الخطاب الثقافيّ التبليغيّ رقم (43): ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً
يوصي أمير المؤمنين (ع) في أيّامه الأخيرة ولدَيه الحسن والحسين (ع) بوصيّةٍ، يفتتحها بتقوى الله، فيقول: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّه، وأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وإِنْ بَغَتْكُمَا، ولَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا».
إنّ تقوى الله رأسُ كلِّ خير، وحبَّ الدنيا رأسُ كلّ خطيئة، والسعيَ في طلبها أساسُ كلّ شرّ، ومنشأُ المهالك؛ لذا يوصي (ع) برفضها والزهد فيها، فلا يفرح الإنسانُ بما آتاه الله من الدنيا، ولا يأسى على ما فاته منها، فإنّها فانية، عن الإمام الباقر (ع): «مَلَكٌ ينادي كلَّ يومٍ ابنَ آدم: لِدْ للموت، واجمعْ للفناء، وابنِ للخراب».
1ـ يقول (ع): «وقُولَا بِالْحَقِّ».
هكذا كان أمير المؤمنين (ع)، ملازماً للحقّ، وكان شعارَه في حياته كلِّها، وإلى هذه العلاقة يشير رسولُ الله (ص)، ويؤكّد أنّه (ع) قرينُ الحقّ، فيقول (ص): «إنّه معَ الحقّ، وإنّ الحقّ يدورُ معه حيثما دار».
فإذا كنّا من شيعته (ع)، فعلينا أن نعمل بالحقّ ونقول به؛ إذ إنّ «الحقّ ثقيل مرّ، والباطل خفيف حلو»، كما عن رسول الله (ص). وبالتالي، فإنّ الثبات على الحقّ يحتاج إلى جهدٍ وصبر، فعن أمير المؤمنين (ع): «اصبر على مضضِ مرارةِ الحقّ، وإيّاك أن تنخدعَ لحلاوةِ الباطل».
وإنّ أفضلَ كلماتِ الحقّ، تلك الّتي تكون في مواجهة الظالمين، بل إنّها أفضلُ الجهاد، عن رسول الله (ص): «أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر».
2ـ يقول (ع): «واعْمَلَا لِلأَجْرِ».
على الإنسان أن تكون الآخرةُ أكبرَ همِّه، فالله تعالى أراد للمسلم أن يفكّر دائماً في مرضاته تعالى وطاعته، وأن يجعل نصب عينيه الآخرةَ وأجرَها، فهو خيرٌ للذين آمنوا، قال تعالى: ﴿وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
3ـ يقول (ع): «وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً».
فالإسلامُ ربّى أبناءَه على استشعار أنّهم أفرادٌ في مجموعة لها حقوق وواجبات، وعلى المسلم أن يحبّ للأجزاء الأخرى مثلَ ما يحبّ لنفسه، ومن أعظم الحقوق والواجبات التناصر وإعانة المظلوم، وقد ورد الحثّ على ذلك في العديد من الأدعية والروايات، فعن الإمام زين العابدين (ع): «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْه».
لقد كانت هذه الوصيّةُ للإمامَين الحسن والحسين (ع)، ومن خلالهما إلى الأمّة جمعاء؛ إذ ينظر (عليه السلام) إلى محمّد بن الحنفيّة، قائلاً له: «هل حفظتَ ما أوصيتُ به أخويك؟»، قال: نعم، قال: «فإنّي أوصيكَ بمثلِه».
لقد رسم أميرُ المؤمنين (ع) للأمّة بوصيّته الصراطَ المستقيم المبنيَّ على تقوى الله ورفض الدنيا والعمل للآخرة وقول الحقّ ونصرة المظلوم.