الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1540 06 جمادى الأولى 1444 هـ - الموافق 01 كانون الأول2022م

الكلامُ أحسنُ الأشياءِ وأقبحُها‏

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

أحسنُ شيء وأقبحُه
سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام): أيُّ شيءٍ ممّا خلق الله أحسن؟ فقال (عليه السلام): «الكلام»، فقيل: أيُّ شيءٍ ممّا خلق الله أقبح؟ قال: الكلام، ثمّ قال: «بالكلام ابيضّت الوجوه، وبالكلام اسودّت الوجوه»[1].

إنّ من الكلام ما هو طيّب حسن، تهتدي به العقول، وتلين به القلوب، وتُطيَّب به الخواطر، ويُنصَر به المظلوم، ويبَيَّن به الحقّ... وإنّ من الكلام أيضاً ما هو سيّئ قبيح، يُزلزَل به الإيمان، وتنحرف به القلوب، وتُكسَر به الخواطر، ويُنصَر به الظالم، وتُزرع به الفِتَن، وتُخلق به العداوة...

لذا، كانت إجابة أمير المؤمنين (عليه السلام) واحدةً لسؤالين متضادّين، ولكن بلحاظين مختلفين؛ فبالكلمة قد يُكتَب للمرء رضوان الله يوم القيامة، وبها قد يُكتَب له سخطه تعالى.

الكلام مرآة النفس
والكلام مرآة القلوب، يكشف واقع النفس ويحكي عنها، فيعكس أحسن ما فيها وأقبحه؛ فهو تعبير عمّا يجول في العقل ويخطر في الفكر، من صدقٍ أو كذب، من حقّ أو باطل، من هدايةٍ أو ضلال... عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مُغْرِسُ الكلام القلب، ومستودعه الفكر، ومقوّمه العقل، ومبديه اللسان، وجسمه الحروف، وحليته الإعراب، ونظامه الصواب»[2]، وعنه (عليه السلام): «صورة الرجل في منطقه»[3]؛ فإنّ الرجل يُعرف من كلامه، الدالّ على مقدار عقله ومعرفته؛ فإذا تكلّم بان جوهره، وظهرَت صورته، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِه»[4].

بين الكلام والسكوت
لذا، ينبغي على المرء أن يزن كلامه، ويعرضه على العقل، فإن كان لله تكلّم به، وإن كان غير ذلك فالسكوت خير منه؛ فإنّ للكلام تأثيراً لا يقلّ عن العمل، بل قد يفوقه في كثير من المواضع. من أجل ذلك، ينبغي أن نعلم أنّ للكلام فضلاً يجب أن يُقدّم فيه على السكوت في مواضع، وأنّ للسكوت فضلاً يجب أن يُقدّم فيه على الكلام في مواضع، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) لمّا سُئل عن الكلام والسكوت، أيّهما أفضل؟ قال: «لكلّ واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل»، قيل: وكيف ذلك يابن رسول الله؟! قال: «لأنّ الله عزَّ وجلَّ ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنّما يبعثهم بالكلام. ولا استُحِقَّت الجنّة بالسكوت، ولا استُوجِبَت ولاية الله بالسكوت، ولا تُوقِّيَت النار بالسكوت، ولا نُجَنَّب سخط الله بالسكوت، إنّما ذلك كلّه بالكلام»[5].

وفي تفضيل السكوت على الكلام، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «السكوت خيرٌ من إملاء الشرّ، وإملاء الخير خيرٌ من السكوت»[6].

خطر الكلام
إذاً، للكلام فضلٌ عظيم، وأثر كبير، وأيضاً هو خطر جسيم ومسؤوليّة عظيمة، إن تهاون المرء بما يصدر عنه ولم يبالِ بمضامين كلامه وما يختزنه في طيّاته، رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يُحشَر العبد يوم القيامة، وما نَدِيَ دماً، فيُدفَع إليه شبه المِحْجَمة أو فوق ذلك، فيُقال له: هذا سهمك من دم فلان! فيقول: يا ربِّ، إنّك لَتعلم أنّك قبضَتْني وما سفكتُ دماً! فيقول: بلى، سمعتَ من فلان رواية كذا وكذا، فرويتَها عليه، فنُقِلَتْ حتّى صارَت إلى فلانٍ الجبّار، فقتلَه عليها، وهذا سهمُك من دمه»[7] .

