحًا أنّ الإسلام لا يرضى بذلك. لقد تمّ وضع هذه القاعدة في الغدير. وعندما
وُضعت هذه القاعدة، حينها "يئس الذين كفروا من دينكم"؛ فبعد هذه القاعدة، يئس
الأعداء من قدرتهم على تغيير مسيرة هذا الدين، لأنّ مسيرة الدين تتغيّر عندما
تتغيّر تلك النقطة الأساسية والنواة الأصلية؛ أي نواة القدرة والإدارة والرئاسة؛
فإنها إذا تغيرت فسيتغيّر معها كل شيء. نعم، في الوقائع العملية، يحدث تغييرات ويصل
أفراد كخلفاء بني أميّة وبني العباس إلى الزعامة والرئاسة باسم الإسلام، حتى
الحجّاج بن يوسف يصل للرئاسة أيضًا، ولكن كل هؤلاء لا يمكنهم ضرب وتخريب هذه
الضابطة. واليوم، إن أراد أحد في العالم الإسلامي، من الذين لديهم اطّلاع على
المعارف الإسلامية، أن يرجعوا للقرآن ويراجعوا القواعد المحدّدة في القرآن لعبادة
الحقّ والحياة وسبيل عباد الحقّ –أي الشعوب- فلا يمكن أبدًا أن يصل إلى نتيجة غير
إمامة أمير المؤمنين والذين يوالونه من بعده. هذا هو ادّعاؤنا ويمكننا إثباته بشكل
كامل. كل إنسان في العالم الإسلامي، كل المثقّفين والمفكّرين وأصحاب العقيدة، حتى
أولئك الذين نشأوا في بداياتهم على أساس عقائد أخرى، إذا وضعوا القرآن والقيم
القرآنية والضوابط القرآنية معيارًا وملاكًا لحياة المجتمعات البشرية، فلن يصلوا
إلى أي نتيجة سوى أنّه يجب أن يحكم المجتمعات الإسلامية شخص مثل علي بن أبي طالب،
أي إنّ الطريق هو هذا، الطريق هو الإمامة. هذا ما يتعلّق بالغدير.
﴿وإن لم تفعل فما بلّغت﴾
حسنًا، عندما يتمتّع الغدير بكل هذه الأهمية، سيتّضح جيّدًا معنى تلك الآية الشريفة
الأخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن
لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾(2). فالقرآن هنا يقول للرسول: إن لم
تبلّغ هذا الحكم، فكأنك لم تؤدِّ الرسالة أصلًا! لقد جاهد الرسول ثلاثة وعشرين
عامًا –كل ذلك الجهاد في مكّة ثم في المدينة، تلك الحروب والتضحيات والتسامح
والمشقّات التي تحمّلها، كل تلك الهداية العظيمة التي قدّمها ذلك الإنسان العظيم
للبشرية؛ لقد قام بهذا في تلك المدة- فما هي هذه الحادثة والواقعة التي إن لم تؤدّ
فكأنّ تلك المجاهدات لم تكن شيئًا مذكورًا: "وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته"، لا
يمكن لهذه القضية أن تتعلّق ببعض الأحكام الفرعية؛ هي أعمق وأشمل من كل هذا، ما هي؟
إنّها الإمامة. من هو أوّل إمام؟ إنّه الرسول نفسه. قال الإمام الصادق (عليه
السلام) في منى: إنّ رسول الله كان هو الإمام؛ ثم من بعده عليّ بن أبي طالب ومن ثم
بقية الأئمة (3)؛ الله تعالى بعد أن ابتلى إبراهيم بكل تلك الامتحانات، في كل تلك
المراحل الصعبة التي مرّت على إبراهيم –حيث رُمي في مرحلة صباه في النار ثم هاجر
إلى بابل وبذل كل هذه الجهود في تلك المناطق- وحتى وصل إلى ما بعد الكهولة وأضحى
عجوزًا، قال له حينها: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾(4) هذه هي الإمامة.
هذه عقيدة؛ هذا اعتقاد إسلامي قائم على مبانٍ متينة واستدلالات لا يمكن الخدش بها.
