بسم الله الرحمن الرحيم
النبي(صلى الله عليه وآله) في السنة الثالثة من الهجرة دعا المقوقس ملك القبط، ودعا
هرقل ملك الروم، ودعا كسرى ملك الفرس، ودعا النجاشي ملك الحبشة إلى الإسلام، وكان
خطاب النبي(صلى الله عليه وآله) لهم بهذا الشكل: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمّد
رسول الله عبده ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ـ مثلا ـ وسلام على من اتّبع الهدى.
أمّآ بعد فإنّي أدعوك برعاية الإسلام أسلم تسلم..."[1]، وذكر النبي في رسالته إلى
هرقل والمقوقس، قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى
كَلِمَة سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ
بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[2].
العولمة الإسلامية قائمة على الحوار والاقتناع الفكري
هذه هي العولمة الإسلامية التي خاطب بها النبي(صلى الله عليه وآله) والأُمم
الأُخرى، العولمة المنطلقة من مفاهيم القرآن الكريم القائمة على المساواة والحوار
المنطقي {كَلِمَة سَوَاء}، وقد رفع القرآن الكريم في زمان كانت البشرية ترزح تحت
نير العبودية والتفرقة العنصرية والتخلّف العلمي والحضاري.
إذن الحوار لا على فرض الآراء بالقوّة العسكرية أو الاقتصادية، بل من العولمة
المنطلقة من الاقتناع الفكري والعامل الثقافي، لا من الترهيب والترغيب.
والآية تشير إلى عدّة أُمور:
أوّلا: الكلمة السواء.
ثانياً، العبودية لله.
ثالثاً: رفض التسلّط من قبل بعض البشر على بعض، ووجود الحرية للبشر، وعدم خضوع
بعضهم لبعض.
إذن القرآن جعل لغة العولمة هي لغة الحوار، وهذا منطق متمدّن راق طرحه القرآن في
تلك الأزمة المتخلّفة على صعيد النظرية، وعلى صعيد التطبيق فكان النبي(صلى الله
عليه وآله) يساوي بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبين العرب، بل إنّه
قد فضّل سلمان الفارسي، وقال: "سلمان منّا أهل البيت"[3] لا لعنصره، وإنّما للمستوى
الروحي الذي ملكه وتميّز به.
أخلاق النبي(صلى الله عليه وآله) وسياسته ومبادئه عامل أساسي في العولمة
الإسلامية
المستشرقون يعترفون أنّ العامل الأساسي في نشر الإسلام هو أنّ أهالي البلدان
المفتوحة كانوا يساعدون المسلمين على فتح بلدانهم; لأنّهم كانوا يعانون من أنظمة
دكتاتورية ظالمة تضطهدهم وتذيقهم أنواع الذل والظلم، وأنّ سيرة النبي الأعظم
البسيطة وتواضعه ومساواته بين المسلمين كان لها الأثر الأكبر في تقبّل الناس لهذا
الدين، والنبي لم يلغ القبائل ولم يحلها، بل أبقى النظام القبلي كآليّة للمعيشة،
ولكنه لم يجعل هذا الانتماء لهذه القبيلة أو تلك معياراً للتفاضل والتفاخر
والاستعلاء على الآخرين، وعلى الرغم من أنّ المنهج الإسلامي الذي أسس له النبي
محمّد(صلى الله عليه وآله)سرعان ما تعرّض إلى التشويه والانحراف الذي كان يمارسه
ملوك بني أمية وبني العباس إلاّ أنّه رغم ذلك استطاع أن يحقق الكثير، وأن يجذب
النفوس، وأن يستقطب قطاعات واسعة من المجتمعات المختلفة اختلاف المنهج بعد
النبي(صلى الله عليه وآله) وهناك مؤاخذات تؤخذ على الخلفاء الثلاثة بعد النبي تخالف
سيرته(صلى الله عليه وآله)، ونحن نطرح هذه الأُمور من باب البحث العلمي، لا من باب
التعصّب المذهبي، منها: ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ هو التفرقة في السياسة
المالية، حيث فرّق في العطاء بين الموالي والعرب، وبين قريش وغير قريش، ومنع
الموالي من دخول المدينة، وأنّ ولاة الأمصار لايمكن أن يكونوا من الموالي[4]، حتى
أنّ الشعوب الأُخرى غير العربية صار لديها ردود فعل تجاه العرب، وظهر تيار الشعوبية
المعادي للعرب كردّ فعل على تصرفات كانت بعيدة عن منهج النبي محمّد(صلى الله عليه
وآله).
