الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1647 15 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 17 كانون الأول 2024 م

السيّدة الزهراء (عليها السلام) نصيرة الحقّ

وَهِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع مختلف فئات الشعب بشأن التطوّرات في المنطقةانتظار الفرجمراقباتمراقباتيجب أن نكون من أهل البصائر ومن الصابرين كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء القيّمين على مؤتمر إحياء ذكرى شهداء محافظة أصفهانفَمَا وَهَنُوا وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا

العدد 1646 08 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 10 كانون الأول 2024 م

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1312 - 05 ذو القعدة1439 هـ - الموافق 19 تموز 2018م
مولد الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الهدف؛ التعرُّف على بعضٍ من حيثيّات مولد الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

محاور الخطبة
1- مطلع الخطبة.
2- خير مولود وخير ناشئ.
3- أعلاقٌ من الأنبياء.
4- بقيّة الله تعالى في أرضه.
5- قرّة عين الإمام الكاظم.
6- مِن صفات الإمام الرضا (عليه السلام).
7- عالم آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
8- جلوس الرضا (ع) في المسجد النبويّ.
9- شهادة الإمام الرضا (عليه السلام).

مطلع الخِطبة
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على خاتم النبيّين وأشرف الخلق أجمعين سيّدنا ومولانا رسول الله أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

قال الله العظيم في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[1].

أيّها المؤمنون الكرام؛ أسعد الله بفضله ورحمته أيّامكم، ولكم الهنا بذكرى مولد الرضا إمامكم؛ حيث تهلّل به محيا العالم بهجةً وسرورا، وتجمّل به جيْد الدهر فكان له فرحةً وحبورا، وطلع في جبهة الزمان غرّة، فكان للعيون مسرّة وقرّة، كيف لا؛ والمولود هو الإمام الرضا المرتضى الراضي بالقدر والقضا؛ وصيّ بن وصي، وإمام ابن إمام، وهلم جرّاً لا تقف عند حدّ، حتى تنتهي إلى أشرف جَد، فليس في نسبه إلّا أئمّة أهل الفضل والحلم، حتى تقف على باب مدينة العلم، وهذا فرع طابق أصله، ولا غروَ فهو من الشجرة الطيبة المنابت؛ قد ثبُتَ أصلها وزاحمت أغصانها الثوابت، تسامَت بالنسبة إلى شرف النبوّة أعاليها، واخضرّت بماء الإمامة أدواح معانيها ومعاليها.
 
خير مولود وخير ناشئ
قيّض الله لمولد الإمام الرضا عليه السلام لسان جدّه الصادق جعفر وصحْبِه الكرام، فانتشر صيته انتشار الصباح، وتعطّرت بعبير ثناه الفيافي والبطاح، وعشقت أوصافه الأسماع، فلمّا رواها ابن سليط الزيدي أسرع إليه أهل الإيمان للأخذ عنه والسماع، فقال: لقينا أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكّة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمي، أنتم الأئمّة المطهرون، والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إليّ شيئاً أُلقيه إلى من يخلفني؛ فقال لي: "نعم، هؤلاء ولدي، وهذا سيّدهم - وأشار إلى ابنه موسى (عليه السلام) - وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه، فيما اختلفوا فيه من أمْر دينهم، وفيه حُسن الخُلق، وحُسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عزّ وجل، وفيه أخرى هي خير من هذا كله"؛ فقال له أبي: وما هي، بأبي أنت وأمي؟
قال: يُخرج الله منه غوث هذه الأمّة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخير ناشئ، يبشّر به عشيرته قبل أوان حمله، قوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه..."[2].
 
أعلاقٌ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
لأنَّ أنبياء الله تعالى هم الصفوة من ولد آدم (ع)، وخيرة الله من خلقه، وحججه على بريَّته، فقد هيَّأهم لما كلَّفهم من القيام بحقِّه، لذلك استخلصهم من أكرم العناصر، حفظاً لنسبهم من قدحٍ، ولمنصبهم من جرح، وقد وصف أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) طرفاً من الأحوال التي مرّوا بها، فقال:" فَاسْتَوْدَعَهُمْ (الله) فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ، وَأَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ كَرَائِمُ اَلْأَصْلاَبِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ اَلْأَرْحَامِ"[3]، ولأنَّ الأوصياء من أعلاق الأنبياء، فلا يبلغ كُنههم المادحون وإن أطنَبوا، والواصفون وإنْ أسهَبوا؛ لأنّهم قد استغرقوا جميع صفات الكمال، وفازوا منها بأعلى القداح نصيباً حتى جلوا عن الأضراب والأمثال في جميع شؤونهم والأحوال، وقد روى إسحاق بن جعفر، فقال: سمعت أبي [الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)] يقول: "الأوصياء إذا حملت بهم أمّهاتهم أصابها فترة شبه الغشية، فأقامت في ذلك يومها ذلك إن كان نهاراً، أو ليلتها إن كان ليلاً، ثم ترى في منامها رجلاً يبشّرها بغلامٍ عليمٍ حليمٍ، فتفرح لذلك، ثم تنتبه من نومها، فتسمع من جانبها الأيمن في جانب البيت صوتاً يقول: حملت بخيرٍ، وتصيرين إلى خير، وجئت بخير، أبشري بغلامٍ حليمٍ عليمٍ، وتجد خفّة في بدنها، ثم لم تجد بعد ذلك امتناعاً من جنبيها وبطنها، فإذا كان لتسع من شهرها سمعت في البيت حسّاً شديداً، فإذا كانت الليلة التي تلِد فيها ظهَر لها في البيت نور تراه لا يراه غيرها إلّا أبوه،...، وكذلك الأنبياء إذا ولدوا، وإنّما الأوصياء أعلاقٌ من الأنبياء"[4].
 
