عن أميرِ المؤمنين عليه السلام واصفاً أهلَ البيتِ عليهم السلام: «هُمْ مَوْضِعُ
سِرِّهِ، ولَجَأُ أَمْرِهِ، وعَيْبَةُ عِلْمِهِ، ومَوْئِلُ حُكْمِهِ، وكُهُوفُ
كُتُبِهِ، وجِبَالُ دِينِهِ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ ... لَا يُقَاسُ
بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ، ولَا
يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً: هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ،
وعِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي،
ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ».
من القضايا التي بيّنها القرآنُ الكريمُ مسألةُ الإصطفاءِ الإلهيّ والإختيارِ
الربّانيِّ لجماعةٍ من الناسِ على العالمين، قال تعالى: «إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».
وهذا الإصطفاءُ صادرٌ عن حكمةٍ إلهيّةٍ جعلتْ هؤلاءِ قدوةً للناس، والقدوةُ تفترضُ
الإتّباعَ والسيرَ على هُداهُم.
والإمامُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام يتحدَّثُ عن الإصطفاءِ لأهلِ بيتِ النبيِّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ في كونهم مَنْ يُرجع إليهم في كلِّ الأمورِ لأنَّهم
أبوابُ النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ ومن خلالهم تصلُ الناسُ إليه.
ولقد تكرَّرَ من رسولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ ربطُ الناسِ بأهلِ البيتِ
في حياتِه، ومن ذلك بيانُ فضلِهم ومكانتِهم، وفيما يرتبطُ بثالثِ الأئمةِ عليه
السلام الإمامِ الحسينِ بنِ عليٍّ نجدُ كيف يؤكدُ النبيُّ هذا الارتباطَ به بقولِه
صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ: حسينٌ منِّي وأنا من حسين، أحبَّ اللهُ مَنْ أحبَّ
حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط.
إنَّ هذه الروايةَ تُبيِّنُ بشكلٍ واضحٍ الارتباطَ الخاصَّ بين النبيِّ والإمامِ
الحسين، ولهذا الارتباطِ وجوهٌ متعدِّدةٌ منها أنَّ الأذى الذي يلحقُ بالإمامِ
الحسينِ يلحقُ بالنبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وكذلك الأذى الذي يلحقُ بالنبيِّ
فإنّه يلحقُ بالإمامِ الحسين.
كما تُفيدُ الروايةُ أنّ باباً من أبوابِ الوصول إلى درجةِ أحبّاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ
يتمثّلُ بالارتباطِ بالمحبّةِ للإمامِ الحسينِ عليه السلام ، وكذلك الوعدُ الإلهيُّ
لمحبيِّهم، يقولُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام: «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ،
ومَحَطُّ الرِّسَالَةِ، ومُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، ومَعَادِنُ الْعِلْمِ
ويَنَابِيعُ الْحُكْمِ، نَاصِرُنَا ومُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ،
وعَدُوُّنَا ومُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ».
إنَّ الحسدَ الذي غلَى في نفوسِ أعداء أهلِ البيتِ عليهم السلام جعلَهم ينسبونَ
مختصّاتِ أهلِ البيتِ لأنفسِهم، لا سيَّما العنصر الأساس وهو أنّهم أبوابُ الهدى،
فالإتِّباعُ ينحصرُ بأهلِ البيت للدّخول في الهدى والخروج من العمى، وأمّا اتّباعُ
غيرِهم فهو سيرٌ في مساراتِ الضلالِ التي وردَ النهيُ عنها يقولُ أميرُ المؤمنينَ
عليه السلام: «أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
دُونَنَا، كَذِباً وبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّهُ ووَضَعَهُمْ،
وأَعْطَانَا وحَرَمَهُمْ وأَدْخَلَنَا وأَخْرَجَهُمْ، بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى
ويُسْتَجْلَى الْعَمَى، إِنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ، غُرِسُوا فِي هَذَا
الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ
مِنْ غَيْرِهِمْ».
نباركُ للمجاهدينَ ذكرى الولاداتِ المباركةِ للعترةِ الطاهرةِ من أهلِ البيتِ عليهم
السلام في شهرِ شعبان، الإمامِ الحسينِ وولدِه السجّادِ عليٍّ بنِ الحسين، وولادةِ
العباسِ بنِ عليٍّ وعليٍّ الأكبر بنِ الحسين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين