الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1640 26 ربيع الثاني 1446 هـ - الموافق 30 تشرين الأول 2024 م

الصبر مدرسة الثبات

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في التعزية بشهادة رئيس المجلس التنفيذيّ لحزب الله في لبنانأهمّيّة الصبر في مواجهة المصائب والآفات والنوائبمراقباتالخطاب الثقافي التبليغي رقم (26): التكافل الاجتماعيالخطاب الثقافي التبليغي رقم (25): الإنصاف والمواساة الخطاب الثقافي التبليغي رقم (24): العمل بالتكليف أعظم القربات الخطاب الثقافي التبليغي رقم (23): الاستغفار يدفع البلاء الخطاب الثقافي التبليغي رقم (22): وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الخطاب الثقافي التبليغي رقم (21): يا مولانا يا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من أهالي مدينة قمّ
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من أهالي مدينة قمّ، بتاريخ 09/01/2023م.

بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أهلاً بكم. إنّه لأمر عذب ولطيف جدّاً أن ألتقي مجدّداً أهالي قمّ الأعزّاء. لا أنسى، أي دائماً ما يبقى حاضراً في بالي حضور أهالي قمّ الأعزّاء لسنوات مديدة في هذه الحسينيّة بذاك الشغف وبتلك الإثارة والمشاعر والبصيرة الثاقبة في مختلف المجالات. لقد حُرمنا هذا عامين أو ثلاثة. بحمد الله، نحن في خدمتكم مرة أخرى هذا العام.

يتكرّر إحياء ذكرى «انتفاضة 19 دي» 1978م كلّ عام. يجب فعل ذلك أيضاً، وينبغي أن يستمرّ، ولا بدّ لهذا الخطّ النورانيّ أن يستمرّ في المستقبل أيضاً. لماذا؟ لأنّ الحادثة كانت تحوّلاً عظيماً، ولم تكن عاديّة. إنّ الحفاظ على ذكرى الأحداث المفصليّة في التاريخ هو واجب الجميع. سأشير لاحقاً إلى هذا. في الأحداث التاريخيّة العظيمة هناك تجربة ثمينة أو تبيين لسنّة إلهيّة في الطبيعة. هذه كلّها تستحق الاهتمام والاستفادة التاريخيّة للشعوب؛ ولذلك ينبغي الحفاظ عليها حيّة.

لماذا نقول إنّ «19 دي» في قمّ حادثة مفصليّة وتاريخيّة؟ لأنها بداية وانطلاقة لجهاد عظيم. من هنا، انطلق جهاد عظيم في أنحاء البلاد كافة وكان هدفه إخراج إيران العزيزة من براثن الغرب. إيران التي سُحقت تحت أيادي وأقدام الثقافة الغربيّة العوجاء والخاطئة، وتحت الهيمنة السياسيّة والعسكريّة للغرب... الثورة تُخرجها وتجعلها مستقلّة، وتحيي الهويّة التاريخيّة لإيران. إنّ هذه الهويّة هي إيران الإسلاميّة. منذ بداية الإسلام حتى اليوم، أي شعب آخر تعرفونه خدم الإسلام بقدر الشعب الإيرانيّ في مجال العلوم المختلفة، والفلسفة والفقه والعلوم المختلفة؟ أرجو الرجوع إلى هذا الكتاب العزيز والمُغتنم للمرحوم الشهيد مطهّري الخدمات المتبادلة بين إيران والإسلام. هذه الهويّة الإسلاميّة لإيران كانت قد فُقدت، فإذا جاء شخص ما وسار في شوارع طهران -ليس في طهران فقط، بل في كثير من المدن الأخرى وحتى في بعض الأماكن من مشهدنا[1]- فلن يشعر أنّ هذا بلد إسلاميّ وأنّ هناك أناساً مسلمين يعيشون هنا. هذا ما فعلوه!

هذا الجهاد الذي بدأ -شعلته الأولى اندلعت في قمّ- كان من أجل إنقاذ إيران من ذلك الوضع، وإعادتها إلى هويتها الأصليّة والحقيقيّة والتاريخيّة، وهويتها التي تبعث على الفخر. بالطبع، ربّما لم يلتفت أولئك الذين كانوا في صلب الحادث في ذلك اليوم إلى أهمّيّة هذا العمل، [إنما] شعروا بتكليفهم -سأشير إليه الآن- فدخلوا وسط الميدان. ربما لم يلتفتوا إلى ذلك. على الأقل، لم يكن جميعهم ملتفتين إلى ما كانوا يفعلونه وكم كانت حركة عظيمة تلك التي يسطّرونها! هم لم يكونوا يعرفون ذلك، ولكن إذا أردنا الحديث عن القضايا والأحداث التاريخيّة، فلا بدّ أن نقرأها في سياق ماضيها ومستقبلها. ما سبب حادثة قمّ وماذا كانت تبعاتها؟ هذا يدلّ على أهمّيّة الحادثة وحجم هذه القضيّة ومدى عظمتها. حسناً، هذه حقيقة «19 دي» عام 1978م في قمّ.

