آثار الغضب في الحياة
الزوجية
محاور الموضوع
1- أصول الحياة الزوجية السعيدة في الإسلام
2- الغضب وآثاره السلبية على الحياة الزوجية
3- كيف نعالج الغضب في الحياة الزوجية
الهدف:
التعرّف على أصول الحياة الزوجية السعيدة، وآثار الغضب السلبية عليها.
تصدير:
قال تعالى في سورة الروم:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
أصول الحياة الزوجية السعيدة في الإسلام:
انطلاقاً ممّا ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فإنّ أصول الحياة الزوجيَّة
السعيدة، يمكن أن نلخّصها بالآتي:
المودّة والمحبّة:
ينبغي أن تسود الحياةَ الزوجيَّة روحُ المودّةِ والمحبَّةِ والصَّفاءِ، لأنَّ
الحياةَ الخالية من الحبّ لا معنى لها. والمودَّة من وجهة القرآن؛ هي الحبّ الفعّال،
لا ذلك الحبّ الذي يطفو على السطح كالزَبَد. فالمرأة لا تنسى كلمة الحبّ التي
ينطقها زوجها أبداً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قول الرجل لزوجته
إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"1. يقول السيد الطباطبائي في تفسير قوله تعالى:
﴿وجَعَلَ بيْنَكُمْ مودَّةً ورَحْمَةً﴾،
"المودّة؛ كأنّها الحبّ الظاهر أثره في
مقام العمل، ومن أَجَلِّ موارد المودّة والرحمة: المجتمع المنزلي؛ فإنّ الزوجين
يتلازمان بالمودّة والمحبّة، وهُما معاً، وخاصّة الزوجة، يرحمان الصغار من الأولاد؛
لما يريان ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل؛ لرفع الحوائج الحيوية، فيقومان
بواجب العمل في حفظهم، وحراستهم، وتغذيتهم، وكسوتهم، وإيوائهم، وتربيتهم. ولولا هذه
الرحمة لانقطع النسل، ولم يعش النوع قط"2.
التعاون والتفاهم:
إنَّ أساس الحياة الزوجيَّة يقوم على التعاون، ومساعدة كلّ من الزوجين للآخر في جوٍّ
من الدعم المتبادل، وبذل أقصى الجهود؛ لأجل حلّ المشاكل، وتقديم الخدمات المطلوبة.
وصحيح أنّ للزوج وظيفته المحدَّدة، والزوجة هي الأخرى لديها وظيفتها المحدّدة، ولكنَّ
التعاون والتفاهم يلغيان هذا التقسيم ويجعلان كلاً منهما نصيراً للآخر وعوناً له.
روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "واعلم أنّ النساء شتّى؛ فامرأة ولود ودود تعين
زوجها على دهره لدنياه وآخرته ولا تعين الدَّهر عليه، وامرأةٌ عقيمةٌ لا ذات جمال
ولا تعين زوجها على خير، وامرأة صخَّابة ولَّاجة همَّازة تستقلُّ الكثير ولا تقبل
اليسير وإياك أن تغترَّ بمن هذه صفتها"3. وفي هذه الرواية إشارة لطيفة إلى ضرورة أن
تكون المرأة متعاونة مع زوجها؛ فتعينه على دنياه، كما تعينه على آخرته.
حُسن المعاشرة:
لقد حثّ الإسلام على معاشرة المرأة بالمعروف؛ وذلك من خلال عدد ضخم من المفاهيم
الأخلاقية والتربية السلوكية، ومن هذه المفاهيم:
العِشرة الحسنة: إنّ الحياة الزوجية السليمة هي الحياة التي يعيش فيها الزوجان
بتناغم وتفاهم كبيرين، والعنوان الأبرز لهما هو: ألا يسيء أحدهما للآخر، بل يحرصان
على أن يكون الإحسان هو الهدف الحاكم على سير الحياة الزوجية بينهما، قال الله
تعالى:
﴿وعَاشرُوهنَّ بالمعرُوفِ فإنّ كَرِهتُمُوهُنَّ فَعَسى أن تَكرهوا شَيئاً
ويجعل اللهُ فيهِ خيراً كثير﴾4. روي عن الإمام علي عليه السلام:
"إنَّ المرأة
ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك"5.
الإكرام والرحمة: عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: "لا غنى بالزوج عن
ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها
وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته
عليها"6. فمن أدنى حقوق الزوجة إكرامها، والرفق بها، وإحاطتها بالرحمة، والمؤانسة.
عدم استخدام القسوة: نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام القسوة
مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه على سؤال
خولة بنت الأسود قال: "حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم،
ولا يصيح في وجهك"7. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "خير الرجال من أُمّتي الذين لا
يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم"8.
المداراة وضبط النفس:
يؤدّي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما،
ولهذا حثّت الروايات على الصبر عند وقوع الخلاف؛ قولاً كان أم فعلاً. روي عن الإمام
الباقر عليه السلام أنّه قال: "من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته
من النار، وأوجب له الجنّة"9.
الغضب وآثاره السلبية على الحياة الزوجية
إن الغضب قد يصل بالإنسان إلى حد الارتداد عن دين الله وإطفاء نور الإيمان بحيث إن
ظلام الغضب وناره تحرق العقائد الحقة، فيصل إلى الهلاك الأبدي، ولذلك يمكن أن توصف
هذه السجية بأنها أم الأمراض النفسية ومفتاح كل شر، على المستويين، الخلقي والعملي.
