أبعادٌ إنسانيّةٌ في شخصيّة الزهراء (عليها السلام)
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
أيّها الأحبّة،
إنّ دروساً عظيمة يمكن لنا أن نستقيَها من حياة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، التي زخرت مع قصرها بالمثل العليا، تجسّدت في فكرها وإيمانها وأفعالها، حتّى لُقّبت بأنبل الصفات الإنسانيّة والإيمانيّة.
إنّ من أبرز ما تجلّى في شخصيّتها المباركة، القيمَ الإنسانيّة، من الرّحمة والمحبّة والعطف وفعل الخيرات، والتي تُعَدُّ من علامات المؤمن الموالي الذي يتخلّق بأخلاق الله -سبحانه وتعالى-، والتي بتنا بأمسّ الحاجة إلى بثّها والحثّ عليها، في ظلّ اقتحام الثقافات المختلفة في المجتمع الإنسانيّ، والتي تعمل على تفكيك أواصر الحياة الاجتماعيّة الطيّبة التي ينبغي أن تكون بين النّاس، فقد أصبح الجفاء مكان اللّحمة، والقطيعة مكان الوصل، والحقد مكان المحبّة، وذلك كلّه وغيره، ناتج عن الارتباط بالدّنيا ومادّيّاتها. وقد سعى الإسلام، وما زال يسعى في الحثّ على الالتزام بتلك القيم من خلال تراثه الغنيّ في آيات كتابه الكريم وأحاديث النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وآله الأطهار (عليهم السلام) وسيرتهم العطرة، ومنهم سيّدة نساء العالمين (عليها السلام).
وممّا تجلّى في شخصيّة السيّدة الزهراء (عليها السلام) ما يأتي:
1. كانت (عليها السلام) البنتَ الحنون، التي تحنّ على أبيها وتعطف عليه، حتّى لُقِّبت ب«أمّ أبيها»[1]، لشدّة ما كانت عليه من الحنوّ والبرّ به (صلّى الله عليه وآله).
وفي ذلك درس عظيم لكلّ ابن وابنة في أن يكونوا على حذر تامّ في التعامل مع آبائهم، وأن يحذوا حذو سيّدتهم ومولاتهم (عليها السلام)، طبقاً لما يحبّه الله ويرضاه، من البرّ بالوالدين، وحسن العشرة معهما، وهو القائل -سبحانه-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾[2].
2. كذلك في حياتها مع زوجها، إذ كانت الزوجة الصالحة التي تحفظ حرمة الزّوج وحقوقه، حتّى قال فيها أمير المؤمنين (عليه السلام): «فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتّى قبضها الله -عزّ وجلّ-، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان»[3].
وفي إحدى مشاهد حياتها العائليّة كذلك، حيث كانت تطحن بيدها وهي تحمل أحد ولديها، وقد بان عليها التعب والإرهاق، فلمّا رآها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهي على هذا الحال، قال: «يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدّنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه، فأنزل الله: ﴿ولسوف يعطيك ربّك فترضى﴾»[4].
3. كذلك في شعورها بمن حولها، إذ كانت تعيش همّ الآخرين، وهو ممّا يتّصف به عباد الله المخلصون حيث يرَون من حولهم على أنّهم أخوة لهم في الدّين، وأنّ عليهم الشعور ببعضهم بعضاً في السرّاء والضرّاء، وأن يكونوا متآلفين متكاتفين، عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه، وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها»[5].
ومن مشاهد ذلك، أنّها (عليها السلام) كانت تدعو لجيرانها دون نفسها، فلمّا سألها ابنها الإمام الحسن (عليه السلام) عن ذلك، قالت: «يا بنيّ، الجار ثم الدّار»[6].
وأيضاً، لا نغفل عن ذكر دورها في قصّة الآية المباركة التي يقول فيها الله -تعالى-: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾[7]، فقد كانت أحد الذين شملتهم الآية المباركة.
وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على إنسانيّتها البالغة، ومدى اهتمامها في بناء مجتمع متماسك ومتكاتف معنويّاً وغير معنويّ.
فالسلام عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها.
والحمد لله ربِّ العالمين
[1] أبو الفرج الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين، ص29.
[2] سورة الإسراء، الآية 23.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج43، ص134.
[4] المصدر نفسه، ج43، ص86.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص166.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج43، ص82.
[7] سورة الإنسان، الآية 8.