إنّها حادثة عظيمة للغاية ولا بدّ من إبقائها حيّةً. ينبغي ألّا تُمحى هذه الحادثة من ذاكرة التاريخ أو التقليل من شأنها. بالطبع، إنّ استراتيجيّة تيار الباطل هي كتمان أيّام الله أو التقليل من شأن مثل هذه الأحداث. استراتيجيّة تيّار الباطل أن يمنع مثل هذه الأيام من أن تبقى حيّةً ومشعشعة، وغالباً ما تكتم هذه الأيّامَ جبهةُ الباطل أو تنكرها. يصل بهم الحدّ إلى إنكارها. يريدون التكتّم على «22 بهمن»[2] و«13 آبان»[3] و«19 دي»[4] و«9 دي»[5] و«29 بهمن»[6] -قضيّة تبريز- ويوم تشييع الشهيد سليماني وكذلك تشييع الشهيد حججي، فهذه كلها أيام الله. يريدون كتمانها، فكلّ يوم منها هو مشعل، ولا بد من وجهة نظر تيار الباطل أن تنطفئ. إنّ تيار الباطل الذي يقف أمامكم وأمام هذا الشعب والثورة لا يتحمّل تلك المشاعل. عليه أن يدمّرها ويطفئ هذه المشاعل. هذا في النقطة المقابلة تماماً لما جاء في القرآن. إنّه يأمرنا أن نتذكر ونَذْكر مثل هذه الأحداث؛ ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّ﴾[7]. ينبغي ألا ننسى حادثة مريم المهمة. هذا يجب أن يخلّد في التاريخ. ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾[8]، ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى﴾[9]، ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾[10]، ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ﴾[11]، ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾[12]. ربّما هناك عشرة مواضع أو أكثر في القرآن على هذا النحو: واذكر، واذكر... حتى في بعض الأماكن التي كانوا يكتمون فيها الأمر، يُؤمر نبي الله أن يستنطقهم: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾[13]. اسألهم: هل تخفون قضيّة السبت؟ قضيّة الغش تلك التي أردتم أن تفعلوها مع الله وأن تخدعوه، فقد جعلكم الله المتعالي قردة وخنازير! تريدون منا أن ننسى، ألا نعرف! اسألهم: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾. احصل على إجابة منهم. هذا منطق القرآن.

حسناً، هذه الحوادث -كما سبق وذكرنا- تتضمّن تجربةً تاريخيّة: إذا تصرفتم مع الله بمكر وحيلة، ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾[14]، فالله المتعالي [يمكر أفضل] منكم؛ ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)﴾[15]. حسناً، الآن إذْ تدخلون ساحة الله، فهو «مالك الملك»، [وإليكم] هذه التجربة التي وقعت في الحياة التاريخيّة للبشر، وأنا بصفتي إنساناً أعيش في هذا العصر لا بدّ لي أن أعرفها وأعِيها، وهي تلك التجربة مع أصحاب السبت، فلا بد لي أن أعرفها وينبغي ألّا أكرّر ما فعلوه... أو تتضمن سنّةً إلهيّة. عندما ينكر بعض الأشخاص يوم القيامة ستحضر قضيّة أصحاب الكهف. ينيّمُ الله أشخاصاً ثلاثمئة عام ونيف ثم يوقظهم، ويظهر لنا أنْ انظروا: كذلك هي الأمور... أو القضايا المتعددة الأخرى، وهي موجودة بكثرة في القرآن. إنّ التدبّر في القرآن يُوصِلُنا إلى كثير من هذه الحقائق، ويمكن لها أن تكون المصباح لطريقنا في هذا العصر الذي نعيشه، ففي النهاية نحن لدينا دنيا وآخرة، ويجب أن نسعى ونعمل في هذه المدة. بالمناسبة إنّ مرحلتنا مرحلة حساسة ومهمة أيضاً. هذه المرحلة التي أعيش فيها وإياكم -خاصة أنتم الشبابَ- [يجب] أن تولوا أهمّيّة كبيرة لها؛ هي مرحلة حساسة ومهمة، ويجب أن تستفيدوا من هذه السنن الإلهيّة كثيراً. إذن، هنا تكمن أهمّيّة هذه الحادثة.

كذلك في حادثة «19 دي» نفسها دروسٌ أيضاً. لقد أشرت إلى بعض هذه الأحداث مراراً في كلماتي مع أهل قمّ الأعزّاء، ولكن إذا ألقى أحدٌ نظرة شاملة إلى هذه الحادثة، [فسيدرك] أنّها عجيبة للغاية، فهذه الحادثة تتضمن الدروس. بدأت هذه القضيّة -أنتم تعرفونها، والجميع يعرفون هذه الأمور- بنشر مقالة سخيفة عن الإمام [الخميني] بأمر من البلاط نفسه، أي من تلك المراتب العليا في نظام الطاغوت لا المتوسطة أو الدنيا. كانت تتضمن الإهانة لإمامنا الجليل في المنفى، وكان في النجف وابنه قد استُشْهِد حديثاً وفارق الدنيا. تعاطف الناس مع الإمام الجليل لفقده ابنه المحترم والمعزز -كان السيد مصطفى إنساناً بارزاً حقاً- فرأوا (الشاه وأعوانه) أنهم يجب أن يقدموا على فعل ما، [لكنّهم] تصرّفوا بحماقة وافتعلوا مشكلة لأنفسهم بأيديهم وأقدموا على نشر تلك المقالة؛ ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾[16]: تلقوا صفعةً من حيث لم يحتسبوا.