إننا ندعو كل العالم الإسلامي وكل المفكّرين، إن كانوا من أهل الفكر وأهل المباني
أن يتابعوا هذه المسائل وسيصلون إلى هذه الوحدة التي يحتاجها العالم الإسلامي
اليوم، بسهولة من خلال التدبّر في آيات القرآن والتأمّل في هذه الحقائق.
تشيّع بريطاني!
بالطبع، من هذه الجهة يجب أن لا يتم استفزاز مشاعرهم. يتخيّل بعضٌ أنّ إثبات
التشيّع إنما يتمّ بقيام الإنسان بشتم وإهانة كبار الشخصيات التي يؤمن بها أهل
السنّة والآخرون. كلا، إنّ هذا خلاف سيرة الأئمة. حينما تشاهدون أنّ هناك إذاعات
وتلفزيونات تنطلق في العالم الإسلامي، ويكون عملها باسم الشيعة وتحت عنوان التشيّع،
أن تشتم وتهين كبار الشخصيات التي يعتقد بها بقية المذاهب الإسلاميّة، فمن الواضح
والمعلوم أنّ تمويل وسائل الإعلام هذه هو من ميزانية الخزانة البريطانية؛ إنّ
ميزانيتها هي ميزانية بريطانيّة، هذا تشيّع بريطاني. لا يظنّن أحد أنّ نشر التشيّع
والعقائد الشيعيّة وتقوية الإيمان الشيعي يكون بهذه الإهانات والشتائم وهذا النوع
من الكلام؛ كلا، إنهم يقومون بعمل معاكس. إذا شتمتم وأهنتم، فإنّ هناك سورًا من
العصبيّة والحساسيّة يتشكّل حوله؛ وحينها لن يتمكّن من تحمّل الكلام وحتى لو كان
كلامًا محقًّا. إنّ لدينا الكثير من الكلام والأفكار المنطقيّة القويّة، لدينا
الكثير من هذا الكلام، دعوا هذه الكلمات والأفكار تُسمع، دعوها تأخذ مجالها للجذب
والتأثير في قلوب الطرف المقابل. حين تشتمون وتسبّون سيوجد سدٌّ منيع وحينها لن
يتمّ الاستماع أصلًا لتلك الأفكار والكلمات، وعندها فإنّ تلك الفرق الخبيثة
والعميلة والتابعة والمتموّلة من أمريكا والـCIA ووكالة المخابرات البريطانيّة-
كداعش والنصرة وأمثالها –ومن خلال استغلالهم لبعض العوام الجهلة الغافلين، تتمكّن
من نشر تلك الأوضاع والحالات التي تشاهدونها في العراق وسوريا وفي أماكن أخرى؛ هذا
عمل العدو، العدو يتحيّن الفرص؛ العدو يستغلّ أي فرصة.
لدينا أفكارٌ قوية؛ كلام حق!
نحن نمتلك كلام حقّ وأفكارًا منطقية، لدينا أفكارٌ قوية. من الأمثلة الصغيرة على
تلك الأفكار ما طرحته عليكم اليوم. هذا في ما يتعلّق بالغدير.
أما بالنسبة لأمير المؤمنين، فإنّ كل القيم والصفات التي يحترمها الإنسان ويكرّمها
–سواء كان إنسانًا مؤمنًا بالإسلام، أو كإنسان يؤمن بأي دين، أو كإنسان لا يعتقد
بأي دين، مهما كان ذلك الإنسان- قد جُمعت في علي بن أبي طالب؛ أي إنّ علي بن أبي
طالب هو شخصية تحترمونها إن كنتم شيعة وتحترمونها إن كنتم سنّة، وإن لم تكونوا
مسلمين أصلًا وتعرّفتم إلى هذه الشخصيّة واطّلعتم على أحوالها ستحترمونها أيضًا.
الكثير الكثير من أهل السنّة قد كتبوا وألفوا الكتب حول فضائل أمير المؤمنين على
مرّ السنوات المتمادية؛ الكاتب المسيحي "جورج جرداق"(5) ألّف ذلك الكتاب في خمسة
أجزاء؛ هو مسيحي وقد كتب بكل عشق حول أمير المؤمنين قبل سنوات عديدة. وقد زارني
هنا، وتحدّثنا معًا حول كتابه (6) وقال إني تعرّفت على نهج البلاغة في مرحلة فتوّتي
وقد هداني نهج البلاغة إلى شخصية علي بن أبي طالب؛ وقد ألّف ذلك الكتاب: علي صوت
العدالة الإنسانيّة. حتى الشخص الذي لا يتّبع أي دين –أي إنه لا يؤمن بأي دين-
عندما يتعرّف إلى شخصية أمير المؤمنين، فإنّه سيحترمها ويخضع لها ويعظّمها.
