الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) بمناسبة عيد المبعث النبويّ الشريف
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) بمناسبة عيد المبعث النبويّ الشريف، بتاريخ 01/03/2022م

النظام الأمريكيّ مافياويّ ويرتزق من الأزمات حول العالم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

البعثة أعظم هديّة من الله للرّسول (ص) والبشريّة
أبارك بالعيد السعيد والعظيم جداً، مبعث الرسول الأكرم (ص)، للأمة الإسلامية العظيمة كافة، ولشعب إيران العزيز، ولأحرار العالم كلهم. يوم المبعث هو اليوم والليلة، الذي أُعطيت وأهديت فيه أعظم هدية في عالم الوجود، وتمّ التعبير عنها في دعاء ليلة المبعث بـ«التجلّي الأعظم»[1]، أي نبي الإسلام المكرّم (ص)، أفضلِ عبدٍ لله.

تعزيز العقلانيّة وتنمية الأخلاق من أبرز العناصر القِيَميّة للإسلام
طبعاً بعثة الرسول المكرّم (ص) هدية للبشرية جمعاء أيضاً. إذا أخذنا بالاعتبار قيمتين اثنتين من بين قيم الإسلام الوفيرة - سلسلة القيم الإسلامية مجموعة واسعة جداً من القيم الإسلامية - وهما عنصر «تعزيز العقلانية» وعنصر «تنمية الأخلاق»، إذ إنهما بارزتان بين هذه القيم، وإذا أخذنا بالاعتبار ما أكده الإسلام تجاه هذين العنصرين، فإننا سنتيقّن أن الإسلام قد أعطى البشرية أسمى هدية ووسيلة للسعادة.

إنّ الإسلام يدعو إلى العقلانية وتعزيزها، وهذا أمر مهم جداً. يوجد في القرآن عشرات المواضع، وإذا عمل شخص على عدّها، فقد يكون هناك نحو مئة موضع دعا فيها الله المتعالي المخاطبين والناس إلى التفكّر والتعقّل بتعابير مختلفة: بتعبير «تعقلون»، بتعبير «تتفكرون»، بتعبير «أولي الألباب»، بتعبير «يتدبرون».

في ما يتعلق بتنمية المفاهيم الأخلاقية والتربية الأخلاقية، يكفي أنه ذكَرَ الأخلاق والتزكية في مواضع عدة من القرآن على رأس أهداف البعثة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}[2]. التزكية أولاً. وكذلك في آيات أخرى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ}[3]. توجد مواضع أخرى في القرآن تحدد الهدف من البعثة أنه «التزكية». التزكية في مقدم أهداف [البعثة]. لذلك أعطى الإسلام هاتين القيمتين الساميتين والفريدتين للإنسانية وحرص عليهما، كما دعا المؤمنين ثم جميع البشر إلى التعقّل والتفكّر والتزكية ونحو ذلك، وهذه أعظم هدية يمكن أن يُعطيها الإسلام للبشرية، وقد أعطاها.

حسناً، أود أن أتحدث بإيجاز عن بعض النقاط في موضوع البعثة، وبعد ذلك سأتحدث في نقطة حول القضايا الجارية اليوم.