حسناً، انتشرت المقالة. كانت تصدر هذه الصحيفة عند الثانية بعد الظهر عادةً وتحتاج ساعتين مثلاً حتى تصل من طهران إلى قمّ. متى وقع هذا؟ يوم 17 دي (7 كانون الثاني/يناير). ما إن وصلت الصحيفة إلى قمّ ورأى الناس أنّها تحتوي على مثل ذلك حتى خرجت مجموعة من الناس، أي بدأت القصة في 17 دي. بادروا بسرعة وخرجوا إلى الشوارع وأخذوا بعض أعداد هذه الصحيفة وأحرقوها وأعربوا عن امتعاضهم. كان هذا في 17 دي. صباح 18 دي جاء دور طلاب الحوزات الدينيّة، فعطلوا الدّرس والبحث ونزلوا إلى الشوارع جماعة [وتحركوا] نحو بيوت المراجع، واستمرّ تحرك الطلاب حتى المساء، ووقعت اشتباكات وصدامات في هذا اليوم مع عساكر النظام وعناصره. نزل الناس في 19 دي -هو اليوم الأساسي في الحادثة- إلى الميدان، ونزل الشباب والتجّار والناس العاديون، نزل الجميع. لقد كان الجهاز الطاغوتي على استعداد دائم لقمع الناس، فهم أيضاً نزلوا إلى الشوارع وأردوا عدداً من الناس شهداء وجرحوا آخرين، وتعرّضوا بالضرب لآخرين. في نهاية المطاف، انتهت حوادث ذلك اليوم بالشهادة وأمثال ذلك لكنّها لم تنتهِ [في الواقع] بل بدأت. تلك كانت البداية. لقد سردت لكم ما جرى في تلك الحادثة.

بهذا، صارت قمّ حاملة لواء الثورة. قمّ مفتخَرة بأنّها حملت أول راية خفّاقة للثورة عملياً. بالطبع، كان القمّيون متقدمين عن البقيّة في بداية النهضة أيضاً التي انطلقت عام 1341 (1963م)، قبل ذاك التاريخ بخمس عشرة سنة، ولكن المسألة لم تكن قد نضجت بعد أو وصلت إلى خواتيمها. لكن مع بداية الثورة وحركة الثورة العظيمة صار القمّيون حاملي اللواء وفي الطليعة، لأنهم كانوا مؤمنين ودخلوا الميدان لأجْل الله. إذا لم يكن لله، فكيف يستطيع الإنسان أن يقف بصدره أمام الرصاص؟ أوهل يستطيع الإنسان أن يعرض نفسه لخطر بهذا الحجم من دون الاعتقاد بحقيقة وجود الباري المتعالي وبحقّ الباري المتعالي؟ لقد بارك الله عملهم لأنّهم كانوا مؤمنين ولديهم إيمان بالله. بدأ هذا العمل في غضون يوم أو اثنين أو ثلاثة كما ذكرت لكم، وانتهى في الظاهر لكنّه [في الواقع] لم ينتهِ، فقد أشعل البلاد: تبريز أولاً، ثم بقيّة المناطق.

الآن، هناك نقاط عدّة بشأن هذه الحركة، وأريد التحدث عن ثلاث أو أربع منها. إنها دروس لنا. لاحظوا: نحن نعيش في مرحلة عجيبة. نعم، قد لا يستطيع أحد أن يحسب بدقّة، ولكنني لا أبالغ إذا قلت إنّ الشعب الإيراني والجمهوريّة الإسلاميّة صارا أكثر تقدّماً وقوّة ووعياً وبصيرة ودراية بالأمور بمئة ضعف قياساً بتلك الأيام الأولى. تختلف الأحداث كثيراً في العالم اليوم عن تلك الأيام أيضاً. تسود العالم أحداث عجيبة، وتلك الأحداث التي لم تكن قابلةً للتصديق تقع الآن في العالم الغربي والشرقي، وأقصى الشرق من العالم وأقصى الغرب، والنصف الشمالي للكرة الأرضيّة، والنصف [الجنوبي]، وكلّ مكان. تحدث أمور عجيبة في العالم! ترون ذلك. يجب أن نستفيد من تجارب ذلك اليوم. هذه التجارب لا يعفو عليها الزمن.

النقطة الأولى هي المبادرة السريعة. لقد شعر [أهالي قمّ] بالتكليف بسرعة. قد تكون مشكلتنا أحياناً أننا لا نشخّص التكليف بسرعة؛ يجب أن يأتوا ويجلسوا ويتحدّثوا معنا ويناقشونا في الأدلة وما إلى ذلك، فيمرّ الوقت. سرعة مبادرة [أهالي قمّ] في استشعارهم التكليف أنهم حينما نظروا ورأوا أنّ الأمور تسير بتلك الطريقة عرفوا ما ينبغي أن يفعلوا ونزلوا إلى الميدان. لقد نزل أصحاب المحلات إلى الميدان، ونزل التجّار وطلاب الحوزات والفضلاء وأجلاء من الحوزة، ونزل الناس العاديون وشعروا بالتكليف سريعاً.