صفات معنوية إلهية؛ الاخلاص, المعرفة بالله..
يوجد لدى أمير المؤمنين ثلاثة أنواع من الصفات: النوع الأول هو تلك الصفات المعنوية
الإلهية التي لا يمكن قياسها بالنسبة لنا بأي ميزان؛ الإيمان، ذلك الإيمان المتعالي
العميق, السابقة في الإسلام، التضحية في سبيل الإسلام. الإخلاص، حيث لا يوجد ولو
مقدار رأس إبرة من العمل بغير النية الإلهية في عمله؛ هل نفهم نحن هذا أصلًا؟ لمن
هم مثلي أنا العبد، هل يمكن إدراك هذه الحالة أصلًا؟ أن تكون كل الأعمال لله، لأجل
رضا الله، لإجراء الأمر الإلهي، هذا هو الإخلاص. هذه أمور لا يمكن قياسها ووزنها
بالنسبة لنا، وليست قابلة للتوضيح بشكل صحيح. العلم والمعرفة بالله، المعرفة بالله.
نحن ماذا نفهم من هذه العظمة؟ وماذا يفهم أمير المؤمنين من هذه العظمة؟ المعرفة
بالله. إنّها سلسلة من صفات أمير المؤمنين وهي في الواقع ليست قابلة للتوصيف
بالنسبة لنا، ولا يمكن فهمها، حتى ولو جاءوا وشرحوها لنا ووضّحوها، فلن نصل إلى
عمقها بدقّة، لكونها عظيمة جدًّا وعميقة جدًّا؛ هذه مجموعة ونوع من صفات أمير
المؤمنين.
الرحمة والشجاعة والايثار..
هناك مجموعة أخرى من الصفات، هي صفاته الإنسانيّة البارزة، وهي تلك الأشياء التي
تجذب إليها الجميع، تجذب الإنسان المسلم وغير المسلم والمسيحي وغير المسيحي
والمتديّن والذي لا دين له: الشجاعة، الرحمة؛ ذلك الإنسان الذي يقاتل في ميدان
الحرب بتلك الطريقة، عندما يتعامل مع عائلة فيها أيتام، يتصرّف معهم بكلّ تلك
المحبة، ينحني ويلاعب الأطفال الأيتام ويركبهم فوق ظهره؛ وهذه بالأصل أشياء لا
تتعلّق بكوننا متديّنين أو بأي دين ندين كي نحترمها ونقدّرها، كل من يواجه هذه
العظمة فإنه سيشعر بالخضوع والتعظيم والإجلال. والإيثار؛ أي أن تؤثر الآخر على
نفسك؛ أي التسامح، أي أن تصرف النظر عن حقّك، حين يكون الحقّ معك، لأجل الله، لأجل
مصلحة –وإن كان حقًّا شخصيًّا- سواء كان حقًّا ماليًّا أو حقّ حفظ ماء الوجه أو أي
حق آخر من حقوقك؛ هذا هو معنى الإيثار. وهذه أيضًا مجموعة ونوع من صفات أمير
المؤمنين، التي إن أراد الإنسان أن يعدّد هذه الخصوصيات فستؤلّف كتابًا وتكوّن
وثيقة عريضة طويلة جداً.
الخصوصيات الحكومية.. في حدّها الأعلى!