لذا، كان حقّاً على المرء أن يحرص على ما ينطق به لسانه، ويهتمّ بما يخرج من فمه، كاهتمامه بعمله، إن كان ممّن يرجو النجاة ورحمة الله؛ فإنّ كلامنا محفوظ في صحائف أعمالنا، يؤاخذنا به الله يوم القيامة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كلامك محفوظ عليك، مخلّد في صحيفتك؛ فاجعله في ما يزلفك»[8]، وعنه (عليه السلام): «من أيقن أنّه مؤاخذٌ بقوله، فَلْيَقْصر في المقال»[9].

الكلمة سلاحٌ فتّاك
إنّ شدّة تأثير الكلام تجعل منه سلاحاً فتّاكاً، لا يقلّ خطره على النفس من سهام الأعداء، ولا ينقص ضرره عن صولات الميادين، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «رُبّ قولٍ أنفذ من صَوْلِ»[10].

وما نراه اليوم في الوسائل الإعلاميّة كافّة من تشويهٍ للحقائق وتزييف للوقائع، ممّا يُوغِر الصدور ويشحَن النفوس، خير دليلٍ على فعاليّة الكلمة وخطرها، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «رُبّ كلامٍ أنفذ من سهام»[11].

فالكلمة قد تنهض بما لم تستطع له أسلحة الدمار، وهذا ما يعمل عليه العدوّ والاستكبار العالميّ اليوم في الحرب النفسيّة التي يشنّها على قيمنا وعقائدنا، وعلى أعرافنا تقاليدنا، وعلى قادتنا ورموزنا، وعلى سلاح القوّة الرادع للمعتدين في وسائل الإعلام والسياسة وغيرها.

لذا، علينا في المقابل أن نكون حريصين في مواجهة تلك الحملات، لا نأخذ ما يُلقى إلينا أخذ المسلّمات، ولا ننقل ما لا نثق بمصدره، وما يشكّل ضرراً على مجتمعنا وبيئتنا وأبنائنا، فإنّ بعض الناس، ومع تطوّر وسائل التواصل والإعلام، قد يكون أداةً للعدوّ في حربه النفسيّة والإعلاميّة ضدّنا، من حيث لا يشعر.

الحوراء زينب (عليها السلام) وكلمةُ حقٍّ عند سلطان جائر
في الختام، وفي أجواء الولادة المباركة للحوراء زينب (عليها السلام)، لا بدّ من الإشارة إلى بعض مواقفها البطوليّة، وخطابها البليغ، وكلامها الذي زلزلت به عرش الطاغوت.

بدايةً، في الكوفة، يقول حذيم الأسديّ عنها: لم أرَ والله خَفِرة قطّ أنطق منها، كأنّها تنطق وتفرغ عن لسان عليّ (عليه السلام)، وقد أشارت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت: «أَمَّا بَعْدُ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ والْغَدْرِ والْخَذْلِ! أَلَا فَلَا رَقَأَتِ العَبْرَةُ، ولَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ...»[12].

ثمّ في مجلس عبيد الله بن زياد، وقد قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

فأجابته بشجاعة أبيها، محتقرةً إيّاه: «الحمْدُ للهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله الله عليه وآله)، وَطَهَّرَنــــَا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً، وَإِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَـــاجِرُ، وَهُوَ غَيْـــرُنَا»[13].

وكذلك عندما خاطبها مستهزئاً: كيف رأيتِ صنعَ الله بأهل بيتك؟ فأجابته (عليها السلام) بكلمات الظفر والنصر: «ما رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلاً، هؤُلاَءَ قَوْمٌ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتَلُ، فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلَجُ يَومَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يابْنَ مَرْجَانَةَ»[14].

وكذا في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، وقد أظهر فرحته بإبادته لعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأخذ يهزّ أعطافه جذلانَ، يترنّم قائلاً:
لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُوا       جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ الأَسَـلْ

فلمّا سمعت العقيلة ذلك، ألقت خطبتها الشهيرة بفصاحة أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) مضمّنةً أعنف المواقف لذلك الطاغية، وكان ممّا قالته (عليها السلام):
«كِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُو ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا».

ومما قالته في توبيخه أيضاً: «وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي لأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ، لَكِنِ الْعُيُونُ عَبْرى، وَالصُّدَورُ حَرّى. أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ»[15].


[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص216.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص487.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص293.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص545، الحكمة 392.
[5] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص45.
[6] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص535.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص370.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص397.
[9] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص211.
[10] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص 545، الحكمة 394.
[11] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص382.
[12] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص29.
[13] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص115.
[14] ابن نما الحلّيّ، مثير الأحزان، ص71.
[15] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص135.

01-12-2022 | 12-41 د | 687 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net