الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
قال الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ الارتباط بالإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) لا يقتصر على الحبّ والمشاعر العاطفيّة، ولا على الإقرار الفكريّ والعقليّ والعقديّ بوجوده وقضيّته المباركة التي ينتظرها الموالون له، بل هو ارتباط تفاعليّ، يشمل -مضافاً إلى ما تقدّم- الارتباط السلوكيّ الذي ينبغي أن يكون عليه الناس حال غيبته، وذلك بأن يقوموا بما يرضيه ويسرّه، في علاقتهم بالله وعلاقتهم في ما بينهم، وفي تبنّيهم القضايا المحقّة في هذا العالم، فيجاهدوا حيث يجب أن يجاهدوا، ويرفعوا أصواتهم حيث يجب أن يرفعوها في وجه الأباطرة والظالمين، وهم يبذلون في ذلك قصارى جهدهم وأغلى ما عندهم في سبيل حماية الدين والأمّة.
كيف نقوّي علاقتنا بالإمام؟
لا بدّ للمؤمن الموالي من أن يضع نصب عينيه دوماً أهمّيّة تقوية هذا الارتباط، فيقدم على كلّ ما يقوّي هذه العلاقة ويشدّ من أواصر التقرّب إليه (عجّل الله فرجه)، ويعود فضل ذلك أوّلاً إلى الموالي نفسه، إذ يعيش بذلك في دائرة المُهيَّئين لنصرة الإمام حال ظهوره، فمن سلك طريق الخير ووضع خطواته في الطريق الصحيح فهو مُهيَّأٌ لليوم الذي يخرج فيه الإمام معلناً الجهاد والقيام ضدّ الظالمين في العالم، أمّا الذي يقصّر في ذلك، فاحتمال ضعفه عند نداء الإمام يكون قويّاً، ذلك أنّه لم يكن مهيَّأً روحيّاً ومعنويّاً لذاك النداء العظيم.
من معالم تقوية علاقة الموالي بالإمام (عليه السلام) أمور عديدة، نذكر منها:
1. صلة الإمام
بأن يقدّم له هديّة بقدر استطاعته، غنيّاً كان أم فقيراً، وقد ورد ذلك عن المعصومين (عليهم السلام)، منها ما عن مفضّل بن عمر قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) يوماً ومعي شيء، فوضعتُه بين يديه، فقال: «ما هذا؟»، فقلتُ: هذه صلة مواليك[...] قال: فقال لي: «يا مفضّل، إنّي لأقبل ذلك، وما أقبل من حاجة بي إليه، وما أقبله إلّا ليزكّوا به»[2].
وفي تفسير العيَّاشي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه سُئل عن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللّهُ بِهِ أن يُوصَلَ﴾[3]، قال: «هو صلة الإمام في كلّ سنة ممّا قلّ أو كثر»، ثمّ قال (عليه السلام): «وما أريد بذلك إلّا تزكيتكم»[4].
وعنه (عليه السلام) في فضل الهديّة للإمام المعصوم: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط، كافيته يوم القيامة بقنطار»[5].
وإنّ لذلك أثراً في قضاء حوائج المؤمن، إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «ولا تدعوا صلة آل محمّد (عليهم السلام) من أموالكم؛ من كان غنيّاً فبقدر غناه، ومن كان فقيراً فبقدر فقره، فمن أراد أن يقضي الله له أهمّ الحوائج إليه فَليصِل آل محمّد وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله»[6].
أمّا في ما يتعلّق بالإمام المهديّ (عجّل الله فرجه)، فقد يتحقّق ذلك بإنفاق شيءٍ ممّا نستطيعه في وجوه الخير والصلاح ممّا يرضاه (عليه السلام)، وأن يكون ذلك بالنيّة عنه، وكأنّنا نهديه بذلك ثواب ما نقدّمه للمؤمنين أو ثواب وجوه الخير.
2. إظهار الحبّ والمودّة له (عليه السلام)
من وجوه الارتباط الضروريّة واللازمة بين المرء وإمامه، الارتباط القلبيّ والمعنويّ، ويتمثّل ذلك بالحبّ والمودّة التي أمر بها الله تعالى لخاصّة أوليائه المعصومين (عليهم السلام)، وكذلك لخاصّة الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام)، قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾[7].
وقد ورد أنّ الله تعالى أوحى إلى رسوله الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ليلة أُسري به: «يا محمّد، أتحبّ أن تراهم -ويقصد بذلك الأئمّة من بعده (صلّى الله عليه وآله)-؟ قلتُ: نعم، قال: تقدَّم أمامك، فتقدّمت أمامي، وإذا عليُّ بن أبي طالب والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة القائم كأنّه كوكب دريّ في وسطهم، فقلت: يا ربِّ من هؤلاء؟
فقال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم، يحلُّ حلالِي ويحرِّم حرامي، وينتقم من أعدائي. يا محمّد، أحببه فإنّي أحبّه وأحبّ من يحبّه»[8].
إنّ هذا الارتباط المعنويّ يؤدّي بشكل تلقائيّ إلى تقويم مسلك الإنسان، وضبط جوارحه عن اقتراف المحرّمات، لكن شريطة أن يكون هذا الحبّ فعليّاً وواقعيّاً، لا مجرّد قول باللسان، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه أنشد قائلاً:
«لو كان حبّك صادقاً لأطعتَه إنّ المحبّ لمن أحبّ مطيعُ»[9].
3. تجديد البيعة
وهي أن يجدّد بيعته للإمام (عليه السلام)، وذلك من خلال العزم على مناصرته وملازمة ما يرضيه (عجّل الله فرجه)، ولأهمّيّة هذا الأمر، فقد ورد في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ليكون ذلك بيعةً متجدّدةً في كلّ يوم، ما يجعل المرء دوماً في حال من الذكر الدائم لإمام زمانه، ورد في الدعاء: «اللّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَوْمِي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أيّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أَزُولُ أَبَداً...»[10].
4. الاغتمام والبكاء على فراقه
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «والله، ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولَتُمحَّصُنّ حتّى يُقال: مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولَتدمعَنّ عليه عيون المؤمنين»[11].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «كم من حرّى مؤمنة، وكم من مؤمن متأسّف حيران حزين عند فقدان الماء المعين (يعني الحجّة عجّل الله فرجه)»[12].
5. الدعاء له
وهذا من أعظم ما يوطّد علاقة المرء بإمامه، وقد ورد العديد من الأدعية المخصّصة للإمام، كدعاء الحجّة المعروف، وما ورد في توقيع الناحية المقدّسة: «اللهمَّ أعزَّه مِن شرِّ كلِّ طاغٍ وباغٍ، ومِن شرِّ جميعِ خلقِك، واحفظهُ مِن بينِ يديهِ ومِن خلفِه، وعَن يمينِه وعَن شمالِه، واحرُسه، وامنَعهُ أن يُوصَلَ إليهِ بسوءٍ، واحفَظ فيهِ رسولكَ وآلَ رسولِك، وأظهِر بهِ العدلَ، وأيّدهُ بالنّصرِ»[13].
وكذلك الدعاء بتعجيل بالفرج، إذ ورد عنه (عجّل الله فرجه) في التوقيع المبارك: «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج؛ فإنّ ذلك فرجُكم»[14].
[1] سورة القصص، الآية 5.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص216.
[3] سورة الرعد، الآية 21.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص216.
[5] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص440.
[6] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص515.
[7] سورة الشورى، الآية 23.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج36، ص222.
[9] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص294.
[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج83، ص285.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص336.
[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج51، ص152.
[13] المصدر نفسه، ج91، ص4.
[14] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص384.