الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1616 05 ذو القعدة 1445 هـ - الموافق 14 أيار 2024 م

علمُ الإمامِ الرضا (عليه السلام)

المؤمنُ والدنياكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء القيّمين على شؤون الحجّكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء أعضاء اللجنة العلميّة لمؤتمر الإمام الرِّضا (عليه السلام) الدَّولي الخامسهذا النظامُ نظامٌ إلهيّمراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1615 28 شوال 1445 هـ - الموافق 07 أيار 2024 م

فَاسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «فَاسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ فِي سَرَائِرِكُمْ، كَمَا تَسْتَحْيُونَ مِنَ النَّاسِ فِي عَلَانِيَتِكُم‏»[1].

الحياء صفةٌ كماليّة، استودعها اللهُ في الفطرة الإنسانيّة، ولها آثار إيجابيّة عديدة، كالورع والابتعاد عن كلّ ما يشين أو يستدعي ذمّاً وملامة، بل إنّ من آثارها الدفعَ نحو الخير والعمل الصالح.

والحياء لغةً الانقباض والانزواء عن القبيح مخافة الذمّ[2]. وهذه الصفة المغروسة في الإنسان، تنشأ وتنمو معه، وهي قابلة للقوّة والضعف، بحسب تعامله معها، وبحسب التربية والظروف الّتي يعيشها.

وقد عرّفها علماء الأخلاق بأنّها خلقٌ ينبعث من الطبع الكريم، وهو انحصار النفس وانفعالها من ارتكاب المحرّمات الشرعيّة والعقليّة والعاديّة، حذراً من الذنب واللوم، وهو أعمّ من التقوى؛ إذ التقوى اجتناب المعاصي الشرعيّة، والحياء يعمّ ذلك واجتنابَ ما يقبّحه العقل والعرف أيضاً[3].

الحياء من دعائم الإيمان
والحياء منشأ لكثير من الصفات الحسنة والأخلاق الحميدة، بحيث لو زال الحياء لظهرت قبائح كثيرة من النفس، كالجهل، والحمق، والطمع، وإهراق ماء الوجه، والجرأة، والتهتّك، والغضب، والقسوة، والجزع، والغدر، والعصبيّة، والحميّة، والمعصية، والخيانة، والكسل والبخل...

يقول صدر المتألّهين (رحمه الله): «اعلم يا أخي، أنّ للإنسان قوّةً بها يُدرك الحقائق وهي المسمّاة بالعقل، وقوّةً بها ينفعل عمّا يرد على القلب وهي المسمّاة بالحياء، وقوّةً بها يقتدر على فعل الطاعات وترك المنكرات ويُسمّى بالدين. وهذه الألفاظ الثلاثة، كما قد تُطلق على هذه المبادئ، أعني القوى والأخلاق، كذلك تُطلق على آثارها والأفعال الناشئة منها، فيُقال: إنّ العقلَ إدراكُ المعقولات، والحياءَ انفعالُ القلب عمّا يرد عليه، والدينَ فعلُ المعروفات وتركُ المنكرات، والحياء على قسمين: حياء نشأ من ضعف القلب وقلّة الاحتمال لعجزه، وهي ليست بممدوحة، وحياء نشأ من استشعار العظمة والهيبة، فالأولى حياء من الخَلْق، والثانية حياء من الحقّ، وهي من محاسن الأخلاق ومكارم الخصال؛ ولهذا ورد: «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ»[4].

وقال بعض العرفاء: الحياء وجود الهيبة في القلب مع خشية ما سبق منك إلى ربّك[5].

كما عدّ الإمام الصادق (عليه السلام) صفةَ الحياء من جنود العقل في حديث جنود العقل والجهل[6]، وجعلها رأسَ المكارم، فقال: «الْمَكَارِمُ عَشْرٌ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ فِيكَ فَلْتَكُنْ، فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الرَّجُلِ وَلَا تَكُونُ فِي وَلَدِهِ، وَتَكُونُ فِي الْوَلَدِ وَلَا تَكُونُ فِي أَبِيهِ، وَتَكُونُ فِي الْعَبْدِ وَلَا تَكُونُ فِي الْحُرِّ»، قِيلَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «صِدْقُ الْبَأْسِ، وَصِدْقُ اللِّسَانِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَإِقْرَاءُ الضَّيْفِ، وَإِطْعَامُ السَّائِلِ، وَالْمُكَافَأَةُ عَلَى الصَّنَائِعِ، وَالتَّذَمُّمُ لِلْجَارِ، وَالتَّذَمُّمُ لِلصَّاحِبِ، وَرَأْسُهُنَّ الْحَيَاءُ»[7].

وفي روايةٍ أخرى جعلها كمالَ الإيمان: «أَرْبَعٌ، مَنْ كُنَّ فِيهِ كَمَلَ إِيمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ ذُنُوباً لَمْ يَنْقُصْهُ ذَلِكَ»، قَالَ: «وَهُوَ الصِّدْقُ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَالْحَيَاءُ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ»[8].

«فالحياء من الحقّ يمنع الإنسان من التظاهر بأكثر المعاصي، والحياء من الله يمنعه من تعمّد المعاصي والإصرار عليها، ويدعوه إلى التوبة سريعاً»[9]، بل عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا حَيَاءَ لَهُ»[10].