المجموعة الثالثة من خصوصيات أمير المؤمنين: هي خصوصيات حكومية وهي نتيجة مسألة
الإمامة تلك؛ الإمامة هي ذلك النوع من الحكم. وبالطبع فإنّ لها شدّة وضعفًا والحدّ
الأعلى منها كان في شخصية مثل أمير المؤمنين. هذه الخصوصيات في الحكم مثل ماذا؟ مثل
العدالة، الإنصاف، المساواة بين جميع الناس، وحتى التساوي مع الناس الذين يعيشون في
مجتمعكم وهم ليسوا من دينكم. حين سمع أمير المؤمنين بأنّ "بسر بن أرطأة" (7) قد دخل
إلى منطقة واقتحم حريم العائلات هناك، ألقى خطبةً مفجعة: "بلغني أنّ الرجل منهم
ليدخل المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها(8)؛ فيقول إنّ تلك القوات
الظالمة والوقحة قد اقتحمت بيوت المسلمات وغير المسلمات –من المعاهدين أي اليهود
والنصارى الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي- فيقومون بنهب وسلب ثيابهنّ وأساورهنّ
وخلاخيلهنّ وسرقتها. ثم يقول عليه السلام: لو أن امرأً مات من بعد هذا أسفًا ما كان
به ملومًا بل كان به عندي جديرًا! تأمّلوا شخصيّة هذا الإنسان، رحمته وحنانه على
الناس، شفقته ومحبته للناس، لجميع الناس؛ ففي المجتمع الإسلامي يعيش اليهودي
والمسيحي وغيرهم وهم معاهدون.
حسنًا، هذه من خصوصياته في الحكم: "العدل" و"الإنصاف"،" المساواة" و"اجتناب زخارف
الدنيا وزينتها لنفسه"؛ وهذه من مصائب حكومات الدنيا؛ فحين نصبح رؤساء بلدٍ ما،
وتصبح مصادر البلد المالية تحت تصرّفنا، تبدأ الوساوس؛ فنقول: يوجد هنا أراضٍ جيدة
وإمكانات وفيرة، هنا أموال طائلة، فلنأخذ منها حصة. أولئك الأشقياء جدًّا وسود
الوجوه يأخذون كل شيء لأنفسهم، مثل رضا خان. أما أولئك الذين يتمتعون بقليل من
الإنصاف، يعطون بعضها للآخرين، وغالبًا لجماعتهم وأتباعهم؛ ويأخذون منها ما يشاءون.
هذه من المصائب التي تبتلي بها الحكومات؛ حكومات العالم الديمقراطية هذه، هي هكذا
أيضًا. أنتم تسمعون؛ زوجة رئيس الجمهورية الفلاني قد سافرت في العطلة الصيفيّة أو
الشتويّة مثلًا إلى الجزيرة الفلانيّة حيث الماء والهواء العليل، وقد صرفت هذا
المقدار من ملايين الدولارات! من أين؟ الأسرة الأرستقراطية الفلانية سافرت إلى
المدينة الفلانية وحجزت عددًا من الفنادق والمرافق لخدمتها، وقد صرفت خلال عشرة
أيام، أو عشرين يومًا، مليارات الدولارات!! إن حكومة الإمامة تخالف هذه الأمور.
فالاستفادة الشخصية من الإمكانات العامة ممنوعة؛ أي اجتناب الدنيا لنفسه".
ليس كل الأعداء سواء!
"التدبير"، التفكير لتدبير شؤون المجتمع الإسلامي؛ تحديد العدو وتحديد الصديق؛
تصنيف العدو إلى فئات متعددة. لقد خاض أمير المؤمنين ثلاثة حروب (أثناء حكومته)؛
لقد كانت تلك الحروب ضد ثلاثة أنواع من الأعداء ولكنه لم يقاتلهم بالطريقة نفسها.
كانت الحرب ضد معاوية والشام بشكل معين، الحرب ضد البصرة بشكل آخر. حين واجه الإمام
طلحة والزبير في الحرب كان له تعامل آخر معهم. حيث استدعى الزبير وسط ميدان الحرب
وتحدّث معه ونصحه بأنه: يا أخي تذكر سوابقنا وكيف قاتلنا سوياً وقمنا معاً بإنجاز
كل تلك الأعمال؛ وقد أثرت تلك الكلمات والنصائح بالزبير، مع أنه لم يقم بما كان يجب
عليه، فلم يلتحق بجيش أمير المؤمنين، ولكنه ترك الميدان وانسحب من الحرب، كان سلوك
أمير المؤمنين مع طلحة والزبير بهذا الشكل. لكن تعامله مع الشام لم يكن هكذا؛ ماذا
يقول الإمام مثلاً لمعاوية؟ هل يقول له نحن كنا سوياً؟ ومتى كانا سوياً؟ ففي معركة
"بدر" كانا وجهاً لوجه؛ وقد قاتل أمير المؤمنين جد معاوية وخاله وأقاربه بسيفه؛ ؛
فلم يكن لديهما سابقة مشتركة. وقد كان معاوية يستغل تلك العداوات ويحارب أمير
المؤمنين. لقد كان أمير المؤمنين يقسّم الأعداء؛ في واقعة النهروان كان الأعداء
عشرة آلاف شخصاً، قال عليه السلام كل من يأتي من هؤلاء العشرة آلاف إلى تلك الجهة
من هذه الراية التي نصبتها هنا فلن أقاتله ولا حرب بيني وبينه؛ أكثرهم جاؤوا فحررهم
الأمير وأطلق سراحهم. نعم، أولئك الذين بقوا وعاندوا وتعصبوا، حاربهم وانتصر عليهم.
