محاور الخطبة
- الإسلام منطلق الثورة
- الالتزام بالتكليف
- إحياء الأمّة، أبرز سمات الثورة
- من أساليب الاستنهاض
مطلع الخطبة
قال الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1].
الإسلام منطلق الثورة
أيّها الأحبّة،
لا يسعنا في ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة، التي فجّرها ملهم الشعوب المستضعفة والمظلومة في العالم، ومحيي الأمّة الإسلاميّة بعد ركودها، الإمام الخمينيّ (قدس سره)، إلّا أن نعرج -ولو قليلاً- إلى بعض الخصائص التي تميّزت بها هذه الثورة ونتائجها الباهرة.
ولا بدّ أوّلاً من أن نؤكّد أنّ منشأ ثورة الإمام الخمينيّ (قدس سره)، في أبعادها السياسيّة والاجتماعيّة كلّها، ومن خلال خطاباته وكلماته، منذ بداية الثورة حتّى انتصارها، كان الإسلام.
وإنّ هذا ناشئ من العقيدة الثابتة، بأن لا بديل عن الإسلام في خلاص الأمم البشريّة من الظلم والانحراف عن خطّ الاستقامة، الذي أرادها الله أن تكون عليه.
ومن هذا المنطلق، كانت ثورة الإمام الخمينيّ (قدس سره) امتداداً لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، من حيث مبدؤها ومنشؤها، ألا وهو الإصلاح والتغيير؛ بغية إحياء الأمّة ونهوضها.
أيّها الأحبّة،
كان الشاه قد استحكم بسلطته إلى أبعد الحدود، حتّى صار بين أيدي الأمريكيّين كالدمية بين أيدي الصبيان، يتلاعبون به كيف يشاؤون، وهو يضع بين أيديهم المقدّرات الطبيعيّة للشعب الإيرانيّ كلّها؛ وذلك كلّه بغية حفظ سلطته وعرشه.
فما كان من الإمام الخمينيّ (قدس سره)، إلّا أن تحرّك بوجهه، مستنهضاً الشعب الإيرانيّ المسلم، فثار بثورة بيضاء، استطاع من خلالها اجتثاث الحكم الشاهنشاهيّ العميل للأمريكيّين.
الالتزام بالتكليف
ما يلفت النظر في ثورة الإمام الخمينيّ (قدس سره)، أنّها كانت ترجمةً حقيقيّةً لالتزام المسلم الحريص والغيور على أمّته ودينه، بالتكاليف الموكلة إليه من الله، وبالتوجيهات الإلهيّة التي تهدف إلى حفظ الدين والأمّة الإسلاميّة من الضياع، وقد بدت مظاهر التزامه بالتكاليف الإلهيّة تلك واضحةً وجليّةً، ومنها:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال -سبحانه-: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر﴾[2].
2- الاهتمام بأمور المسلمين: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"[3].
3- عدم الركون إلى الظلمة: حيث يقول -تعالى-: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾[4].
4- إقامة حكم الله: وفي ذلك ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): "حدٌّ يُقام في الأرض، أزكى فيها من مطر أربعين ليلة وأيّامها"[5].
فهذه التوجيهات كلّها قد تجلّت في شخصيّة الإمام الخمينيّ (قدس سره) وثورته.
إحياء الأمّة، أبرز سمات الثورة
إنّ أبرز السمات التي اتّسمت بها ثورة الإمام الخمينيّ (قدس سره)، أنّها أحيت الأمّة الإسلاميّة التي وصلت إلى مرحلة الركود والتبعيّة المطلقة لدول الاستكبار العالميّ.
1- تفعيل دور الدين
كان الإمام الخمينيّ (قدس سره)، يرى بأنّ المجتمع وصل إلى مرحلة يستبعد فيها الدين بشكل كبير، وأنّه بدأ الكثيرون من المسلمين يحذون حذو الغربيّين الذين أقصوا الدين جانباً عن حياتهم السياسيّة والاجتماعيّة؛ ولذلك كان الإمام (قدس سره) يرى أنّ هذا الأمر خطير للغاية، فدأب في حركته وثورته، على التأكيد على ضرورة إقحام الدين بمفاصل حياة الناس كلّها، مؤكّداً على دور علماء الدين والحوزات العلميّة في هذا الشأن.
