بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الإيثار من أرقى وأسمى المكارم الأخلاقية التي يمكن أن يتصف بها إنسان. وهو شيمة
الأبرار وسمة الأخيار. وينبغي أن يتحلى المؤمن بهذه الصفة ويعمل على تجذيرها في
نفسه وتكريسها في سلوكياته.
فضل ومقام الإيثار:
قال موسى (عليه السلام): (يا رب أرني درجات محمد وأمته، قال: يا موسى إنك لن
تطيق ذلك ولكن أريك منزلة من منازله جليلة عظيمة فضلته بها عليك وعلى جميع خلقي...،
فكشف له عن ملكوت السماء فنظر إلى منزلة كادت تتلف نفسه من أنوارها وقربها من الله
عز وجل قال: يا رب بماذا بلغته إلى هذه الكرامة؟! قال: بخلق اختصصته به من بينهم
وهو الإيثار. يا موسى، لا يأتيني أحد منهم قد عمل به وقتا من عمر إلا استحييت من
محاسبته وبوأته من جنتي حيث يشاء).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (من شيم الأبرار حمل النفوس على الإيثار).
وعنه (عليه السلام) أيضاً:
(من أحسن الإحسان الإيثار، والإيثار أفضل عبادة وأجل سيادة).
بين الإيثار ومكارم الأخلاق:
قال الإمام علي (عليه السلام): (لا تكمل المكارم إلا بالعفاف والإيثار).
وعنه (عليه السلام) أيضاً: (غاية المكارم الإيثار).
مقام وفضل المؤثرين:
قال تعالى: (والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون
من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)1.
الإمام الصادق (عليه السلام) - في وصف الكاملين من المؤمنين -: هم البررة بالإخوان
في حال العسر واليسر، المؤثرون على أنفسهم في حال العسر كذلك وصفهم الله فقال: (ويؤثرون
على أنفسهم...).
أبو بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قلت له: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، أما
سمعت قول الله عز وجل: (ويؤثرون. . . ) ترى هاهنا فضلا؟.
أهل البيت (عليهم السلام) هم المصداق الأكمل للإيثار:
جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): أنا له يا
رسول الله، وأتى فاطمة (عليها السلام) فقال لها: ما عندك يابنة رسول الله؟ فقالت:
ما عندنا إلا قوت العشية لكنا نؤثر ضيفنا، فقال (عليه السلام): يا ابنة محمد نومي
الصبية واطفئي المصباح، فلما أصبح علي (عليه السلام) غدا على رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فأخبره الخبر فلم يبرح حتى أنزل الله عز وجل (ويؤثرون...)
عن الإمام علي (عليه السلام) - خطابه إلى القوم بعد موت عمر بن الخطاب -: نشدتكم
بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية (ويؤثرون...) غيري؟ قالوا: لا.
الإمام الصادق (عليه السلام): كان عند فاطمة (عليها السلام) شعير فجعلوه عصيدة،
فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين: رحمكم الله، فقام علي (عليه
السلام) فأعطاه ثلثا. فلم يلبث أن جاء يتيم فقال اليتيم: رحمكم الله، فقام علي (عليه
السلام) فأعطاه الثلث. ثم جاء أسير فقال الأسير: رحمكم الله، فأعطاه علي (عليه
السلام) الثلث وما ذاقوها، فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم، وهي جارية في كل مؤمن
فعل ذلك لله عز وجل.
بات علي بن أبي طالب (عليه السلام) على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأوحى
الله إلى جبرئيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر
الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة. فأوحى الله عز وجل إليهما:
أفلا كنتما مثل علي ابن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه
فيؤثره بالحياة... فأنزل الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله
والله رؤوف بالعباد).
جزاء الإيثار:
عن الإمام الباقر (عليه السلام): لله عز وجل جنة لا يدخلها إلا ثلاثة - إلى
قوله: - ورجل آثر أخاه المؤمن في الله عز وجل.
عن الإمام علي (عليه السلام): من آثر على نفسه استحق اسم الفضيلة. وعنه (عليه
السلام): المؤثرون من رجال الأعراف2.
1- سورة الحشر، الآية 9.
2- مصدر جميع روايات المقال: ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - ص 14 - 18