أي يجب التدبير في إدارة البلاد؛ معرفة العدو، معرفة الصديق؛ فليس كل الأعداء سواء؛
غض الطرف عن بعضهم. بعض الأشخاص لم يبايعوا أمير المؤمنين منذ البداية، كان مالك
الأشتر واقفاً عند الإمام والسيف بيده، قال له: اسمح يا أمير المؤمنين! أن أضرب عنق
ذلك الذي لا يبايعك؛ فضحك أمير المؤمنين وقال له: كلا، هذا حين كان شاباً كان سيّئ
الخلق وحاد الطباع والآن وقد هرم وكبر، فقد ساءت أخلاقه أكثر و.. دعه وشأنه؛ فتركه
وذهب.
هذا تدبير؛ إن أعلى مستويات التدبير أن يكون الإنسان على رأس السلطة، فيعرف مع من
يتعامل وكيف يجب أن يتصرف مع أنواع الشخصيات المتعددة؛ وهذه من خصوصيات الحكم لدى
أمير المؤمنين.
"سرعة العمل"، فلم يكن يؤخر ويُؤجل، بل يتحرك بمجرد أن يحدّد أنه يجب القيام بهذا
العمل والإجراء المطلوب.
التبيين وهداية المجتمع للتقوى؛ سلسلة أعمال..
"التبيين"؛ كان يبين الحقائق للناس؛ انظروا إلى خطب نهج البلاغة؛ فإن الكثير منها
هو تبيين للوقائع الجارية في المجتمع في تلك الأيام- سواء الخطب أو الرسائل- فإن
نهج البلاغة يحوي خطبًا ورسائل؛ تلك الرسائل كانت موجهة غالباً للذين يعارضون
الإمام؛ أو يعاندونه مثل معاوية وغيره، أو ولاة أمير المؤمنين والذين كان يوجه لهم
الإمام اللوم والاعتراض؛ غالباً كان الأمر هكذا؛ بعض الرسائل كذلك كانت توصيات
وقوانين وأوامر، مثل عهد مالك الأشتر؛ كان الإمام يبين في كل هذه الخطب والرسائل
الحقائق للناس. وكانت هذه سلسلة أعمال أمير المؤمنين.
مسألة "هداية المجتمع للتقوى"؛ في خطب أمير المؤمنين هذه، قلما توجد خطبة ليس فيها
أمر بالتقوى: اتقوا الله؛ لأن التقوى هي كل شيء؛ عندما توجد التقوى في مجتمع ما،
فإن جميع مشاكل المجتمع المادية والمعنوية سوف تحل؛ هكذا هي التقوى. وبالطبع التقوى
بمعناها الحقيقي والصحيح؛ ليست التقوى فقط بأن يغض الإنسان بصره عن غير المحارم أو
لا يقوم مثلاً بالعمل الفلاني المحرم؛ هذا مطلوب وهو جزء من التقوى، ولكن التقوى
أوسع وأشمل من هذا بكثير. إن ذلك المعنى الحقيقي للتقوى هو عبارة عن مراقبة النفس
وحركاتها والعمل لحفظ النفس على الجادة المستقيمة والصراط المستقيم؛ هذا هو معنى
التقوى؛ فإذا ما وجدت [التقوى] في المجتمع، فإن كل المشاكل سوف تُحل وتعالج. كان
أمير المؤمنين يدعو الناس دائماً إلى التقوى.