الدين والسياسة
كان الإمام الخمينيّ (قدس سره) يعارض مقولة "فصل الدين عن السياسة" معارضةً شديدةً، معتبراً إيّاها شعاراً من شعارات الاستعمار، يقول (قدس سره): "إنّ شعار فصل الدين عن السياسة من الدعايات الاستعماريّة، ويُراد من خلاله منع الشعوب الإسلاميّة من تقرير مصيرها"[6].
ويقول (قدس سره): "الدين الإسلاميّ ليس مجرّد دين عباديّ، وظيفته تقتصر على العلاقة بين الإنسان وخالقه، فهو ليس وظيفة روحانيّة فقط، كما أنّه ليس ديناً سياسيّاً فقط، بل عباديّ وسياسيّ، وإنّ سياسته مدغمة في عباداته، وعبادته مدغمة في سياساته"[7].
2- الزمان والمكان
من توجيهات الإمام الخمينيّ (قدس سره) في إقحام الدين الإسلاميّ في مفاصل حياة الناس، أنّه نظّر لمسألة الزمان والمكان ودورهما في الاجتهاد بالنصّ، ما يتيح للنصّ الإسلاميّ أن يتكيّف مع ظروف الزمان والمكان بما تقتضيه مصلحة المجتمع الإسلاميّ، وممّا يقوله في ذلك: "إنّ الزمان والمكان عنصران رئيسيّان في الاجتهاد، فمن الممكن أن تجد مسألةً كان لها في السابق حكماً، وإنّ نفس المسألة تجد لها حكماً جديداً في ظلّ العلاقات المتغيّرة والحاكمة على السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظامٍ ما"[8].
3- مكانة القرآن في حياة الأمّة
إنّ للقرآن أهميّة عظمى في حياة الإنسان، ولذلك نجد العديد من الأحاديث التي تحثّ على اتّباع القرآن والاهتداء بهديه، في سبيل السير على الطريق القويم، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن؛ فإنّه شافِع مشفّع، ومَاحِلٌ مُصَدَّق[9]، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل؛ يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل"[10].
ولم يغفل الإمام (قدس سره) عن أهمّيّة القرآن الكريم في حركته القياديّة، وكان يشدّد على اتّخاذه مستنَداً أساسيّاً في السير بأمور المجتمع؛ ولذلك نلاحظ تركيزه في ابتداء خطاباته بذكر الآيات القرآنيّة المناسبة، وكان دائماً ما يستشهد بها، على أيّ واقعة أو حادثة يودّ اتّخاذ موقف منها، أكان إيجاباً أم سلباً، وهذا يعني أنّه كان يريد إيصال رسالة مهمّة، وهي أنّنا نستطيع اتّخاذ القرآن الكريم دستوراً في أمور حياتنا عامّةً، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.
يقول (قدس سره): "الإسلام لا يدعو إلى المعنويّات فقط، ولا يدعو إلى المادّيّات فقط، إنّه يدعو إلى كليهما، فقد جاء الإسلام والقرآن الكريم من أجل بناء الإنسان وتربيته في جميع أبعاده"[11].
4- الدفاع عن القيم
"الخصّيصة المهمّة الأخرى لمدرسة الإمام السياسيّة هي الدفاع عن القيم، والتي أوضح إمامنا الجليل مظهرها المميّز في تبيينه لقضيّة ولاية الفقيه. منذ مطلع الثورة الإسلاميّة وانتصارها وتأسيس النظام الإسلاميّ، حاول الكثيرون تصوير ولاية الفقيه على أنّها قضيّة خاطئة وسيّئة ومعارضة للواقع؛ فكانت هناك تصوّرات مناقضة للواقع، وإرادات وتطلّعات غير متطابقة مع النظام السياسيّ في الإسلام والفكر السياسيّ للإمام الجليل. وحين تسمعون الإعلاميّين المتحيّزين للأعداء يبثّون هذه الأقاويل، فهذا ليس فعلهم اليوم فقط، فقد أطلقت هذه التيّارات والدعايات الأجنبيّة وتلاميذها هذا الكلام منذ البداية"[12].