النقطة الثانية أنّهم شروا أرواحهم مقابل المخاطر الكبيرة لهذا العمل -كانوا يعلمون بهذه المخاطر ويعرفونها- وتقبّلوها. من الواضح أنّ النزول إلى الشارع وسط نظام مثل نظام الطاغوت، ومع ذلك الظلم والعنف والقسوة، [خطر]. كنا قد رأينا قساوتهم، وشهدها الناس [أيضاً]. لقد شهدوا الخامس عشر من خرداد (05/06/1963م) والأحداث اللاحقة. وقعت هنا في قمّ، بالإضافة إلى أحداث المدرسة الفيضيّة في الثاني من فروردين 1342 (22/03/1963م)، حادثة أخرى[17] عظيمة ومهمة في المدرسة الفيضيّة [أيضاً] عام 1354 (1975م). شهد الناس هذه الأحداث ولم يكن الأمر كأنّهم غافلون. كانوا يعلمون الأخطار لكنهم يشرون أرواحهم؛ لقد تقبلوا الأخطار ونزلوا إلى الميدان. ففي النهاية، لا يمكن خوض غمار أعمال عظيمة دون تقبّل الأخطار.

النقطة الأخرى تتعلّق بالتحرك في الوقت المناسب. التفتوا! قلت هذا مراراً في لقاء مجموعات مختلفة: قد يقف عشرون عاملاً على خطّ الإنتاج، والمُنْتَج الصناعي يتحرّك على هذا الخط، ولكلٍّ منهم وظيفته. أحدهم ينبغي أن يضرب بالمطرقة، وآخر يشد البراغيّ، وثالثٌ يضع شيئاً ما، وآخر يرفع شيئاً ما. عليهم أن يفعلوا ذلك في اللحظة المناسبة. إذا مرّت القطعة من أمامك -كنت من العشرين الذين يقفون على خط الإنتاج- وغرقت عشر ثوانٍ في التفكير، فقد فات الأوان وانتهى الأمر. ينبغي أن ينجز العمل في لحظته. قام التوّابون وحاربوا ثأراً للدم المطهّر للإمام الحسين (عليه السلام)، فقُتلوا، لقد قُتلوا جميعاً، لكن لا يُشاد بهم في التاريخ. لماذا؟ لأنّهم تأخّروا. أنتم الذين أردتم أن تقدّموا دماءكم في سبيل الإمام الحسين (عليه السلام) لماذا لم تأتوا في الأوّل من المحرّم والثاني منه لتفعلوا شيئاً على الأقلّ؟ تقفون هناك وتنظرون، ويستشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، ثمّ تحترق قلوبكم، وعندئذٍ تأتون إلى الميدان! هذا ما يحدث عندما لا يُؤدّى العمل في الوقت المناسب. لا بدّ من أن يُؤدّى العمل في حينه.

ينبغي ألّا نغفل عن الواجب الذي وضعه العقل والشرع على عاتقنا. يجب أن ندخل الميدان دون تأخير. ينبغي ألا نتأخر. عندئذ، نشري أرواحنا مقابل الأخطار بما يتناسب مع أهمّيّة ذلك العمل. في النهاية، لا ينبغي للإنسان تحمّل أي خطر من أي حادثة كانت. هناك بعض الحوادث غير المهمة، ولا تستحق أن يخاطر الإنسان بحياته من أجلها. فلنقابل خطر الدخول إلى الميدان بما يتناسب مع أهمّيّة تلك الحادثة. المشكلة تظهر عندما يقع الخلل في هذه المهمات: لا نشعر بالتكليف سريعاً، ولا ندخل [الميدان] في الوقت المناسب، ولا نشري أنفسنا مقابل الأخطار ونتوانى عن ذلك. الأمر كذلك.

إذا استوفينا الشروط، فإن التقدّم حتمي، أي لا يراودنّكم شكّ في ذلك. وسنوات «الدفاع المقدّس» مثال على ذلك. أكرّر مجدّداً توصيتي لكم أن تقرؤوا سيَر أهالي الشهداء خلال «الدفاع المقدس» أو «الدفاع عن مراقد أهل البيت (عليهم السلام)»، وتروا كم كانت المصاعب التي تحمّلوها. يترك هذا الشاب زوجته العزيزة، وابنه نور عينيه ويذهب لأداء التكليف. في «الدفاع المقدس»، [عندما] ذهب آلاف الأشخاص ودخلوا الميدان بتلك الطريقة، فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة أنّ مجنوناً مثل صدّام يدخل الميدان بإمكانات وفيرة، وتساعده أميركا وأوروبّا و«الناتو» والاتّحاد السوفييتيّ، والدول الرجعيّة العربيّة تنثر الأموال تحت قدميه كالرمل، وفي نهاية المطاف، يخسأ أن يفعل شيئاً، ويعود خائباً. عندما يكون لدينا شاب في الميدان مثل شباب مرحلة «الدفاع المقدس» مستندين إلى ذلك الإيمان، ورجل مثل الإمام يقبّل أيديهم وسواعدهم، فكذلك تكون النتيجة، والتقدم حتمي. نعم، كانت حرب الأحزاب، وقد انتصرت إيران في حرب الأحزاب هذه، فقوى العالم كلها تكاتفت من أجل تقسيم إيران، وليفصلوا خوزستان ويفصلوا كذا وكذا منطقة... لكنهم خابوا أن يأخذوا شبراً واحداً من تراب الوطن، هل هذا شيء هيّن؟ هل هذا انتصار صغير؟ عندما نتحرك ونشعر بالواجب ونقبل المخاطرة وندخل الميدان، كذلك تكون النتيجة. هذه هي تجربتنا.