بقيّة الله تعالى في أرضه
أيّها المؤمنون الأفاضل؛ لقد كان مولد الإمام عليّ بن موسى الرّضا (عليهما السلام) شبيه بمولد جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم). وكان حال أمّه الطاهرة إبّان ولادتها كحال السيّدة العظيمة آمنة بنت وهب (عليها السلام)[5]، لا تشكو وجعاً ولا مغصاً، ولا يعرض لها ما يعرض لذوات الحمل من النساء، وقد روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن علي بن ميثم، عن أبيه، قال: سمعت أمّي تقول: سمعت نجمة أم الرضا (عليه السلام) تقول: "لما حملت بابني علي، لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً؛ فلمّا وضعته وقع على الأرض، واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، يحرّك شفتيه كأنّه يتكلم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فقال لي: هنيئا لك يا نجمة كرامة ربّك، فناولته إياه في خرقة بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفرات فحنكه به، ثمّ ردّه إليّ، وقال: خذيه، فإنّه بقيّة الله تعالى في أرضه"[6].

يحقّ لكلّ العصور به الفخار، ولطيبة أن تتيه به على سائر الأمصار، فهو إمام الكل في الكل، لو حاول اللسان حصر أوصافه لعجز وكَلّ. إلّا إنّ ما يسعُني قوله؛ أنّ ولادته المقدّسة أشرقت أنوارها في الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة 148 من هجرة سيّد ولد عدنان[7]، في المدينة المنوّرة على ساكنها العظيم وأهل بيته أفضل الصلاة وأزكى السلام.
 
قرّة عين الإمام الكاظم
حمَل مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) ولده الرضا بيدَيه وقبّله، ومن ثم أذّن في أُذنه اليمنى، ثم أقام في اليسرى، وبذلك كان أوّل ما قرع سمْع الإمام الرضا عليه السلام صوت والده العظيم، وهو يملي في أذنيه بالكلمات المتضمّنة لكبرياء الربّ وعظمته، والشهادة بأنّه لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وسمّاه باسم جدّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو على يقين أنّه قد طابق الاسمَ مُسمّاه، وكاد أن ينطق بلفظه معناه، وقد لقّبه "الرضا"، وبأبي الحسن كنّاه، وهذا مضمون ما روي عن سليمان بن حفص بسند معتبر، أنه قال: كان موسى بن جعفر (عليه السلام) يسمّي ولده علياً الرضا، وكان يقول: أدعوا لي ولدي الرضا، وقلت لولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال: يا أبا الحسن"[8].

وروى الشيخ الصدوق بسند معتبر أيضاً، عن محمد بن زياد، أنه قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول - لما ولد الرضا (عليه السلام) -: إن ابني هذا ولد مختوناً، طاهراً مطهراً، وليس من الأئمة أحد يولد إلا مختوناً، طاهراً مطهراً، ولكن سنمر الموسى عليه لإصابة السنة، واتباع الحنيفية"[9].

وقال المفضل بن عمر: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وعلي ابنه (عليه السلام) في حجره وهو يقبّله، ويمصّ لسانه، ويضعه على عاتقه، ويضمّه إليه، ويقول:"بأبي أنت وأمي، ما أطيبَ ريحك، وأطهر خلقك، وأبْيَن فضلك". قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحد إلا لك! فقال لي: "يا مفضل، هو مني بمنزلتي من أبي (عليه السلام)" {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[10] [11].
 