نتائج البعثة ودروسها إنجازُ الأعمال المستحيلة
نقطةٌ بشأن موضوع البعثة هي أن بعثة رسول الإسلام الأكرم (ص) قد أنجزت شيئاً كان يبدو مستحيلاً، وغير ممكن. ماذا كان ذلك؟ لقد شكّلت من أهالي جزيرة العرب في زمن الجاهلية، التي سأصف الآن خصائصها، أمةً ذات فضيلة مثل الأمة الإسلامية في زمن النبي (ص) نفسه. مثل هذا الشيء كان يبدو مستحيلاً بالنظرة العرفية والعادية. كان لأهالي الجزيرة العربية في زمن الجاهلية، قبل بعثة النبي (ص)، خصائص ذُكِرَ بعضها في نهج البلاغة، وبعضها في التاريخ: أناس ضالّون، تائهون، بلا هدف، جاهلون بشدة، مصابون بالفتن الكبيرة، الفتن الناجمة عن العصبيّات والجهالات الكبيرة... وفي الوقت نفسه مع كل هذه الصفات التي ذكرناها - فقدان العلم، فقدان المعرفة، الافتقار إلى أقل الأخلاق، الافتقار إلى الهدف – هم متكبّرون بشدة، عنيفون بشدة، لا يتقبّلون الحق، لجوجون. كانت هذه خصائص أهالي الجزيرة العربية. وكان في أهالي مكة وسائر المناطق في ذلك الحين، من شيوخهم وأصغرهم ورؤسائهم ومرؤوسيهم، هذه الخصائص. جاء النبي الأكرم (ص) من هؤلاء الناس أنفسهم، وصنع في مدة قصيرة – سوف أتحدث عنها الآن - أمة موحّدة وذات فضيلة ومتسامحة ومُضحيّة وتملك أسمى الخُلقيّات. انظروا إلى المسلمين في زمن النبي (ص) سواء عندما كانوا ينحصرون في المدينة أو عندما انتشروا في مكة والطائف وبعض الأماكن الأخرى. لقد حوّل [النبي] أولئك الأشخاص أنفسهم إلى أشخاص كهؤلاء. كان هذا يبدو غير ممكن. لم يكن من الممكن بأي حساب أن يتحوّل في مدة قصيرة مثل أولئك الناس إلى مثل هذه المجموعات. ثم في أقل من عشرين عاماً اكتسبوا صيتاً عالمياً. لم يكن قد مرّ عشرون عاماً على اعتناقهم الإسلام حتى اكتسب هؤلاء الناس أنفسهم الذين كانوا بتلك الخصوصيات الأخلاقية شهرة عالمية، واستطاعوا نشر فكرهم ومعرفتهم وعظمتهم في شرقهم وغربهم، وبتعابير اليوم: من ناحية الأجهزة ومن ناحية البرامج أيضاً. هذا ما فعله الإسلام، وكان ذلك العمل غير ممكن حقاً. كان يبدو غير ممكن لكن الإسلام حقق ذلك. البعثة حققت ذلك.

حسناً، هذه واقعة حدثت في التاريخ، لكن يمكن أن نستفيد من هذه الواقعة اليوم؛ بمعنى أنها بشارة للمسلمين جميعهم عبر التاريخ أنه في أي وقت استقرّت إرادة الناس على خط الإرادة الإلهية وصارت تابعة لهذه الإرادة، يمكن للبشر أن يفعلوا أعمالاً تبدو غير ممكنة، ويمكنهم الوصول إلى أهداف بالنظرة المتعارفة ووفق الحسابات هي بعيدة عن متناول الإنسان. الأمر هكذا دائماً. هذه التجربة النبوية قابلة للتكرار على مرّ التاريخ. إذا استقر البشر في ذلك الخط، يمكنهم الوصول إلى أهداف سامية كانت تبدو غير ممكنة بالنظرة وبالحسابات العادية.

إظهار تجربة التحرّك في خطّ البعثة
طبعاً، لقد حدثت هذه التجربة - مع بعض الاختلافات طبعاً - لشعب إيران، والله تفضّلَ وأعطى شعبَ إيران هذه التجربة، وأظهر الله المتعالي نجاح هذه التجربة لشعب إيران، وكان ذلك القضاءَ على النظام المَلَكِيّ في هذا البلد، إذْ كان للملكية المطلقة والنظام المَلَكِيّ الظالم والجائر والمستند إلى القوة المادية ولم يشم رائحة المعنوية جذور تاريخية طويلة جداً. هنا حدثت تلك الواقعة في البلاد، عندما كان سند هذا النظام الملكي في البلاد أمريكا أيضاً والقوى العظمى في العالم. لقد دعمت كل من أمريكا وبريطانيا وفي وقت متأخر أيضاً الاتحادُ السوفييتي السابق حكومةَ بهلوي، لكن الشعب الإيراني استطاع أن يقتلع جذور هذه الحكومة، الأمر الذي كان يبدو غير ممكن – كان يبدو غير ممكن حقاً – ويحقق ذلك ببركة القيادة المخلصة للإمام [الخميني] (رض). وبهمّة الناس العالية وتضحياتهم، تحقق هذا العمل. طبعاً، نحن كنا في الميدان، وعلى اطلاع. في ذلك اليوم، لو قيل لأي واحد منا إن مثل هذا الحدث يمكن أن يحدث، فلم يكن أمراً قابلاً للتصديق جداً لنا، لكنه تحقق. وهذه الثورة أخرجت الشعب من الخمول وحرّكته ونشطته، ولم تظهر هذه الثورة عظمتها للعالم فقط، بل أيضاً جعلت الشعب الإيراني عظيماً، وجعلت إيران الإسلامية في نظر العالم عظيمة أيضاً. هذه النقطة الأولى: إننا إذا تحركنا في خط البعثة، فسنجعل المستحيل ممكناً وسنكون قادرين على الوصول إلى الأهداف التي تبدو غير قابلة لذلك.