النقطة الأخرى في حادثة قمّ هي هذه: لماذا تجرّأ نظام الطاغوت، الذي كان يعلم تعلّق الناس بهذه الشخصيّة العظيمة، على هذه الخطوة؟ لأنّه كان واثقاً بمساندة أميركا له؛ ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)﴾[18]. كان واثقاً بمساندة كارتر، فقبل بضعة أيام، بضعة أيام [فقط] من حادثة قمّ هذه، التقى كارتر الشاه هنا[19] واحتسيا العرق معاً وثَمِلا ومدح الشاه وهو سكران مدحاً طويلاً، وقال: «هنا جزيرة الاستقرار» ... وکذا وكذا. لقد كان واثقاً بمساندتهم. حين يكون هناك مثل تلك المساندات الخاطئة، كذلك تكون النتيجة: لن ينفعه؛ ﴿لَا یَسْتَطیعُونَ نَصْرَهُمْ﴾. أولئك الذين يستندون إلى قوى الكُفر -لا أقول الذين لديهم لقاءات مع قوى الكُفر، لا، فنحن أيضاً لدينا لقاءات مع قوى الكُفر- إذا كانوا معتمدين على غير القوة الإلهيّة، فكذلك تكون النتيجة. حسناً، هذا من تلك الناحية.

من هذه الناحية أيضاً، كان الناس يناضلون ضد النظام حقّاً، نظام الطاغوت، لكنّهم كانوا في الواقع يناضلون ضد أميركا وكارتر. كان حضور أميركا في إيران في ذلك اليوم شيئاً عجيباً وغريباً. في رأيي، أنتم الشّباب الأعزّاء -الحاضرين هنا ولم تشهدوا تلك الأوقات، ولعلّ بعضكم قرؤوا عنها في الكتب، وكثيرون لم يقرؤوا الكتب أيضاً، فقليلاً ما يطالع شبابنا، مع الأسف- لا تعرفون كم كان حجم التغلغل! كانت أميركا هي المسيطرة على شؤون البلاد كافّة.

التفتوا؛ في 1964م -قبل «19 دي» بثلاثة عشر عاماً وقبل انتصار الثورة بأربعة عشر عاماً- نُفي الإمام من قمّ. لماذا نفوا الإمام؟ لقد ألقى الإمام خطاباً، فما الذي قاله في هذا خطاباً؟ تحدّث الإمام في هذا الخطاب ضد «الكابيتالسيون» (الحصانة القانونيّة)، أي منح الأميركيين الحصانة في إيران. كان قد هاجم أميركا. يقول الإمام في ذلك الخطاب -هذا هو مضمون كلامه- إنّه إذا ما دهس شاه إيران كلباً أميركيّاً في الشارع، فتجب معاقبته، ولكن إذا ما دهس طبّاخ أميركيّ شاه إيران في الشارع، فلا أحد لديه الحقّ في معاقبته! هذا هو «الكابيتالسيون». هذا ما هاجمه الإمام، ومن أجل ذاك صرخ في وجه الأجهزة، وقد أُبعد الإمام في ذلك الحين بسبب هذا [الخطاب]. صحيح أنّ نفي الإمام دام ثلاثة عشر عاماً، لكنّه كان منفيّاً مدى العمر. كان نفيهم [الإمام] مدى الحياة. لحسن الحظّ، انتصرت الثورة وعاد الإمام إلى البلاد بعد ثلاثة عشر عاماً. هذا معناه أنّ تغلغل أميركا في هذا البلد كان إلى هذا الحدّ. حسناً، انتفض الشعب على مثل هذا التغلغل، وثاروا على مثل تلك القوة المتغلغلة في البلاد.

أودّ أن أذكر أمراً آخر حول هذه الحادثة في قمّ: لم يتمكّن الأفراد أو الجماعات والتيّارات الكثيرة الادّعاء والفاقدة للهويّة من التغلغل لا في هذه الحادثة، ولا الأحداث التي تلتها. هذه مسألة مهمّة جدّاً. لم يكن الأمر [هنا] مثل «الثورة الدستوريّة». لقد أطلق العلماء «الثورة الدستوريّة» للقضاء على الاستبداد، فدخل أناس معروفون أو مجهولون إلى الميدان وحرفوا الطريق نحو السفارة البريطانيّة! ذهبوا إلى هناك، وصارت تلك السفارة وسيطاً من أجل مطلب يخصّ أناساً عاديين. عندما يدخل أشخاص سيّئون إلى انتفاضة ما هذه هي [النتيجة]. لم يحدث شيء مثل هذا في انتفاضة قمّ. في المجريات الذي حدثت مع هذه الانتفاضة، لم يحدث مثل هذا الأمر. ارتعب الجميع [حتى] أولئك الذين عارضوا الأمر. ارتعبوا من الناس وهذه الحركة العظيمة وصرخات الإمام المدوّية. إنسان يجلس في النجف ويصرخ في درس طلاب الحوزة على نحو يهزّ العالم! نحن أيضاً لم نعرف الإمام بصورة صحيحة ولا شخصيته. كانت هذه الحركة حركةً لا يستطيع الآخرون دخولها؛ كانوا يخشونها. حتى أولئك الذين عارضوا -كان هناك شيوعيون في إيران وكثيرون ممن لم تعجبهم تلك الحركة ولم يكونوا معها- لم يمتلكوا الجرأة لا على معارضتها ولا دخولها، لأن حركة الناس كانت عظيمة. ما أعرضه هو تجاربي الشخصيّة من قرب. إنني أحدّثكم عمّا أعرفه وعمّا شاهدته من كثب.