حتى أنّ المهاجرين والأنصار طالبوا علياً(عليه السلام) بأن يميّزهم بالعطاء، ولكنه
قال لهم: إنَّ نصرتهم للنبي محمّد لها أجرها الأُخروي، وليس من حقّهم المطالبة
بالتميّز على الآخرين في الدنيا[5].
وعندما جاء علي(عليه السلام) لم يشأ أن يتوسّع في رقعة البلاد الإسلامية، والداخل
الإسلامي يعاني من الخواء والفساد، فتوجّه إلى الإصلاح الداخلي، وللأسف فقد واجهه
أصحاب الجمل، وواجه العصبيات القبلية، والعصبيات القرشية، والأحزاب التي لم يكن
يروق لها عدل علي(عليه السلام). ودوافع حرب الجمل معروفة.
الحسين(عليه السلام) يحيي دين النبي ويعيد مبادءه
ومنهج النبي محمّد(صلى الله عليه وآله) نراه عند سبطه الإمام الحسين(عليه
السلام) في يوم عاشوراء الذي أخذ على عاتقه إحياء مباديء جدّه محمّد(صلى الله عليه
وآله) التي تعرّضت للتشويه والانحراف على أيدي بني أمية، فنرى أنّ الحسين بن
علي(عليه السلام) في يوم عاشوراء يضع خدّه على خدّ جون ذلك العبد، وهذا نوع عظيم من
أنواع الاحترام عند العرب، ويساوي الحسين(عليه السلام) بين جون ـ العبد الأسود ـ
وبين علي الأكبر، السيد القرشي الذي ينتسب لرسول الله(صلى الله عليه وآله).
ومبدأ العدل متجذّر في مذهب أهل البيت(عليهم السلام) الذي يرفض أن يكون الخروج على
ولي الأمر حراماً، كما هو في المذاهب الأُخرى، والإمامية تضع شروطاً للإمام أشدّ
ممّا تنشده البشرية، فنحن نعتقد أنّه معصوم، فيتوصل إلى النظام الحقوقي العدل،
والنظام المالي العادل، والنظام القضائي العادل، والنظام السياسي العادل، والسيرة
العادلة بدون أيّ تفرقة بين مؤمن ومؤمن، وأنّ الحاكم ليس الإمام المعصوم أو الرسول،
بل الحاكم الأوّل هو الله، وأنّه ليس من حق الرسول(صلى الله عليه وآله) أو الإمام
التشريع بدون أمر الله ونهيه، وأنّ الإمام المعصوم لا يشاء إلاّ ما يشاء الله، ولا
يفعل ما لا يرضي الله تعالى، إذن حاكمية الله تتجلّى في فعل المعصومين الذين هم
عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وهذا ليس مغالاة، بل هو
التوحيد في الحاكمية الذي يتميّز به مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
* آية الله الشيخ محمد السند
[1] - بحار الأنوار 20:
386، باب مراسلاته الى الملوك، وكذا دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية
2: 706، فقد ذكر الرسائل جميعاً.
[2] - آل عمران (3): 64.
[3] - بحار الأنوار 20: 198، باب غزوة الأحزاب وبني قريظة.
[4] - من حياة الخليفة عمر بن الخطاب: 180.
[5] - ميزان الحكمة 7: 2995، الحديث 19416.