تشكيل الحكومة ذروة النّهضة النّبويّة
النقطة الأخرى في قضية بعثة خاتم الأنبياء (ص) أنها خلافاً لرأي مَن يُعرّفون الدين أنه منفصل عن السياسة، إذْ يفصلون الدين عن الحياة والسياسة والحكومة تماماً - هناك فئات مختلفة تعمل في هذا المجال أيضاً، وكانت موجودة في السابق أيضاً وأُحبطت هذه المحاولة بالحركة الثورية، ولكن يرى المرء أن بعض الأشخاص قد بدؤوا الهمس بهذا مرة أخرى عبر الكتابة والقول وما شابه-، كانت ذروة النهضة النبوية هي تشكيل الحكومة التي أنشأ النبي (ص) بنفسه مقدّماتها وهيّأ أرضيتها. تحدّث الرسول الأكرم (ص) مع وجهاء المدينة الذين كانوا قد سمعوا بصيت الإسلام وجاؤوا ليروا ماهية القضية، وتعاهد واتفق معهم، ووجهاء يثرب -طبعاً لم يكن في ذلك اليوم اسمها المدينة [المنورة] بعد بل كانت يثرب- مهّدوا الأرضية، ثم بدأ النبي الأكرم (ص) هجرته بتلك الطريقة العجيبة، ثم بدأت هجرة المسلمين، وجاء المهاجرون تدريجياً. قبل الهجرة أرسل النبي (ص) مصعب بن عمير مندوباً إلى هناك ليذهب ويتلو آيات القرآن على الناس. لقد وفّر هذه المقدمات، ثم هاجر (ص) إلى يثرب وأنشأ الحكومة الإسلامية هناك. كانت هذه نقطة الذروة لنهضة النبي (ص). ولم يكتفِ بهذا، أي أن يشكّل الآن حكومة الناس وإدارتهم فقط. لا! لقد بدأ مواجهة الأعداء على الأصعدة كافة، لأن الأعداء لم يكونوا ليتركوا المسلمين وشأنهم. فشكلّ جيشاً وجهّز معدات الحرب وهاجم الأعداء، وفي بعض الحالات دافع، وفي بعض الحالات هاجم. كِلا النوعين موجود. إنّ بعض الأشخاص الآن يقولون إنّ حروب الرسول (ص) دفاعية بحت. كلا! بعضها كانت دفاعية وبعضها هجومية. كانت الظروف مختلفة. ثم فتح معسكر الشرك، إذْ كان معسكر الشرك في مكة. فتحها وصار بيت الله في تصرّف الإسلام والمسلمين. لقد أرسى الحكومة الإسلامية. هذا هو الجزء الأكثر حماسة في النهضة الإسلامية. كيف يريد أولئك الأشخاص الذين يعملون على هذه المحاولة أن يفصلوا الإسلام والدين عن الحكومة؟

مواجهة النّبيّ (ص) للجاهليّة
النقطة التالية في البعثة أن من أهم شعارات الرسول الأكرم (ص) وتوجيهاته في البعثة مواجهة الجاهلية. لقد قُبّحت الجاهلية في القرآن مراراً. إن تعبير الجاهلية - سأشرح الآن ما المقصود به - قد قُبّح في القرآن مراراً. في سورة المائدة: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}[4]، في سورة الأحزاب: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[5]، في سورة «إنا فتحنا»: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}[6]، ولقد قُبّحت الجاهلية في بعض المواضع الأخرى من القرآن أيضاً، لكن لدي الآن هذه الآيات الثلاث في ذهني، ودوّنتها هنا.