حسناً، لماذا لم يتمكنوا من التغلغل؟ هذه نقطة مهمة أيضاً. لماذا لم تستطع التيارات الأخرى الدخول أو التعطيل أو التغلغل؟ السبب أنّ قادة هذه الحركة ومن في مقدمها هم شخصيات دينيّة. دخلت الشخصيات الدينيّة بجرأة إلى الميدان. في المدن كافة -طهران وقمّ وأماكن أخرى ومشهدنا أيضاً- دخل كبار العلماء والشخصيات الدينيّة المعتدّ بها إلى الميدان وصاروا هم الأعلام. رأينا هذا في مدن مختلفة. عدد من العلماء الذين كانوا منفيين إلى هنا وهناك جعلوا [النّاس] تؤيّدهم وتؤيّد كلامهم ووجّهوا القلوب كافة نحوهم.

في النهاية، تمكّنت الثورة الإسلاميّة وهذه الحركة الضخمة التي انطلقت من قمّ من إنقاذ إيران من المخالب الأميركيّة الدمويّة التي تمارس النّهب. صحيح أنّ الحركة كانت ضد الملكيّة والبلاط، وضد حكومة خبيثة وفاسدة وعميلة، وقد أُطيح بها بحمد الله، لكنها في الحقيقة أخرجت إيران من حلقوم أميركا. لديّ هدف في قولي هذا. أُخرجت إيران من تحت براثن أميركا، وغدا هذا القاعدة والأساس لعداء أميركا لإيران. التفتوا! من الخطأ القول إنّ الحادثة الفلانيّة هي التي تسببت في عداء الأميركيين لنا. بعض الأشخاص يقولون الآن أيضاً وبعد انقضاء 40 سنة: لماذا تجعلون الأميركيّين يعادونكم! هل نحن مَن نصنع العدو؟ منذ أربعين عاماً وهم متعطّشون لدمنا. هل نحن مَن نجعل أميركا عدوّاً لنا؟

الأميركيّون بدؤوا [العداء] منذ اليوم الأوّل. نُشرت حديثاً وثيقة -جاؤوني بها ويبدو أنّها نُشرت قبل أسابيع قليلة- وعرضها مركز أميركيّ رسمي ينشر الوثائق المهمّة بعد انقضاء ثلاثين سنة أو أربعين على سبيل المثال. نشر [المركز] هذه الوثيقة التي تقول إنّ [الرئيس] كارتر أصدر أمراً إلى وكالة المخابرات المركزيّة في كانون الأول/ديسمبر 1979م، أي تقريباً بعد عشرة أشهر من انتصار ثورتنا، فالثورة انتصرت في شباط/فبراير 1979م، والوثيقة في كانون الأول/ديسمبر، أي هناك عشرة أشهر تقريباً. بعد عشرة أشهر من انتصار الثورة، يوجّه كارتر أمراً إلى وكالة المخابرات المركزيّة، والأمر هو: أطيحوا بجمهوريّة إيران الإسلاميّة! كان هذا في ذلك اليوم، أي في بدايات الثورة. يوجّه الرئيس الأميركيّ أمرَ الإطاحة بالجمهوريّة الإسلاميّة إلى وكالة المخابرات المركزيّة، ربّما بسبب الكابوس الذي رآه. ثمّ إنّ النقطة اللافتة أنّه يذكر بأيّ وسيلة عليكم الإطاحة بها.

أوّل نقطة يذكرها هي الدعاية الإعلاميّة، البروباغندا. يقول: روّجوا ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة بالبروباغندا. أليست هذه السياسة مألوفة لديكم؟ الدعاية ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة! الدعاية في العالم ولدى الرأي العام وداخل البلاد. كان هذا العمل الذي بدؤوه في ذلك اليوم. الدعاية الإعلاميّة! طبعاً، لم يقتصر الأمر على الدعاية بل كان هناك الحظر أيضاً والتجسّس والتغلغل والتمهيد للانقلابات العسكريّة. كان هناك أمورٌ من هذا القبيل أيضاً لكنّه ذكرَ الدعاية أوّلاً. يقول: بالدعاية! هذا مستمرٌّ حتى اليوم. منذ 1979 ميلاديّة حتى اليوم، 43 عاماً وسياسة أميركا هذه مستمرّة، سياسة تستهدف الإطاحة بالجمهوريّة الإسلاميّة. بأيّ وسيلة؟ بالحظر والتغلغل وممارسة الضغوط القصوى وبناء التحالفات المعادية لإيران ومعاداة إيران والإسلام والشيعة، بهذه الوسائل وفي مقدمتها الدعاية. منذ 43 سنة وهم يمارسون هذه الأمور، ولا تزال حتّى اليوم.