5- الاستقلال عن الغرب
من أبرز النقاط التي ناضل الإمام الخمينيّ (قدس سره) من أجلها هو أن تصبح الأمّة الإسلاميّة مستقلّةً عن الغرب، على جميع الأصعدة، لما للتبعيّة تلك من مساوئ تحلّ بالأمّة وأبنائها.
يقول (قدس سره): "إنّ هذه التبعيّة الفكريّة والعقليّة للغرب هي سبب أكثر المصائب التي لحقت بالشعوب وبشعبنا أيضاً، وإنّه يتطلّب وقت طويل لإزالة هذا التغرّب من الشعوب والعقول"[13].
6- أمميّة الثورة
صحيح أنّ الثورة كانت في إيران وفي بيئة إسلاميّة، إلّا أنّ مبادئها ومنطلقاتها تعمّ المجتمعات المستضعفة في العالم كلّه؛ ذلك أنّها تحمل مبادئ الإسلام الذي جاء للناس كافّةً، قال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾[14].
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) بحقّ الثورة الإسلاميّة: "ثورتنا لم تدعُ المسلمين فقط للعودة إلى الإسلام، بل كانت مفيدةً للمسيحيّة أيضاً... فكانت هذه مقدّمةً لسقوط الإمبراطوريّة الشرقيّة وانهيار الحكومة الماركسيّة في العالم"[15].
من أساليب الاستنهاض
سعى الإمام الخمينيّ (قدس سره)، لاختيار كلّ ما يؤدّي إلى استنهاض الأمّة تجاه ديننا الحنيف ورفع مبادئه وشعاراته، فقام في سبيل ذلك باستغلال المناسبات الإسلامية كلّها وربطها بالواقع الذي يعيشه الناس، دون إبقائها في بوتقتها التاريخيّة فحسب.
وعلى سبيل المثال لا الحصر:
ــ ذكرى ولادة الرسول (صلّى الله عليه وآله): أسبوع الوحدة الإسلاميّة.
ــ يوم ولادة السيّدة الزهراء (عليها السلام): يوم المرأة المسلمة.
ــ يوم ولادة الإمام الحسين (عليه السلام): يوم الحرس والتعبئة.
ــ يوم ولادة الإمام المهديّ (عجّل الله -تعالى- فرجه): يوم المستضعفين.
ــ يوم ولادة العبّاس (عليه السلام): يوم الجريح.
ــ يوم ولادة السيّدة زينب (عليها السلام): يوم الممرّضة المسلمة.
وكذلك ربط آخر يوم جمعة من أيّام شهر رمضان المبارك بالقدس، حيث جعله يوماً للقدس، يستنهض به المسلمين لمواجهة العدو الصهيونيّ الذي يحتلّ هذه البقعة المباركة من مقدّسات المسلمين.
[1] سورة القصص، الآية 5.
[2] سورة آل عمران، الآية 110.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 163.
[4] سورة هود، الآية 113.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج7، ص 174.
[6] الكلمات القصار للإمام الخمينيّ (قدس سره)، ص 77.
[7] الكلمات القصار للإمام الخمينيّ (قدس سره)، ص 78.
[8] صحيفة الإمام، ج21، ص، 262.
[9] يمحل بصاحبه؛ أي يسعى به -إذا لم يتّبع ما فيه- إلى الله -تعالى-.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص599.
[11] الكلمات القصار للإمام الخمينيّ (قدس سره)، ص43.
[12] من كلمة للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، في الذكرى الخامسة عشرة لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره) 4/6/2004م.
[13] الكلمات القصار، ص235.
[14] سورة سبأ، الآية 28.
[15] الكلمات القصار للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، ص267.