وكان في العمل لا يخشى لومة لائم، لم يكن ليجامل أحداً؛ لا مسايرة لأحد عنده في
العمل بالعدل، لم يكن للمجاملات وجود في حياة أمير المؤمنين. ذلك الإنسان نفسه الذي
يقول لمالك الأشتر دعْ هذا الممتنع عن البيعة يذهب، كان يدقق ويصرّ ويتعامل بشدة في
موارد أخرى.
لاحظوا وتأملوا، هذا القسم الثالث من صفات أمير المؤمنين والتي هي صفات الحكم
والحكومة؛ هي غير الصفات الشخصية وهي كذلك مختلفة عن تلك الجوانب المعنوية
والإلهية، التي ليست قابلة للفهم بالنسبة لنا ولا يمكن لألسنتنا القاصرة والناقصة
أن تتمكن من وصفها. هذه هي شخصية أمير المؤمنين، فهي الشخصية الجامعة والشاملة
والتي يمكن القول عنها حقاً "أنت كبير ولا يمكن أن تظهر في مرآة صغيرة "(9). نحن لا
يمكننا بهذه العيون الضعيفة والعاجزة، بهذا النظر القاصر وهذه القلوب المشوشة
بالأوهام أن نرى تلك الشخصية العظيمة؛ ولكن، حسناً، هناك شيء نعرفه، هناك توصيف
لهذا العظيم نعلمه ونقوله؛ لقد تمّ تعيين هذا الإنسان في يوم الغدير.
واجبنا أن نتحرّك نحو "القمة"
حسناً، ماذا نفعل نحن الآن؟ واضح بأننا لا يمكننا أن نحيا كأمير المؤمنين ولا أن
نعمل مثله ولا أن نكون مثله؛ ذلك العظيم نفسه قال: "ألا وإنكم لا تقدرون على
ذلك"(10) لقد قالها للحكام والولاة والمدراء التابعين له بأنكم لا تقدرون أن تعملوا
كما أعمل.
نحن علينا أن ننظر إلى تلك القمة. وقد كررنا هذا مراراً: هذه قمة. يقولون لك يا
سيد! إن تلك القمة هي الهدف؛ فتحركوا باتجاه تلك القمة. هذه هي مسؤوليتنا وواجبنا
أن نتحرك نحو القمة . خذوا صفات أمير المؤمنين هذه، ولنتحرك بقدر طاقتنا وقدرتنا في
هذا الاتجاه؛ لا أن نتحرك بالاتجاه المعاكس. فليتحرك مجتمعنا ويتجه نحو زهد أمير
المؤمنين؛ لا أن يزهد كزهد أمير المؤمنين- فلا نحن قادرون على هذه ولا هو مطلوب
منا- ولكن لنتحرك في ذلك الاتجاه؛ أي أن نبتعد عن الإسراف والهدر والتطلب والتفاخر
في الاستهلاك، هكذا نصبح شيعة أمير المؤمنين.
..زينًا لنا لا شينًا علينا!
إن عملنا يجعل الناس تؤمن بنا. قال عليه السلام:" كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا
شيناً"(11) ماذا يعني زيناً لنا؟ أي اعملوا بطريقة يقول الناس حين يرونكم: ما شاء
الله! ما أحسن شيعة أمير المؤمنين! ذلك الذي يطلب الرشوة ليس زيناً، إنه عيب، الذي
يطلب ويأخذ من بيت المال أكثر من حقه، هذا عيب على الشيعي؛ ذلك الذي يغض الطرف عن
الأمور السيئة ولا يشعر بأي مسؤولية في هداية المجتمع للتقوى، هذا عيب للنظام
الإسلامي والمجتمع الإسلامي، ذلك الذي يكون في حياته الشخصية من أهل الإسراف، هذا
عيب وشين.