من صفات الإمام الرضا (عليه السلام)
طلع في أفق الكمال بدره، وسما في سماء الجمال قدره، له نباهة تودّ النجوم الثوابت نَيْل عُلاها، وطلعة محيا يتمنّى البدر الوصول إلى سناها، وأوصاف ترقّت إلى أوْج الشرف، فقد حاز أشرف الفضائل، واحتوى على نخبة الشمائل، وتحلّى بالمجد والمكارم، فاعترف له بذلك الإمام الكاظم؛ في السنة التي قُبض عليه فيها، وحبسه هارون الرشيد، فقال:"إنّي أؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي سمي علي وعلي، فأمّا عليّ الأول، فعليّ بن أبي طالب، وأمّا عليّ الآخر، فعليّ بن الحسين - صلوات الله عليهم - أُعطي فهم الأول وحلمه ونصره، وورعه وورده ودينه، ومحنة الآخر، وصبره على ما يكره"[12].
 
عالم آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم
حدّث محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر، عن أبيه: أنّ الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام كان يقول لبنيه: هذا أخوكم عليّ بن موسى عالم آل محمّد (ص)، فاسألوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم"[13].

وروى محمد بن إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي الحسن الكاظم (عليه السلام): ألا تدلّني على من آخذ عنه ديني؟ فقال:"هذا ابني علي، إنّ أبي أخذ بيدي، فأدخلني إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لي: يا بني، إنّ الله جلّ وعلا قال:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }[14]، وإنّ الله إذا قال قولاً وفَى به"[15].
 
جلوس الرضا (ع) في المسجد النبويّ
انطلاقاً من مسجد جدّه المصطفى (ص) ومقام آبائه فيه؛ قام الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، بنفس الدور الرسالي الذي كان يقوم به آبائه الطاهرين رغم شدّة الظروف وصعوبتها في زمن بطش طواغيت بني العباس وولاته الظّلَمة، وتشريدهم لآل أبي طالب (عليهم السلام)، ومن أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإفشال سياسات الحكّام الظلَمة جلس الإمام الرضا (ع) في المسجد النبويّ لإملاء الحديث الشريف، وكان مرجعاً لعُمّار الحرم النبوي وزواره، "يفتي بمسجد رسول الله (ص) وهو ابن نيف وعشرين سنة"[16]، و"يسأله الناس، ومشايخ العلماء"[17].

وقد روى أبو الصّلت عبد السلام بن صالح الهروي، فقال سمعت عليّ بن موسى الرّضا عليهما السلام يقول: "كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم من مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم، وبعثوا إليّ بالمسائل، فأجيب عنها"[18].

وحدث أبو الحسين بن أبي مسعود الشعراني، عن أبي الحسين كاتب الفياض، عن أبيه قال: حضرنا مجلس الرضا، فشكى رجل أخاه، فأنشأ الرضا يقول:
اعذر أخاك على ذنوبه ... واستر وغطِّ على عيوبه
واصبر على بهت السفيه ... وللزمانِ على خطوبه
ودع الجواب تفضُّلاً ... وكِل الظلومَ إلى حسيبه
[19]
 
بَقِيَ الإمام الرضا (ع) مُلازماً للمسجد النبويّ الشريف؛ إلى أن أخرجه المأمون العباسي إلى مرو، فلمّا وصلها جعل من مسجدها الكبير مدرسة ومقرّاً وبيتاً له إلى آخر حياته المباركة.
 
قبسٌ من نور علمه (عليه السلام)
روي عن إبراهيم بن العباس الصولي أنّه قال:"ما رأيت الرضا يُسأل عن شيء قطّ إلاّ علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأوّل إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء، فيجيب فيه، وكان كلامه كلّه، وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن"[20].

يشهد لذلك مارواه صفوان بن يحيى قال: دخل أبو قرّة المحدّث على أبي الحسن الرّضا عليه السلام فسأله  عن أشياء من الحلال والحرام والأحكام والفرائض، حتى بلغ إلى التوحيد، فقال له أبو قرّة: إنّا روّينا أنّ الله تعالى قسّم الكلام والرؤية، فقسّم لموسى الكلام، ولمحمّد صلى الله عليه وآله الرؤية، فقال الرّضا عليه السلام: فمن المبلّغ عن الله تعالى إلى الثّقلين: الجنّ والإنس أنّه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء؟ أليس محمّداً عليه السلام نبيّاً صادقاً؟
قال: بلى، قال: فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً، فيخبرهم أنه جاء من عند الله تعالى يدعوهم إليه بأمره، ويقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شيء، ثم يقول:
سأراه بعينى وأحيط به علماً؛ أما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتى عن الله تعالى بشيء، ثم يأتى بخلافه من وجه آخر! قال أبو قرّة: فإنه يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى}، فقال عليه السلام: ما بعد هذه الآية يدلّ على ما رأى؛ حيث يقول: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}؛  يقول ما كذب فؤاد محمّد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال: {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}؛ ، وآيات الله غير الله، وقد قال الله تعالى:{ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}؛ ، فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم. فقال أبو قرّة: فأكذّب بالرؤية؟ فقال الرضا عليه السلام: إذن القرآن كذّبها، وما أجمع عليه المسلمون أنّه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء"[21].