الحياء من مميّزات الإنسان
وإنّ هذه الصفة تختصّ بالإنسان؛ إذ توجد صفات مشتركة بين الإنسان والحيوان في ما يتعلّق ببعض القوى والغرائز، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «انْظُرْ يَا مُفَضَّلُ إِلَى مَا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ دُونَ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ الْجَلِيلِ قَدْرُهُ، الْعَظِيمِ غَنَاؤُهُ؛ أَعْنِي الْحَيَاءَ»[11].

وإذا تأمّلنا هذه الصفة التي غرس الله عزّ وجلّ جذورَها في النفس الإنسانيّة، سنجد لها فوائد عظيمة، بحيث لولاها لعمّ الخراب وانتشرت الفوضى في المجتمع الإنسانيّ. فالإنسان عنده قوى وشهوات وميول، بحيث تجنح به نحو الاستحواذ والسيطرة والظلم والقهر والخطيئة. ولكنّ رحمة الله وحكمته اقتضت أن يجعل فيه بعض القوى الأخرى الّتي تساعده على حفظ التوازن على الصعيدين الفرديّ والاجتماعيّ، من قبيل بعض الصفات الأخلاقيّة، وعلى رأسها الحياء. فالحياء له دور عظيم في ضبط الميول غير المشروعة للكائن الإنسانيّ. وهو الضامن الأوّل والأساس في عدم تجاوز الإنسان للقوانين والتشريعات وللنظام العامّ في أيّ مجتمع من المجتمعات، أمّا العقوبات فتأتي في الدرجة الثانية.

الحياء من الله
وإنّ الحياء من الله عزّ وجلّ هو السبيل لوصول الإنسان إلى قمّة الفضائل والكمالات، وهو الكفيل للوصول بالمجتمع الإنسانيّ لأن يكون مجتمعاً فاضلاً. فعلى الرغم من أنّ الحياء كنزعة أخلاقيّة موجود عند الجميع، ووجوده بحدٍّ ما هو الذي يحفظ المجتمع الإنسانيّ من الانهيار، ولكنّ الله عزّ وجلّ أراد للإنسان أن يستفيد من هذه الصفة الأخلاقيّة بأعلى مستوياتها. والاستفادة من الحياء بأعلى مستوى لا يكون إلّا في ظلّ وضع هذه الصفة على مسارها الصحيح والأكمل، وهو مسار الحياء من الله عزّ وجلّ؛ فالذي يستحي من خالقه تصلح أموره كلّها. والمجتمع الذي يستحي من خالقه هو مجتمع أقدر على أن يكون مجتمعاً صالحاً وفاضلاً ومحترماً للقوانين والتشريعات وللنظام العامّ؛ فليس ثمّة شيء أنجح للإنسان والمجتمع من حالة الرقابة الذاتيّة التي يوفّرها الحياء من الله عزّ وجلّ، بحيث لا يعود استخدام أنظمة الرقابة الخارجيّة ونظام العقوبات هو الأساس لحفظ القوانين والأنظمة.

من هنا، نفهم لماذا عُدَّ الحياء خُلُقَ الإسلام، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقاً، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ»[12]، بل في رواية أخرى أنّ في ذهابه ذهابَ الإيمان، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ صَاحِبُهُ»[13].

تحصيل الحياء وتقويته في النفوس
إنّ سببَ الحياء هو معرفة أنّ علّام الغيوب مطّلع على تقصيرنا وسوء أعمالنا، فيمكن تقوية هذه الصفة بمعرفة عيوب النفس وآفاتها، وقلّة إخلاصها وخبث باطنها، وميلها إلى الحظّ العاجل في جميع أفعالها، مع العلم بجميع ما يقتضيه جلال الله وعظمته، وتكريس حالة الرقابة على النفس من خلال تربيتها على الخوف من الله عزّ وجلّ، لكونه يرى كلّ ما نفعل، ويطّلع على السرائر وخطرات القلب، وإن دقّت وخفيت. فهذه المعارف والملكات إذا تحقّقت، انبعثت منها حالة تسمى بالحياء[14].

ثمّ إنّ أهل البيت (عليهم السلام) علّمونا كيفيّة ذلك، وأرشدونا إلى علاماته، فعَنِ الإمام الصادق (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله): اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالُوا: وَمَا نَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ، فَلَا يَبِيتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَأَجَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَالْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْيَذْكُرِ الْقَبْرَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ فَلْيَدَعْ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»[15].

إنّ الإنسانَ إذا رجع إلى فطرته الأوّليّة غير المدنّسة، وأزال عن قلبه آثار المعاصي والابتعاد عن الله والغفلة، وزيّنه بالخشوع والخضوع والسكينة، واستشعر عظمة الله وجلاله في قلبه، بعد تعقّل ذلك وحصول العلم بالله واليوم الآخر، فإنّ صفة الحياء ستعود إلى الإزهار والظهور.


[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص394.
[2] الشيخ فخر الدين الطريحيّ، مجمع البحرين، ج1، ص116.
[3] النراقيّ، جامع السعادات، ج3، ص36.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص106.
[5] صدر المتألهين، شرح أصول الكافي، ج‏1، ص221.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص22.
[7] المصدر نفسه، ج2، ص55 - 56.
[8] المصدر نفسه، ج2، ص100.
[9] المصدر نفسه.
[10] المصدر نفسه، ج2، ص106.
[11] المفضّل بن عمر، توحيد المفضّل، ص79.
[12] الشيخ الطبرسيّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص234.
[13] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص106.
[14] راجع: جامع السعادات، النراقيّ، ج 3، ص267.
[15] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص616.

08-05-2024 | 08-53 د | 251 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net