الاسراف؛ عامل زوال الاقتصاد
نحن وللأسف قد ابتلينا، ابتلينا بالإسراف وابتلينا بالطمع. منذ سنوات ونحن نديم
النصح في هذا المجال، ننصح أنفسنا وننصح الآخرين، نقول ونكرر الكلام؛ يجب أن نسير
إلى الأمام ونتقدم، لهذا علينا أن نقلل من الإسراف في المجتمع. على رجالنا ونسائنا
وشبابنا وشيوخنا، أن يجتنبوا الإسراف- الإسراف في اللباس وفي الطعام، الإسراف في
كماليات المعيشة، الإسراف في الزينة والزخارف والتعلقات المتعددة- وكذلك تلك
المباهاة والتفاخر والغيرة التي تحصل في الأعراس والحفلات، هذه السيدة ارتدت تلك
الملابس وتزينت بتلك الوسائل وتجملت بأدوات التجميل، فلا ينبغي لي أن أتأخر عنها
وعليّ أن أجاريها! هذه أخطاء ومخاطر كبيرة جداً. هذه الأمور هي التي تخرب الحياة،
وهي التي توجد مجتمعاً لا عدالة فيه، وفي نهاية المطاف فإن هذه الأمور هي التي تقضي
على الاقتصاد. هناك عامل كبير في زوال الاقتصاد يرجع إلى هذه الأشياء، إذا أراد
مجتمع أن يصل إلى مستوىً يصبح اقتصاده الذاتي قوياً إلى درجة من المتانة والحصانة
من الآفات، فإن إحدى الأعمال المطلوبة والتي يجب أن يقوم بها؛ التخلي عن الإسراف
والتطلب والاستهلاك الزائد وما شابه. بالطبع فإن هناك مصاديق كثيرة لهذه الأمور،
لقد تكلمتُ أنا العبد كثيراً في هذه المجالات ولا أريد أن أكرر الكلام نفسه. في
مجالات الماء والخبز والطعام وأنواع وأشكال الاستهلاك، لدينا الكثير من الإسراف
والهدر والبذخ والاستهلاك السيء وسوء الاستهلاك وما شابه؛ يجب علينا مراقبة كل هذه
الأمور.
كيف يكون التمسّك بالولاية؟
الكثير من هذه الأعمال ليست من عمل الحكومة، هي أعمال تخصنا بشكل شخصي؛ تتعلق بنا
وبداخل عائلاتنا وبيوتنا وحياتنا. هذه هي الموالاة لأمير المؤمنين.
عندما نقول "الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين وأولاده
المعصومين"(12) فكيف يكون هذا التمسك بالولاية؟ نعم، هناك قسم من التمسك بالولاية
هو أمر قلبي ويعني أنكم تؤمنون بالولاية؛ وهذا أمر جيد جداً ومطلوب جداً ولا شك
بأنه مؤثر أيضاً. ولكن التمسك كله لا ينحصر بهذا؛ التمسك بالولاية هو أن ننظر
ونتأمل في هذه الصفات التي يمكن لنا أن نقتدي بها ونتحلى بها- ذلك الإيثار
والمعنوية وتلك المعرفة والعلم بالله وتلك العبادات والأنين والتوجه إلى الله وما
شابه، أشياء لا نقدر عليها ونحن متخلفون جداً جداً في هذه المجالات- في مجالات
الصفات الانسانية والصفات المتعلقة بإدارة المجتمع والحكم وغيرها، نحن نقدر على
الاقتداء، بالطبع، ليس في مستوى ذلك العظيم ولا أقل منه ولكننا نستطيع أن نتحرك في
ذلك الاتجاه؛ يجب علينا أن نقوم بتلك الأعمال؛ وعندها يصبح هذا تمسكاً بولاية أمير
المؤمنين.