ما هذه الجاهلية؟ المراد منها ليس مجرد الأمية والجهل. طبعاً الأمية ضمنها لكن هذه الجاهلية لها معنى أوسع. فالخُلقيات الدنيئة ضمن هذه الجاهلية، ولقد أشرتُ إلى بعضها سابقاً. تصرفات الناس الوحشية: قتلهم البشر، سرقتهم، اعتداؤهم، استباحتهم الحق، استقواؤهم على الضعيف... كلها كانت رائجة بين أهالي الجزيرة العربية، وهذه كلها ضمن تلك الجاهلية نفسها. [أيضاً] الابتذال الجنسي، والهرج والمرج الجنسي، والابتذال الأخلاقي، وانعدام الحياء بين الناس. هذه الأمور كانت موجودة، وضمن تلك الجاهلية. لقد واجهت البعثة هذه الأمور كلها، أي جاهليةَ {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} التي كانت تخاطب أزواج النبي (ص) في سورة الأحزاب هي شيء من هذا القبيل.

الجهل والأمية والجهالة وأيضاً سوء الخلق والظلم والتمييز والاستقواء على الضعيف، وأيضاً الابتذال الجنسي والإباحية، والهرج والمرج الأخلاقي... كلها ضمن الجاهلية. حسناً، إنّ النبي (ص) حارب الجاهلية.

رواج أنواع الرّذائل الأخلاقيّة في الجاهليّة الغربيّة الحديثة واصطناع منطق لها
النقطة المهمة الآن هي أن كثيراً من تلك الرذائل الأخلاقية نفسها التي كانت سائدة في مكة في ذلك الوقت وشائعة في شبه الجزيرة العربية، وقد واجهها النبي (ص)، يوجد اليوم كثير منها، أي من تلك الرذائل الأخلاقية نفسها، وبصورة منظمة وبشدّة أكبر وعلى نطاق أوسع بكثير في ما يسمى العالم الغربي المتحضّر. توجَد تلك الرذائل الأخلاقية نفسها تماماً بمقياس أكبر اليوم وبأقصى شدة.

فالحياة في الحضارة الغربية اليوم تقوم على أساس الطمع والحرص، وعلى أساس الجشع. أصلاً أساس الحياة في الحضارة الغربية اليوم هو الحرص والطمع. واليوم أساس كل القيم الغربية هو المال، فكل شيء يقاس بالمال. الأخلاقيات والروحانيات وكل شيء يقاس بالمال! هذه هي المعايير. السياسة الرائجة والسلطات الحاكمة كلها في خدمة التمييز وتسمين الشركات و«الكارتِلات». هذه هي الحال اليوم على هذا النحو.

العلم والتكنولوجيا [يُستغلان] في خدمة قتل الناس. تارة يُستخدم العلم، على سبيل المثال، من أجل لقاح أو دواء ينقذ عدداً من الناس لكن يستخدمون هذا العلم لصنع أسلحة دمار شامل، أسلحة كيميائية وأسلحة نووية، فتقضي على الناس بمئات المرات من ذلك العدد وتفتك بهم. هذا حدث في العالم ويحدث الآن أيضاً. [كذلك] نهب الدول الضعيفة الابتذال الأخلاقي... الابتذال الأخلاقي والهرج والمرج الأخلاقي موجودة بشدة. قضية المثلية الجنسية وما في حكمها - هي مخزية حقاً، ويخجل المرء من تكرارها وقولها - والهرج والمرج الجنسي الفظيع! هذه الأمور موجودة في العالم اليوم. إنها تلك الأشياء نفسها التي كانت في ذلك اليوم، وهي عينها موجودة اليوم أيضاً. لكن في ذلك اليوم كانت محدودة، وهي اليوم على نحو واسع ومنظم. وخلف كثير من هذا الفساد والمفاسد أُنشئ منطق مصطنع، أي أنشؤوا لها مرتكزات منطقية وفكرية، وينشؤون لها أسساً فكرية ويقدمونها إلى البشرية.

إذن، هذه الجاهلية موجودة اليوم. ولذلك إذا وصف أحدٌ الحضارة الغربية اليوم بـ«الجاهلية الحديثة» - فعلاً وصفوها وكثيرون قالوا «الجاهلية الحديثة»- فإنه محقٌّ. فالجاهلية هي تلك الجاهلية نفسها حقاً لكنها اليوم تُظهر نفسها في العالم بشكل مُجَدَّد ومُحَدَّث.

