الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «من أصبح معافىً في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنمّا حيزت له الدنيا»[1].
أيّها الأحبّة،
يعيش بعض الناس حالةً من الكسل والخمول، نتيجةَ عدم قيامهم بأيّ نوع من أنواع النشاط الجسديّ، من رياضةٍ ومشيٍ وغير ذلك، ما يؤدّي إلى العديد من الآثار السلبيّة على الجسم والنّفس في آنٍ معاً، لما بينهما من ارتباطٍ وانفعال.
الصحّة البدنيّة في الإسلام
إنّ الصحّة البدنيّة من النّعم الإلهيّة العظيمة التي أنعم الله بها على الإنسان، يقول -تعالى-: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[2].
ولأنّ الجسد أمانة بين يدي الإنسان، فلا بدّ من أن يعامله معاملة حسنة، بأن يحفظه من السوء والضرر، وأن يقيَه من الأمراض المحتملة، وكذلك التغذية الصحيحة والسليمة، فذلك كلّه ممّا يحثّ عليه الدّين الإسلاميّ الحنيف ويدعو إليه.
أوّلاً: نظافة الجسد
أخذت النظافة حيّزاً واسعاً في روايات الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، حتّى عُدّت في بعضها من علامات الإيمان، كما عن الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «تنظّفوا بكلّ ما استطعتم، فإنّ الله -تعالى- بنى الإسلامَ على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلّا كلّ نظيف»[3].
وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله): «طهّروا هذه الأجساد، طهّركم الله، فإنّه ليس عبد يبيت طاهراً إلّا بات معه ملك في شعاره، ولا يتقلّب ساعةً من الليل إلّا قال: اللّهمّ اغفر لعبدك، فإنّه بات طاهراً[4]«.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تنظّفوا بالماء من النتن الرّيح الذي يُتأذّى به، تعهّدوا أنفسَكم، فإنّ الله -عزّ وجلّ- يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنّف به من جلس إليه»[5].
ثانياً: التغذية السليمة
ممّا أرشد إليه ديننا الحنيف في الاهتمام بالصحّة الجسديّة، التغذية السليمة، فثمّة العديد من الأحاديث الواردة عن المعصومين في الأطعمة والأشربة المفيدة والصحّيّة، مضافاً إلى الحكم العام الذي شدّد فيه الله -تعالى- على الالتزام به، ألا وهو عدم الإسراف في الطعام والشراب، إذ قال-سبحانه-: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُو﴾[6].
الحمية الغذائيّة
إنّ عدمَ الإسراف في الطعام والشراب تعبير آخر عن الحمية، إذ ورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «ليس الحمية أن تدع الشيء أصلاً لا تأكله، ولكن الحمية أن تأكل من الشيء وتخفّف»[7]، وهي تُعدُّ طريقاً أساسيّاً لحماية الجسم، مضافاً أيضاً إلى ما يرشد إليه المتخصّصون في علوم التغذية.
تحريم بعض الأطعمة والأشربة
أيضاً تحريمه -سبحانه وتعالى- لبعض الأطعمة والأشربة وغيرها من الأمور التي تندرج تحت عنوان الخبائث، قال -سبحانه-: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾[8].
ولا شكّ في أنّ الحكمةَ من تحريم مثل هذه الأمور تشمل ما ينتج عنها من أضرار جسيمة على الصحّة البدنيّة.
ثالثاً: المشي
لم يرِد في الأحاديث ما يتناول موضوع المشي بخصوصه من حيث كونه رياضة، وربّما يعود ذلك إلى أنّ المشي كان في الأزمنة السابقة أمراً مفروغاً منه، لعدم وجود وسائل النقل المتعارف عليها في هذا الزمن. وما ورد في المشي، فقد كان في آدابه، وكذلك ورد مقترِناً ببعض الأعمال الواجبة والمستحبّة، كالمشي إلى الحجّ أو المساجد، فهذه الأحاديث وإن لم تُشِر إلى المشي بخصوصه، إلّا أنّه يمكن لنا الاستفادة بأنّ لخصوص المشي ميزةً، فلا بدّ من أن يكون له فوائد تعود على الإنسان، فالإسلام كما هو معلوم لا يدعو إلى شيء ولا يحثّ على شيء، ما لم يكن فيه جوانب مفيدة للمكلَّف.
والحمد لله ربِّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، الخِصال، ص161.
[2] سورة إبراهيم، الآية 34.
[3] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3303.
[4] الشيخ النوريّ، مستدرك الوسائل، ج1، ص297.
[5] الشيخ الصّدوق، الخِصال، ص620.
[6] سورة الأعراف، الآية 31.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص291.
[8] سورة الأعراف، الآية 157.