بالطبع، من الواضح أنّ العدوّ لم ينجح في تحقيق نيته المشؤومة. أين الجمهوريّة الإسلاميّة في تلك السنوات من الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم، ذات الجذور المتينة الممتدة ليس في البلاد فقط، بل في المنطقة أيضاً؟ إنّ المتانة التي تتمتع بها الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم -بفضل الله وحوله وقوّته- لا تمكن مقارنتها بذلك اليوم. لكن هؤلاء وجّهوا ضربة إلينا، وهذه الأفعال أبطأت حركتنا، فقد كان في إمكاننا أن نكون متقدمين أكثر من هذا. لقد ارتكبوا جريمة. لقد فرضوا علينا ثماني سنوات من الحرب، وهذه جريمة. حسناً، الدولة التي تركّز طاقاتها كلها ثماني سنوات للدفاع عن البلاد كان يمكنها أن توظف هذه الطاقات في الإعمار، وأن تمضي بالبلاد قُدماً، وأن تجتث الفقر. ليست الحرب المفروضة فقط، فهناك الضغط والحظر. هذه كلها مؤثرة، هذه كلها كانت مؤثرة. لقد مارسوا أفعالاً خبيثة ليُبطئوا حركة الجمهوريّة الإسلاميّة.

حسناً، الآن، هل يمكننا تعويض هذا البُطء؟ نعم، اعتقادي أننا نستطيع. علينا أن نعمل أكثر وندير أفضل ونبذل جهوداً لا تعرف الكلل. هذا هو الطريق. يمكننا التعويض وليس الأمر على نحو لا يمكننا ذلك. لقد أُنجزت مثل هذه الأعمال في بعض القطاعات بالتوفيق الإلهي، وأُنجزت هذه الأعمال في القطاعات العلميّة والدفاعيّة وكثير من القطاعات الإنتاجيّة... شرح هذه الأعمال التي أُنجزت [مفصّل] الآن. أُنجزت أعمال عظيمة ببركة العمل الجهادي، وإيمان العاملين وعقيدتهم، ووصل الليل بالنهار والعمل ليلاً ونهاراً. لا بدّ من أن يُفعل هذا العمل في القطاعات كافّة؛ نحن قادرون.

حسناً، أودّ أن أشير إلى أعمال الشغب الأخيرة. كانت يد العدوّ الأجنبيّ واضحة فيها أيضاً، وهو ما أنكرَه بعضهم. ما إن يقول المرء: العدوّ الأجنبيّ، فإنّهم ينكرون ذلك فوراً من أجل التغلّب على جناح أو شخص أو مجموعة أو حكومة، أي [يقولون]: كلا، إنّه خطؤكم. لكن لا، كانت يد الأجانب واضحة، كانت جليّة. عملُ الأميركيّين ذاك، وعملُ الأوروبّيّين، الدول الأوروبيّة المختلفة، كل واحد منهم دخل في هذه القضيّة بأسلوب ما، بأسلوب واضح وجليّ لا خفي. اتّضح مَن هم المتورطون في هذه القضيّة. كان الأمر كذلك في أعمال الشغب الأخيرة. لا يمكن التغاضي عن هذه الأفعال. بالطبع، هنا أيضاً كان الجزء الأكثر أهمّيّة في العمل الدعاية الإعلاميّة. هنا أيضاً كان الجزء الأكثر أهمّيّة في حركة العدو مسألة الدعاية الإعلاميّة. ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)﴾[20]. ﴿الوسواس﴾ لا يتعلق بالجن فقط، فالناس أيضاً يوسوسون ويمارسون الوسوسة. لقد رأيتم الفضاء المجازي، وطبعاً لاحظتم وسائل الإعلام الأجنبيّة الغربيّة والعربيّة والعبريّة ونحوها. لذلك هنا أيضاً كان الدور الأول يتعلق بالدعاية الإعلاميّة.

حسناً، كان بعض الأشخاص يريدون تصوير الأمور... كان الأجانب يصوّرونها في إعلامهم [كما يلي]: إنّ أعمال الشّغب هذه، حين يأتي عدد من الأشخاص إلى الشوارع ويصرخون ويشتمون ويكسرون الزّجاج في مكان ما ويحرقون حاوية نفايات وأمثال هذه الأمور، [يصوّرون] أنّ هؤلاء معارضون لنقاط الضّعف في البلاد: نقاط الضّعف الإداريّة والاقتصاديّة وغيرها. كلا، أقول لكم إنّ القضيّة على العكس من ذلك. هؤلاء كانوا يريدون القضاء على نقاط قوّتنا وأمننا الذي يشكّل واحدة من نقاط قوّة بلدنا، وقضيّة تحصيل العلم، إذ إنّنا دائماً ما نفخر بأنّنا تقدّمنا هكذا وهكذا من الناحية العلميّة... حسناً، أين يجري تحصيل العلم؟ في المراكز التعليميّة والعلميّة والبحثيّة طبعاً. هؤلاء استهدَفوا هذه المراكز كي يُغلقوها من أجل ألا يجري تحصيل العلم. حتّى لا يكون هناك أمنٌ ولا تحصيل للعلم ولا نمو في الإنتاج المحلّي. لقد أعلنّا [شعار] هذا العام بداية السنة كما العامين أو الثلاثة الماضية بأسلوب وبمنظور خاص. كان للإنتاج تحرّك جيد هذا العام. قبل بضعة أشهر، جاءت مجموعة إلى هذه الحسينيّة[21] -بُثّ ذلك على التلفاز أيضاً- وشرحت الأعمال الإنتاجيّة الكبيرة التي لم يسبق لها مثيل داخل البلاد. وقفوا هنا وشرحوها وبثوا ذلك. يريدون إيقاف هذه [الأعمال]. كانوا يريدون إيقافها، أو [ضرب] قضيّة السياحة أيضاً. فقد كانت إحدى سياسات الحكومة قضيّة السياحة على سبيل المثال، إذ إنّ مدخول السياحة مدخول جيّد. كانت على وشك أن تبدأ وتنطلق، فأرادوا إيقافها. كانوا يسعون إلى إيقاف نقاط القوّة. وإلّا، نعم، لدينا مشكلات اقتصاديّة ولا شكّ في هذا، ولدينا مشكلات الناس المعيشيّة، [لكن] هل تُحلّ المشكلة الاقتصاديّة بإضرام النيران في حاوية النفايات؟ هل تُحلّ بالنّزول إلى الشارع وإثارة الشّغب؟ هؤلاء لم يكونوا يريدون إزالة نقاط الضّعف بل القضاء على نقاط القوّة.