واجباتنا مقابل الجاهليّة الحديثة
إذن، ماذا يجب أن نفعل؟ يجب أن نراجع دروس البعثة. والعمل نفسه الذي أدّاه النبي الأكرم (ص) في مواجهة تلك الجاهلية هو على عاتقنا اليوم. لا بدّ أن نفعل تلك الأعمال في مواجهة هذه الجاهلية؛ هذا واجبنا.
[منها] في الدرجة الأولى تقوية الإيمان. أحد الأعمال المهمّة لنا ولكل البشر الحريصين حول العالم تقوية الإيمان الديني، وتعزيز الجماعات المؤمنة والمقاومة في أنحاء العالم كافة. فليعمل الذين لديهم دوافع دينية وإيمان وأهل المقاومة وليبذلوا الجهد؛ ينبغي تعزيز هذه [الأمور].
و[تعزيز] قوة النظام الإسلامي ومتانته. الآن - بحمد الله - تم تشكيل نظام في جمهورية إيران الإسلامية براية الإسلام وتحت رايته. فلنعمل على تقوية هذا واستحكامه، ولنجعل أسسه أكثر إحكاماً قدر الإمكان، ولنوسْع ثماره وآثاره قدر الإمكان. 
وكذلك البرامج الحكيمة. هذا الميدان ليس من تلك الميادين التي يخفض فيها الإنسان رأسه ويهاجم. فالتخطيط مطلوب والدراسة مطلوبة، ولا بدّ من إعداد برامج حكيمة ومن مواجهة هذه القضيّة بالحكمة. ينبغي أن يقوم هذا البرنامج على معرفة واسعة بخصائص هذه الجاهلية. إذا كنا لا نعرف سمات هذه الجاهلية بصورة صحيحة، فلا تمكننا مواجهتها ولا محاربتها.

جاذبيّة أنموذج الثّورة الإسلاميّة لشعوب العالم
بالطبع، لا يمكننا ادعاء أننا حققنا أهدافنا وغاياتنا في هذه الأعمال العظيمة. لا! نحن في منتصف الطريق في هذه الخطوات الكبيرة كلها. ليس هناك شك في ذلك. طبعاً [هناك] أعمال قد أُنجزت وأحرزنا تقدماً - بحمد لله - لكن في هذا كله لا نزال في منتصف الطريق، وما زلنا بعيدين جداً عن الوصول إلى الهدف. مع ذلك، ورغم أننا في منتصف الطريق وأمامنا مسافة كبيرة إلى الهدف، فإن أنموذج الثورة الإسلامية وأنموذج الجمهورية الإسلامية أنموذج جذاب لشعوب العالم، أو لمسلمي العالم على الأقل.
التفتوا! ترون أنه على بعد آلاف الكيلومترات من طهران وفي بلد آخر[7]، تحدث إهانة لصورة شهيدنا العزيز الشهيد سليماني، فيُظهر الناس رد فعلهم، وتُجبر الشرطة التي فعلت بنفسها هذه الإهانة على الاعتذار ومراعاة الشعب، ثم تثبّت مجدداً تلك الصورة في مناطق من المدينة، على سبيل المثال. هذا نموذج، وهو جذاب ويشير إلى أن هذا النموذج لديه قدرة جذب عالية. هذا العمل، وهو لا يزال في منتصفه، جذاب أيضاً. إذا تمكنّا من الاستمرار في هذا الطريق بأسلوب مناسب، وإذا تمكنّا من المضي قدماً بإتقان، فسيكون هناك أنموذج فعّال وجذاب للغاية في العالم، وستتوجّه الشعوب نحوه بصورة طبيعية.

نظام أمريكا الصّانع للأزمات؛ مثالٌ كامل على الجاهليّة الحديثة
نحن نواجه مثل هذه الجاهلية. بالطبع هذه الجاهلية الحديثة ليست نفسها في كل مكان في العالم. في اعتقادي أمريكا هي المثال الواضح والكامل على الجاهلية الحديثة. إن هذه الجاهلية هناك أكثر شدّة وهولاً من أي مكان آخر في العالم. الأمر كذلك بالمعنى الحقيقي للكلمة. أمريكا نظام يروّج للأخلاقيات السيئة داخله، والتمييز يتزايد يوماً بعد يوم، كما تتجه الثروة الوطنية بصورة متزايدة نحو الأغنياء والأثرياء. في دولة غنية مثل أمريكا، يموت بعض الناس في الشوارع عندما تزداد البرودة، وعند ارتفاع الحر يموت آخرون في الشوارع [أيضاً]. لماذا؟ ماذا يعني هذا؟ أمريكا اليوم هي مظهر الجاهلية الحديثة، ومظهرٌ للتمييز والظلم وصنع الأزمات في العالم. في الأساس النظامُ الأمريكي صانعٌ للأزمات ويعيش عليها ويرتزق من الأزمات المختلفة حول العالم و[هناك] وجود لمثل هذا الأمر.

