مِن دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلامُ) في وداعِ شهرِ رمضان: «اللَّهُمَّ ومَنْ رَعَى هَذَا الشَّهْرَ حَقَّ رِعَايَتِه، وحَفِظَ حُرْمَتَه حَقَّ حِفْظِهَا، وقَامَ بِحُدُودِه حَقَّ قِيَامِهَا، واتَّقَى ذُنُوبَه حَقَّ تُقَاتِهَا، أَوْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ بِقُرْبَةٍ أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَه، وعَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْه، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ، وأَعْطِنَا أَضْعَافَه مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّ فَضْلَكَ لَا يَغِيضُ، وإِنَّ خَزَائِنَكَ لَا تَنْقُصُ بَلْ تَفِيضُ، وإِنَّ مَعَادِنَ إِحْسَانِكَ لَا تَفْنَى، وإِنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطَاءُ الْمُهَنَّا»[1].
تَضَمَّنَ الدعاءُ الواردُ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلامُ) في الصحيفةِ السجاديةِ، عندَ وداعِ شهرِ رمضانَ، مجموعةً مِنَ المعارفِ المرتبطةِ بمكانةِ هذا الشهرِ عند اللهِ -عزَّ وجلَّ-. ويبيِّنُ الإمامُ (عليه السلامُ) فُرَصَ الاستفادةِ مِن هذا الشهر، ومِنْ أهمِّ هذه الفرصِ هو شفاعةُ الصالحينَ الذينَ وفّقهُمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- للاستفادةِ مِن هذا الدعاء. فَمِنَ الناسِ مَن يُكتَبُ لها التوفيقُ لِأَنْ تكونَ كما وَصَفَها الإمامُ السجادُ (عليه السلامُ) في الدعاءِ مِمَّنْ حَفظَ حُرمةَ الشهرِ، واستطاعَ اغتنامَ الفرصةِ للتقرّب، ولكنَّ بعضَ الناسِ لم يُكتبْ لهُ التوفيقُ لذلك. وبمنطق: «إِلهِي رَبِحَ الصَّائِمُونَ، وَفازَ القَائِمُونَ، وَنَجا المُخْلِصُونَ، وَنَحْنُ عَبِيدُكَ المُذْنِبُونَ؛ فَارْحَمْنا بِرَحْمَتِكَ، وَاعْتِقْنا مِنَ النَّارِ بِعَفْوِكَ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»[2]، يكونُ التمسُّكُ بالصفاتِ الإلهيةِ لِمَنْ حُرِمَ الاستفادةَ منَ الفرصة، وبهذا تكونُ شفاعةُ الصالحينَ وسيلةً يَتوسَّلُ بها أصحابُ التقصيرِ للوصولِ إلى الغايةِ المطلوبةِ، وهي الفوزُ بالعطاءِ الإلهيّ، وذلك تمسُّكاً بأمور:
1. الغنى الإلهيّ: فاللهُ -عزَّ وجلَّ- «لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلّا جُوداً وَكَرَماً»، فإذا كان نَيلُ الصالحينَ بالاستحقاقِ، فنَيلُ المقصِّرينَ بالتمسُّكِ بصفةِ (الغنيّ) لله -عزَّ وجلَّ-، وذلك معَ اعترافِ العبادِ بأنهمُ الفقراءُ إلى الله، وأنْ يكونَ ذلكَ بإظهارِ حاجةِ المضطرِّ حتى يَضمنَ الاستجابةَ، «أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ»[3].
2. التفضُّلُ الإلهيّ: وَسَعَةُ رحمةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- تجعلُ العبدَ يطمعُ في المزيدِ مِن بابِ التفضُّلِ الإلهيّ، فالفَيضُ الإلهيُّ يزيدُ ولا ينقُص، ولذا نتلو في دعاءِ أبي حمزةَ الثماليّ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَوَعْدُكَ صِدْقٌ، وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ عَلِيماً..[4]»[5].
3. السعادةُ التامّةُ بالعطاءِ الإلهيّ: إنَّ كُلَّ عطاءٍ في هذه الدنيا يكونُ مَشُوباً بالنقصِ، ولا تكونُ سعادتُهُ تامّة، وأمّا العطاءُ الإلهيُّ فهو العطاءُ التامُّ الذي فيه السعادةُ التامّةُ، ولذا قالَ (عليه السلام): «وإِنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطَاءُ الْمُهَنَّا»[6]. ومِن صفاتِ هذا العطاءِ أنهُ لا نهايةَ له، فهو لا ينقطعُ، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[7].
جَعَلَنا اللهُ -عزَّ وجلَّ- وإيّاكم مِن أصحابِ نَيلِ العطاءِ الإلهيِّ بحقِّ هذا الشهرِ الكريم.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الصحيفة السجّاديّة، ص202.
[2] الشيخ عبّاس القميّ، مفاتيح الجنان، ص296.
[3] سورة النمل، الآية 62.
[4] سورة النساء، الآية 32.
[5] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص583.
[6] الصحيفة السجّاديّة، ص202.
[7] سورة هود، الآية 108.