محاور الخطبة
- خير أمّة
- النهي عن المنكر حقّ وواجب
- النهي عن المنكر مسؤوليّة
- فضل النهي عن المنكر
- أهمّيّة النهي عن المنكر في الأحاديث
- شروط الأمر بالمعروف
مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
قال الله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[1].
خير أمّة
أيّها الأحبّة،
إنّ هذه الآية المباركة، تشير إلى عمل جبّار وجليل، اتّسمت به أمّة النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)، بل إنّ هذا العمل قد أعطى الأمّة الإسلاميّة صفة الخيريّة، فهي خير الأمم؛ لأنّ فيها نهيٌ عن المنكر.
ولكن لماذا تعتبر الأمّة خير الأمم بهذا العمل؟
ذلك أنّ النهي عن المنكر والأمر بالمعروف -وكلاهما واجب من الواجبات الشرعيّة، التي ألقيت على المكلّف المسلم ضمن شروط ومعايير- ينسجمان مع روح الإسلام التي تتمثّل بحفظ الإنسان والمبادئ الإنسانيّة، بغية الحفاظ على حياته واستقراره وكرامته.
ولهذا، فإنّ الإنسان كفرد أو كمجتمع، من خلال آيات كتاب الكريم، وأحاديث النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار، مكرّم محترم، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾[2].
وإنّ هذا التكريم يتناغم وينسجم مع حفظ حقوقه التي تؤمّن له الحياة الهانئة والمستقرّة، التي لا اضطراب فيها ولا تزلزل، سواء على صعيد حياته الماديّة أم الروحيّة.
فإذا كان الأمر على هذا الحال، فإنّ كلّ ما يؤدّي إلى انتهاك هذه الحقوق يعتبر منكراً، ولنضرب لهذا الأمر مثلين:
1- شرب الخمر: فإنّ شرب الخمر من الموبقات العظمى التي نهى عن هذا الدين الحنيف، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾[3]، ونحن نعلم جيّداً، أنّ الخمر في هذا العالم سبب رئيس من أسباب الفساد في المجتمع البشريّ، وإنّ قراءةً بسيطةً للإحصاءات التي تدرُس حالات القتل العمديّ أو غير العمديّ على مستوى العالم، تؤكّد لنا أنّ أشدّ أسباب الدم الذي يسفك، هو بسبب الخمر بشكل مباشر أم غير مباشر، كالحوادث التي تنتج عن ضياع العقل عند السائقين، أم حالات الإجرام التي تحدث تحت وطأة السكر.
2- الربا: وهو أيضا ممّا حرّمه الله -تعالى- في محكم كتابه فقال -سبحانه-:﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّباَ﴾[4].
وإنّنا نعلم كم أنّ لهذا الفعل القبيح آثاراً سلبيّةً على مستوى الفرد والمجتمع، فقد يؤول إلى تدمير المجتمع اقتصاديّاً، ومن ثمّ اجتماعيّاً وأخلاقيّاً، وتصبح بعض الأيادي متحكّمةً بفئة كبيرة من الناس، كما يحدث الآن على مستوى العالم، فإنّ البنوك الربويّة، تتحكّم بالمجتمع البشريّ، ويكاد يصل التحكّم هذا إلى افتعال الحروب من أجل الربا والحفاظ على أموالهم.
فهذان الفعلان وغيرهما من المنكرات، وهي كثيرة، تقف بوجه سلام الحياة البشريّة، ما يستدعي النهي عنها.
النهي عن المنكر حقّ وواجب
إزاء ما تقدّم، وبأنّ الحياة الهانئة للإنسان أمر ضروريّ، فلنا أن نقول: إنّ النهي عن تلك الموبقات والمنكرات، هو واجب من جانب الناهي، وهو في الوقت عينه حقّ للمنهيّ؛ وذلك أنّه يؤدّي إلى حفظ حياته.
النهي عن المنكر مسؤوليّة
يدرج على ألسنة بعض الناس مصطلح حرّيّة الإنسان، وهم يطلقون هذه الحريّة بلا أيّ قيد أو حدّ أو شرط، باعتبار أنّ هذا من حقوقه البديهيّة، والتي تتوافق مع حقوق الإنسان!
وهذا في الواقع من المفاهيم الخاطئة التي ينبغي التنبّه إليها ومنها، فإنّ الحرّيّة ليست مطلقةً كي يفعل المرء ما يحلو له ويشتهي، إنّما هي مقيّدة بحقّ الآخرين، ومرتبطة بما حكم به الباري -سبحانه وتعالى-، ليصبح مصطلح الحرّيّة على هذا الشكل: الإنسان نعم حرّ، ولكن حرّ دون التعدّي على حدود الله وأوامره، ودون التعدّي على حقوق الآخرين في العيش بأمن وسلام.
ولأنّ الإنسان قد أوكلت إليه مهمّة حفظ نفسه وحفظ الآخرين، بل تلقّى على عاتقه مسؤوليّة رعاية من يستطيع رعايتهم، انسجاماً مع قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"[5]، ومن البديهيّ، فإنّ الرعاية تلك لا تقف عند رعاية الجسد والمال والأرض وما شاكل ذلك، بل تتعدّى ذلك لتشمل الروح والمشاعر والكرامة والعزّة، وبهذا يكون النهي عن المنكر مسؤوليّةً وواجباً.
فضل النهي عن المنكر
عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): "وما أعمال البرّ كلّها في الجهاد في سبيل الله، عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلّا كنفثة في بحر لجّيّ، وإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أجل، ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كلّه عدل عند إمام جائر"[6].
أهمّيّة النهي عن المنكر في الأحاديث
نورد فيما يلي بعض الأحاديث الواردة في أهمّيّة النهي عن المنكر:
- عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة، بها تُقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتُحلّ المكاسب، وتُردّ المظالم، وتعمر الأرض، ويُنتصف من الظالم، ويستقيم الأمر"[7].
- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): "لتأمُرنَّ بالمعروف ولتنْهُنَّ عن المنكر، أو ليستعملنَّ عليكم شراركم، فيدعو خياركم، فلا يستجاب لهم"[8].
- عن الإمام الحسين (عليه السلام): "إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"[9].
- عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): "من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسول الله، وخليفة كتابه"[10].
شروط الأمر بالمعروف
إنّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطاً ومعايير لا بدّ من التنبّه إليها، كي يصل الناهي عن المنكر إلى هدف المنشود، وقد يُذكر في هذا المجال العديد من الأحاديث، والتي تصيّد منها علماؤنا ما ذكروه ضمن كتبهم، واعتبروه من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث: رفيقاً بما يأمر به، رفيقاً بما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه"[11].
وممّا يلي ملخّص ما ذكره العلماء من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الشرط الأوّل: معرفة المعروف والمنكر.
الشرط الثاني: احتمال التأثير.
الشرط الثالث: أن يكون فاعل المنكر مصرًّا على المنكر.
الشرط الرابع: أن يكون المنكر منجّزًا في حقّ الفاعل.
الشرط الخامس: عدم استلزام الضرر.
[1] سورة آل عمران، الآية 110.
[2] سورة الإسراء، الآية 70.
[3] سورة المائدة، الآيتان 90- 91.
[4] سورة البقرة، الآية 275.
[5] ابن ابي جمهور الغحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص129.
[6] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة، ح4، ص90.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص56.
[8] المصدر نفسه، ج5، ص56.
[9] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص329.
[10] الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص75.
[11] النوريّ، مستدرك الوسائل، ج12، ص 186.