مافيا السلطة هي من تضع سياسات أمريكا وتتحكّم فيها
إن شبكات مافيا السلطة داخل أمريكا ترتزق وتستفيد من الأزمات التي تحدث حول العالم. في الأساس أمريكا نظام مافياوي. نظام مافياوي... المافيا السياسية والمافيا الاقتصادية ومافيا صناعة السلاح، كل أنواع المافيات التي تتحكم في سياسات هذا البلد وتسيطر عليها. في الحقيقة إن البلد تحت تصرّفهم. يأتون بأشخاص إلى السلطة من وراء الحكومات، ويزيحون أشخاصاً ويأتون بالرؤساء إلى السلطة، ثم تحتاج هذه المجموعة المافياوية وهذا النظام المافياوي إلى إيجاد أزمات في أماكن حول العالم، ولذا يصنعون بؤر الأزمات. ترون كم صنعوا الأزمات في منطقة غرب آسيا! لقد احتاجوا إلى إيجاد كائن مثل «داعش»، فكان كلباً من نتاج تربيتهم، إذْ صوّر علناً وبشكل صريح وواضح قطع رؤوس الأشخاص، أو حرقهم أحياء، أو إغراقهم في الماء، وعَرَض الفيلم على العالم. أمريكا هي من أوجدته، وهم أنفسهم اعترفوا بذلك. قالوا بألسنتهم إنهم من أوجدوه؛ إنهم يصنعون الأزمات. إذا لم يتمكنوا من افتعال الأزمة، فلا يمكن تحقيق الاستفادة القصوى من مصانع الأسلحة، فعليهم صناعة الأزمات في العالم من أجل تعظيم مصالح هذه المافيات!

أوكرانيا ضحيّة لسياسة صناعة الأزمات الأمريكيّة
في اعتقادي أوكرانيا اليوم ضحيّة لهذه السياسة أيضاً. اليوم ترتبط قضايا أوكرانيا بالسياسة الأمريكية نفسها. لقد أوصلت أمريكا أوكرانيا إلى هذه النقطة. إن التدخل في الشؤون الداخلية لذلك البلد، وإقامة التجمعات ضد الحكومات، وخلق حركة مخملية، وصناعة انقلاب ملون، ومشاركة أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في التجمعات المعارضة، وإزاحة هذه الحكومة وإبقاء تلك، كله سينتهي بالتأكيد إلى هذه الأوضاع.

الجمهوريّة الإسلاميّة تعارض الحرب والتّخريب
نحن نعارض الحرب والتدمير في أيّ مكان من العالم. هذا موقفنا الثابت. نحن لا نؤيّد قتل النّاس وتدمير البنى التحتيّة للشعوب، أين ما حدث ذلك في العالم. هذا موقفنا الثابت. لسنا مثل الغربيّين. هم لو ألقوا قنبلة على قافلة زفاف في أفغانستان، وحوّلوا عُرسهم إلى عزاء، فإنّ هذا مكافحة للإرهاب وليس جريمة! إذن، هكذا هو منطقهم. في أفغانستان والعراق... ما الذي تفعله أمريكا في شرق سوريا؟ لماذا يسرقون نفط سوريا؟ لماذا يسرقون أموال أفغانستان؟ لماذا يغصبون الثّروة الوطنيّة لأفغانستان؟ لماذا يدافعون في غربي آسيا عن جرائم الصهاينة التي تُرتكب في الليل والنّهار؟ إنها صناعة للأزمات. هذه هي ممارساتهم ويفعلونها جميعها تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان وأمثال هذه الأمور!
نحن لسنا مثلهم، إذ لو وقع أمرٌ في النقطة التي نريدها نطلق الأحكام بطريقة، وإن وقع في مكان آخر، نحكُمُ بأسلوب مغاير. الشعب اليمنيّ يرزح تحت وطأة القصف منذ ثمانية أعوام ولا يدين الغربيّون ذلك، بل يدعمونه أيضاً، يدعمون لسانيّاً ودعائيّاً وإعلاميّاً، ويقدّمون الدّعم العمليّ أيضاً. هكذا هم هؤلاء. نحن طبعاً نؤيّد وقف الحرب في أوكرانيا، ونريد أن تنتهي الحرب هناك، لكن علاج أيّ أزمة يكون متاحاً حصراً عندما يجري التعرّف إلى جذورها، وجذور أزمة أوكرانيا هي سياسات أمريكا والغربيّين، فهذه جذور الأزمة، ولا بدّ من معرفة هذه الجذور والحُكم بناء عليها، وإذا كنّا من أهل المبادرة، نبادر إلى ذلك.