.. كي لا يتمكّن العدو من استغلال ضعفنا
وفي الختام فإن الكلام كثير. أيها الأخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، انتبهوا
ولاحظوا، نحن نتكلم كثيراً عن العدو ومعرفة العدو والصمود في وجه العدو وما شابه،
وما نقوله صحيح أيضاً؛ أي إن هذه الشعارات التي تطلقونها أنتم والأصدقاء وكذلك حين
يقولون بأننا نقف في مواجهة العدو، فهذا صحيح وحقيقي؛ نحن نعلم جيداً أن العدو
موجود ولكن التفتوا بأن العدو يستغل أحياناً نقاط ضعفنا دون أن يبذل أي جهد! يجب
علينا أن نصلح أنفسنا ونُصححها كي لا يتمكن العدو من استغلال ضعفنا. إن العدو اليوم
قد ركز نظره واهتمامه على حاجات ونقائص واختلالات الاقتصاد داخل البلاد. وحين نكرر
بشكل متوالٍ الكلام عن الاقتصاد والاقتصاد المقاوم وما شابه في هذه السنوات، في
بداية السنة ووسطها وآخرها، فهذا يرجع إلى أن العدو قد ركز بشكل خاص على هذه
النقطة. يريد الأعداء أن يخربوا اقتصاد البلد، ليصبح وضع معيشة الناس سيئاً، فتفرغ
جيوبهم وتقل إمكانياتهم وتصبح أموالهم دون قيمة وتخف قدرتهم الشرائية، وبالتالي
يرفضون ولا يرضون بالوضع؛ هذا هو الهدف، أن لا يرضى الناس عن الإسلام وعن النظام
الإسلامي؛ هذا هو هدف العدو. لذلك يركز ويعتمد على الاقتصاد كي يسوء وضع الناس
ويخرب حالهم فيتخلون حينها عن الإسلام وعن النظام الإسلامي. حسناً، على من تقع
مسؤولية مواجهة هذا الوضع؟ إنها مسؤولية الجميع، مسؤولية الحكومة، مسؤولية مجلس
الشورى، مسؤولية مدراء ومسؤولي القطاعات المختلفة، مسؤولية عموم أفراد الشعب أيضاً،
إن لدينا واجبات وعلينا جميعاً أن نقوم بها.
"متفائل بالمستقبل"
بالتأكيد إن الحركة العامة للبلاد ولحسن الحظ هي حركة جيدة. أنا العبد أسمع الكثير،
والعديد من الناس يراجعونني؛ يكتبون الرسائل ويتواصلون ويبعثون النداءات ويعرضون
الأعمال، وأنا العبد أثابر وأتابع الكثير من هذه الأمور. إن الشباب المشغولين
حالياً بكل جدية لإحياء الإسلام وإقامة الدين، يزدادون بحمد الله يوماً بعد يوم.
إنهم هم، وبفضل الله وبحوله وقوته، سيُركعون أي عدو كأمريكا وإسرائيل. حين أقول أنا
العبد وأكرر في كلماتي في المناسبات المتعددة بأنني متفائل بالمستقبل، فلأني أشاهد
هذه الوقائع والحقائق. إننا نمتلك الكثير من الوقائع والإمكانات الجيدة والتي يمكن
لها أن تسير بنا للأمام؛ وأن تشكل ريادة للحركة العامة للمجتمع؛ الشباب الطيب،
الشباب المؤمن، الشباب المستعد، أولئك الذين يذرفون الدموع شوقاً للحضور في ميادين
الجهاد والدفاع عن الوطن والدين، ويطلبون السماح لهم بالالتحاق بالجبهات والمشاركة
في الدفاع؛ ليسوا بضعة أشخاص ولا عشرة ولا مئة شخص؛ إنهم كثيرون وعددهم كبير. إنّ
هذا الدافع هو الذي ينقذ البلاد؛ وهذا ما يجب تقويته(13). حسناً، أنتم تريدون
الفداء، لماذا لا تفدون الإسلام؟ لماذا فداءً للقائد؟ ومن هو القائد؟ ضحّوا فداءً
للإسلام وفداءً لهذا الطريق ولهذه الأهداف(14).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- سورة المائدة، جزء من الآية (3).
2- سورة المائدة، جزء من الآية (67).
3- أصول الكافي، ج 4، ص466 (باختلاف بسيط)
4- سورة البقرة، جزء من الآية (124).
5- أديب لبناني وصاحب كتاب "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية"
6- 31/2/1375ه ش/ 20-5-1996م
7- أحد قادة جيش معاوية وكان حاكماً على البصرة لفترة من الزمن.
8- نهج البلاغة، الخطبة 27
9- الشاعر سعدي الشيرازي" اسدل الستار كي لا يرى أجنبي هذا الوجه/أنت كبير ولا يمكن
أن تظهر في مرآة صغيرة ".
10- نهج البلاغة، الرسالة 45
11-أمالي الصدوق، ص400
12- إقبال الأعمال، ج 1، الباب الخامس، ص 464 (باختلاف بسيط)
13- شعار الحضور" إن أعطى القائد أمراً/ فإني أفديه بروحي".
14- إطلاق الحضور شعارات متعددة .