وفي يوم من الأيام أُدخِلَ على المأمون رجلٌ نصراني قد وُجِدَ مع امرأةٍ هاشميةٍ، فلما أدخل عليه أسْلَمَ فغاظ المأمون ذلك غيظًا شديدًا، فاستفتى الفقهاء فكلٌّ قال: هدمَ إسلامُهُ ما فعلَه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، اكتب إلى علي بن موسى في هذا. قال: فكتب إليه فوافاهُ علي بن موسى، فقال: اضرب عنُقَهُ؛ فإنه إنما أسلمَ مخافةً من السيف، فقال الفقهاء: من أين لك هذا؟ قال: فقرأ علي بن موسى (ع): {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[22].

قال الراغب في المحاضرات: إن علي بن موسى الرضا (ع) كان عند المأمون فلمّا حضَر وقت الصلاة رأى الخدم يأتونه بالماء والطّست فقال الرضا (عليه السلام): لو تولّيت هذا بنفسك فإن الله تعالى يقول: فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمَل عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا"[23].
 
شهادة الإمام الرضا (عليه السلام)
قال أبي عبد الله الحاكم: "استشهد (الإمام) علي بن موسى الرضا بسناباذ من طوس لتسع بقين من شهر رمضان ليلة الجمعة من سنة ثلاث ومائتين، وهو ابن تسع وأربعين سنة وستّة أشهر؛ منها مع أبيه موسى تسعاً وعشرين سنة وشهرين، وبعد أبيه عشرين سنة وأربعة أشهر"[24].

وقال محمّد بن حبان: "ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إيّاها المأمون، فمات من ساعته، وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين"[25].

وقبره بسنا باذ خارج النوقان مشهور يزار قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامى بطوس، فزرت قبر على بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه، ودعوت الله إزالتها عنّي؛ إلّا أستجيب لي، وزالت عنّى تلك الشدّة، وهذا شيء جرّبته مراراً، فوجدته كذلك أماتنا الله على محبّة المصطفى وأهل بيته صلّى الله عليه وسلّم الله عليه، وعليهم أجمعين"[26].

[1] سورة يونس، الآيتان 57 و58.
[2] الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج1، ص24، طبعة 1، نشر جهان، طهران.
[3] مجموع ما اختاره الشريف الرضيُّ، أبي الحسن محمد بن الحسين الموسويّ، من كلام سيّدنا أمير المؤمنين عليّ (ع)، نهج البلاغة، ج1، ص185، شرح الشيخ محمد عبده، طبعة دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
[4] ثقة الإسلام الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج1، ص387 - 388، باب مواليد الأئمة (ع)، طبعة 4، دار الكتب الإسلامية، طهران، والأعلاق جمع العلق بالكسر، وهو النفيس من كلّ شيء، أي أشرف أولاد الأنبياء، أو خلقوا من أشرف أجزائهم وطينتهم، أو هم أشرف شيء اختاروه لأُمَمهم.
[5] جلال الدين عبد الرحمن السيّوطي، الخصائص الكبرى، ج 1، ص103، طبعة دار الكتب العلمية، 1405 ه.
[6] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرّضا (عليه السلام)، ج1، ص20.
[7] محمد بن الحسن الحر العاملي، إثبات الهداة، ج6، ص28، طبعة1، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، وإعلام الورى، ص315.
[8] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص13.
[9] محمّد بن عليّ بن بابويه القمي، كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص433، طبعة 2، الدار الإسلاميّة، طهران.
[10] سورة آل عمران، الآية 34.
[11] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص31.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص315، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا (عليه السلام).
[13] الطبرسي، إعلام الورى، ج2، ص64.
[14] سورة البقرة، الآية 30.
[15] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص249.
[16] أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج19، ص135، طبعة 1، دار الكتب العلمية، بيروت، وأبو المظفّر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ج1، ص649، طبعة 1، مكتبة الثقافة الدينية، مصر.
[17] البيهقي أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، القضاء والقدر، ج1، ص300، طبعة 1، مكتبة العبيكان، الرياض.
[18] الفضل بن الحسن الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص64، طبعة 1، مؤسّسة آل البيت (ع)، قم.
[19] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج19، ص137.
[20] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص179 و180.
[21] الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي، أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد، ج1، ص150، طبعة:1، دار إحياء الكتب العربيّة.
[22] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج19، ص137، ومحمّد بن علي بن محمّد بن عبد الله الشوكاني اليمني، الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني، ج10، ص4971، طبعة مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، اليمن.
[23] محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، روح المعاني، ج16، ص55، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت.
[24] الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج19، ص142.
[25] محمّد بن حبان بن أحمد بن حبّان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، الثقات، ج8، ص456 و457، طبعة 1، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند.
[26] محمد بن حبان، الثقات، ج8، ص457.

18-07-2018 | 15-26 د | 4024 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net