- انسجام الخطاب مع الفطرة:
الفطرة لغةً بمعنى الخِلقة والجِبِلّة والطّبيعة والطّينة والإبداع.
والمراد منها اصطلاحًا هو تلك الصّفات التي توجد مع الإنسان في ابتداء خلقه[1].
وقال ابن الأثير في تعريفها: “الفطر: الابتداء، والاختراع، والفطرة: الحالة منه
كالجِلسة والرِّكبة والمعنى أنّه يولد على نوعٍ من الجِبلّة والطَّبع المتهيّء
لقبول الدِّين”[2].
وبما أنَّ الإنسان لديه الفطرة، فمن المقطوع به أن تنسجم الخطابات الدِّينية مع
فطرته لأنّها جاءت أساسًا من أجل رشده وهدايته؛ وبعبارةٍ أخرى، فإنَّ من جملة
الأهداف الهامّة للخطاب الدِّيني هو توجيه وتنمية الاستعدادات والخصائص الإنسانيّة،
ولا يمكن أن يتمَّ هذا الأمر إذا لم ينسجم الخطاب مع الاستعداد والقابلية عند
الإنسان، وبناءً على ذلك لا بدّ للمبلِّغ ابتداءًا، أن يكون لديه معرفة تامّة بشروط
وأنحاء نموّ الإنسان ورشده المعنوي ليتمكّن بعد ذلك وطبقًا لتلك المعرفة من تقديم
الخطاب المناسب، وحينئذٍ سوف يكون مثل هذا الخطاب مؤثِّرًا ومفيدًا، وكما هو الحال
في البيانات القرآنيّة الصّادرة من الله تعالى بلحاظ الفطرة الإنسانيّة.
آثار الانسجام:
أيها المربّي العزيز: أوَ ليس صحيحًا أنَّ الإنسان يحتاج إلى الدِّين في
كلّ زمان؟ أوَ ليس صحيحاً أنَّ الله خلق العقل وأودع الفطرة في الإنسان من أجل رفع
مشاكله وتأمين ما يحتاجه، وأنَّ تكميل دور العقل سيمهِّد لعامل تكامل وفعلية ذخائر
العقل الذاتي، نعم إنَّ فطرة الإنسان سوف تنمو وتتمّ في ظلِّ أنوار الشّريعة
والدِّين الإلهي.
وممَّا يجدر ذكره، والإشارة إليه في هذا المقام، أنَّ للإنسان نوعين من الهداية:
الهداية التكوينيّة المتشكّلة عن طريق الفطرة، والهداية التشريعيّة الحاصلة بتوسِّط
الأنبياء والرّسالات، والتي جاءوا بها من أجل سعادته.
ولا بدّ لهاتين الهدايتين أن تنسجما معًا بشكل كامل، وفي الواقع فإنَّ بذور خطاب
الشّريعة إذا بُذرت في أرض الفطرة المستعدّة فإنَّ شجرة الوجود الإنساني - في ظلِّ
هاتين الهدايتين- تنمو وتثمر وسيكون الإنسان كشجرةٍ طيّبةٍ أصلها ثابتٌ وجذورها
ثابتة في أرض الإيمان وفروعها مرتفعة في سماء السّعادة[3].
طريق الانسجام:
من الأمور الهامّة التي تؤمّن حصول الانسجام بين الخطاب الدِّيني
والفطرة، هو أن يتمكّن الدِّين وخطابه بنحوٍ ما، من تأمين ما يريده الإنسان
ويحتاجه، بحيث لا يمكن لأيِّ شيءٍ آخر- عدا الدِّين- أن يؤمِّن هذه الحاجات.
وبعبارةٍ أخرى، فإنَّ للإنسان مجموعة من الحاجات نابعة من ميوله الوجوديّة[4]
المقدّسة والرّاقية، كالبحث عن الحقيقة، وطلب الكمال والإبداع والعبادة و... ولا
يمكن لغير الدِّين ورسالته تغطية كافّة هذه الاحتياجات الإنسانية، لأنَّ البشر
باللِّحاظ الشّخصي والاجتماعي بحاجة إلى أمور وبرامج تربطهم بالأبدية والعالم الآخر
وتهديهم إلى عبادة الله تعالى، ومن ثمّ فإنَّ الإنسان يبحث عن الكمال ويطلبه،
وبالتّالي فإنَّ الدِّين ورسالته المنبعثة عنه يمتلكان الأجوبة الكافية لكلّ هذه
الأمور، وعليه إذا سار الخطاب الدِّيني في هذا الاتجاه، وأخذ هذا المنحى، وأوضح ذلك
بالتّناسب مع السّبل الممكنة فإنَّه سيمهِّد أرضيّة الانسجام بينه وبين الفطرة
الإنسانية.
[1] لغت نامه دهخدا. (قاموس دهخدا).
[2] النهاية في غريب الحديث، ج3، ص475.
[3] {ضرب الله مثلًا كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء}(سورة
إبراهيم، الآية 24).
[4] انظر، مجموعه آثار شهيد مطهرى، ج3، ص487. (موسوعة آثار الشهيد مطهري).