إذن، كانت تلك خيانات دون أدنى شك، والأجهزة المسؤولة تتعامل مع الخيانة بجديّة وعدل، ويجب أن تفعل ذلك. أودّ أن أقول جملتين قصيرتين في النهاية.

الأولى: قضيّة جهاد التبيين. لقد كرّرت هذا الأمر مرّات ومرّات وأعيد تكراره. تقع الدعاية الإعلاميّة في مقدم مخططات العدوّ، ووفق قولهم: البروبّاغندا. علاج البروبّاغندا هو التبيين، تبيين الحقيقة، على مختلف الألسن ومن مختلف الحناجر وبالتعابير والابتكارات شتى. التبيين! تلك الوسوسة التي تؤثّر في ذاك الفتى أو الشّاب ما الذي يزيلها؟ لا يمكن للهراوات فعل ذلك. التبيين هو ما يُزيلها. هذه النقطة الأولى. يجب أخذ جهاد التبيين على محمل الجدّ. الجميع، في الحوزات والجامعات وخاصّة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وفي الصّحف، في النقاط كلها وأين ما تقفون وحيث هناك شعاعٌ حولكم يمكنكم التأثير فيه، لا بدّ لكم من التبيين، التبيين السليم والصحيح.

الثانية: الأهداف العظيمة تحتاج إلى أعمال عظيمة. يجب فعل أعمال عظيمة ومفصليّة. في اعتقادي، يمكن إنجازها. يوجد مسؤولون مؤمنون ودؤوبون ومثابرون، فيمكن إنجاز أعمال مفصليّة. الثورة نفسها كانت أكبر تحّول. كان كل عمل من مقدمات الثورة مفصلياً. هذه كانت الأعمال التي جعلتنا نجتاز تلك السفوح الوعرة. بعد الآن أيضاً، الأعمال المفصليّة والعظيمة ضروريّة سواء في مجال الاقتصاد، أو الثقافة، أو الأمن، أو العلم، ومختلف المجالات. هذا العمل ممكن في رأيي: لدينا الأشخاص والمسؤولون المطلوبون له، وبحمد الله، البلاد لديها شباب بارعون. يوجد في هذه الجامعات وكثير من الحوزات العلميّة في أنحاء البلاد كافّة وبين فئات الناس شتى ومختلف الطبقات أناس يستطيعون أن يعملوا أعمالاً مبتكرة وإبداعيّة ومفصليّة.

نرجو أن يوفّقكم الله المتعالي جميعاً وإيّانا في ما هو واجبنا، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1] مدينة مشهد.
[2] ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة بتاريخ 11/02/1979م.
[3] اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، وذكرى السيطرة على وكر التجسّس الأميركيّ في طهران.
[4] انتفاضة أهالي قمّ بتاريخ 09/01/1978م.
[5] ملحمة «التاسع من دي» بتاريخ 30/12/2009م، يوم البصيرة وميثاق الأمّة مع الولاية.
[6] انتفاضة أهل تبريز بتاريخ 18/02/1978م.
[7] سورة مريم، الآية 16.
[8] سورة مريم، الآية 41.
[9] سورة مريم، الآية 51.
[10] سورة ص، الآية 41.
[11] سورة ص، الآية 17.
[12] سورة الأحقاف، الآية 21.
[13] سورة الأعراف، الآية 162.
[14] سورة آل عمران، الآية 85.
[15] سورة الطارق، الآيتان 15 - 16.
[16] سورة الحشر، الآية 2.
[17] بين طلّاب المدرسة الفيضيّة في قمّ وبين جلاوزة الطاغية بتاريخ 07/06/1975م بمناسبة ذكرى انتفاضة «15 خرداد» عام 1963م.
[18] سورة يس، الآيتان 74 - 75.
[19] بتاريخ 31/12/1356ه.ش.
[20] سورة الناس، الآيات 4 - 6.
[21] خلال لقاء سماحته مع مجموعة من المنتجين والناشطين الاقتصاديين، بتاريخ 30/01/2022م.

19-01-2023 | 22-26 د | 425 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net