العِبر من الحرب في أوكرانيا
1. تجنّب الثقة بأمريكا والدّول الغربيّة

حسناً، الآن بعد الحديث عن أوكرانيا، هناك أيضاً بعض العِبر في قضيّة أوكرانيا التي يشاهدها الإنسان، وقد ذُكر بعض هذه العِبر في كلام المتحدثين والكتّاب. سأذكر اثنين من هذه العِبر. الأولى أن مساندة القوى الغربية الدولَ والحكومات التي صنعتها هي سراب ولا حقيقة لها. فليعلم الجميع ذلك. فلتنظر تلك الحكومات التي تسند ظهرها بأمريكا وأوروبا إلى هذا الأمر: اليوم أوكرانيا، وفي الأمس أفغانستان. قال كل من الرئيس الأوكراني قبل بضعة أيام، والرئيس الأفغاني الهارب قبل مدّة: إننا وثقنا بأمريكا والحكومات الغربية [لكن] هؤلاء تركونا وحدنا. لا يمكن الوثوق بهم. هذه هي العِبرة الأولى. الآن، الجمهورية الإسلامية قد ذاع صيت استقلالها وعزّتها في أنحاء العالم كافة، ولكن أولئك الذين يعتمدون على أمريكا يجب أن يتعلموا من هذا الدرس ويفهموه.

2. النّاس أهمّ سند للحكومات
أما العبرة الثانية، فهي أن الناس أهم سند للحكومات. فلو دخل الناس الميدان في أوكرانيا، ما كان وضع الحكومة الأوكرانية والشعب الأوكراني على هذا النحو. لم يدخل الناس الميدان لأنهم كانوا غير مؤيدين للحكومة، تماماً مثلما غزت أمريكا العراق في عهد صدام، حين لم يدافع الشعب ووقف جانباً، فهيمنت أمريكا. ولكن في هذا العراق نفسه عندما هاجم «داعش» دخل الناس الميدان وتمكنوا من صد «داعش» الذي كان يشكل خطراً كبيراً، فالناس هم العامل الرئيسي في استقلال الدول. نحن قد جرّبنا ذلك. دخل الناس الميدان أثناء مرحلة «الدفاع المقدس»، ورغم أن القوى كلها دعمت صدام وساعدته، فإن الجمهورية الإسلامية استطاعت بمساعدة الشعب تحقيق النصر وهزيمة العدو. لذلك هذا درس آخر أيضاً. نأمل أن نفتح أعيننا جميعاً وآذاننا، ونفكّر ونتفكّر بطريقة صحيحة، ونتصرف كذلك، ونكون قادرين على الاستفادة من هذه العِبر الكبيرة.

نسأل الله أن يرفع درجات إمامنا [الخميني] العظيم الذي علّمنا هذه الدروس والذي وضعنا على هذا الطريق، ونسأل الله أن يحشر الأرواح الطاهرة للشهداء مع الروح الطاهرة للنبي (ص) -إن شاء الله- إذ إنّهم رفعوا رأسَنا في هذه الدنيا. مبارك لكم مرّة أخرى، وسلام على بقية الله (أرواحنا فداه).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] الشيخ الكفعمي، البلد الأمين والدرع الحصين‏، ص183 (أعمال شهر رجب).
[2] سورة الجمعة، الآية 2.
[3] سورة آل عمران، الآية 164.
[4] سورة المائدة، الآية 50.
[5] سورة الأحزاب، الآية 33.
[6] سورة الفتح، الآية 26.
[7] عقب إضرام ضابط هندي النار في صورة الشهيد سليماني في منطقة مغام، رد أهالي كشمير بشدة على الحادث بالتظاهر وإغلاق المحلات التجارية، فانتهت باعتذار الضابط الهندي ونشر صور للشهيد سليماني وقائد الثورة الإسلاميّة.

10-03-2022 | 10-27 د | 485 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net