ومن نماذج مفاسد الغضب في الحياة الزوجية الآتي:
إن مفاسد الغضب المؤثّرة في الأعمال قد تؤدّي إلى هتك الحرمات، وقتل الأنفس الزكية،
والافتراء على العوائل المحترمة والتسبّب لها بالعار والذل، ويقضي على النظام
العائلي بكشف الأسرار وهتك الأستار، وارتكاب أفجع الأعمال بين الأزواج بسبب الغضب
واشتعال ناره الحارقة. ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: "الغضب يفسد الإيمان كما
يفسد الخل العسل"10.
إن الغضب يخرج العاقل عن سلوك العقلاء فهو ريح تطفئ سراج الفكر، وذلك لأن العقل
يتوقف وتنطلق الغرائز وتظهر الأخلاق السيئة للإنسان، ولذا تصدر الإهانة والقسوة
والغلظة من الغضبان حتى على أقرب الناس عليه وأحبّهم على قلبه وهي زوجته ورفيقة
دربه.
الغضب في الحياة الزوجية واتصاف أحد الزوجين أو كليهما بهذه الصفة المدمّرة قد
يؤدّي إلى تفاقم الخلافات الزوجية وتضخيمها، وصولاً إلى الطلاق وتشتّت الأسرة
وتفرّقها. وعندما تبحث عن السبب الرئيس الذي يقف خلف اشتعال نار كل المشاكل تجد
بأنه الغضب، ولهذا ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: "الغضب مفتاح كل شر"11.
إن خصلة الغضب تؤدّي إلى أن يعتبر أحد الزوجين نفسه وصياً على الآخر، والسيطرة عليه
ويحاول تأكيد مكانته في الأسرة كندٍّ ومساوٍ في الحقوق والواجبات، ومعظم الشجارات
ومنابت الغضب تبدأ من هنا، لتنعكس لاحقاً على سلوك الزوجين وتخرجهما عن جميع خلقيات
الزوجين، لأن الغضب عندما يسيطر على أحدهما أو كليهما يخرجه عن حدود العقل وضوابطه.
ولا يدرك حينها أن الزوجة ليست جارية، وليست خادمة ومدبرة منزل ومربية أطفال فقط
نهاراً، وملبية للرغبات الجنسية ليلاً، بل هي رفيقة حياة، شريكة في كل شيء...
وزوجها ليس وليّ أمرها والقيّم عليها وعلى تصرفاتها وسلوكها، والزوجة أيضاً يجب أن
تدرك أن الزوج ليس ممولاً وبنكاً للأسرة، إنه الشريك والحبيب والرفيق والصديق … وأن
أهم ما في الزواج الصداقة الحقيقية التي يستطيع فيها كل طرف أن يبوح بهمومه ومشاكله
وأحلامه للآخر، والآخر يتفهم ذلك ويستوعبه محترماً مشاعر الشريك وأحلامه.
كيف نعالج الغضب في الحياة الزوجية:
التعبير الهادئ عن المشكلة: عندما ينشب خلاف بين الزوجين حول أمرٍ ما، فإن طريقة
الخلاف والتعبير عن الاستياء مهمة جداً فيجب تجنّب توجيه الإتهامات والشتائم
والتركيز على المشكلة ذاتها بقصد حلها ولا يجوز نبش الماضي وتذكير الآخر بما فعله
سابقاً ويكون قد نسيه ولم يعد إلى سلوك مشابه، ثم إن المبالغة في تضخيم تصرّف
الشريك بما لا يستوجب ذلك، فلابد من التغاضي عن بعض الأخطاء غير الهامة لأننا
جميعاً نخطئ، ولن نسامَح إن لم نسامِح.
الحوار الموضوعي: الحوار والنقاش الهادئ هو أفضل السبل بشرط أن يؤدي إلى حل جذري
للمشكلة، أما أن يرفع أحد الطرفين صوته ويغضب فلا يسيطر على لسانه أو حركاته فإنه
يضخِّم المشكلة وقد يكون على حق لكنه بغضبه وسوء سلوكه يصبح على خطأ وباطل، ويمنع
الشريك من الحوار ويفرض عليه رأيه بالقوة وقد يسكت الطرف الآخر لاعن قناعة بل عن
حكمة ونفور من شجار لن يؤدي إلى أي نتيجة، وتتراكم مشاعر الغيظ المكبوت والألم وجرح
الكرامة في أعماقه يوماً بعد يوم، حتى تقتل العاطفة والود، وتسبّب أمراضاً جسدية
نفسية المنشأ مع مرور الزمن، وتخلّف شعوراً بالمرارة لا يفلح أي اعتذار في محوه لأن
الأمر يتكّرر ولا يتعلّم الغضوب الدرس وكيف انه بغضبه المدمر يدمر من يفترض أن يكون
السكن والسكينة والحبيب والصديق.
1 وسائل الشيعة، ج14، ص10.
2 تفسير الميزان، ج16، ص166.
3 الكافي، ج5، ص323.
4 النساء، 19.
5 مكارم الأخلاق، ص218.
6 بحار الأنوار، ج75، ص237.
7 مكارم الأخلاق، 218
8 م. ن، 216-217.
9 م. ن، 216.
10 أصول الكافي، ج2، ج 1.
11 أصول الكافي، ج2، ح 3.