الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ للعلماء مقاماً رفيعاً عند الله -تعالى-، لما لهم من دورٍ رساليّ في إرساء دعائم الدين، وحفظ المبادئ الإنسانيّة، والإصلاح بين الناس، وإرشادهم إلى طريق الحقّ والعدل، وذلك كلّه يرجع إلى ما يحملونه من علم ومعرفة منبثقة من كتاب الله وأحاديث الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).
هذا، وقد ورد العديد من الأحاديث التي تؤكّد منزلة العلماء وفضلهم، منها:
ما عن الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد؛ أمّا أهل العلم فدلَّوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأمّا أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل»[2].
وعن الإمام الصّادق (عليه السلام): «وإنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء؛ إنّ الأنبياءَ لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورِّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر»[3].
كذلك، فهم أمناء دين الله -عزَّ وجلّ-، يبذلون قصارى جهدهم في حفظه والذود عنه من شبهات المضلِّين والملحدين، الذين يصدّون عن سبيل الله بأفكارهم وأهوائهم الشيطانيّة، ويضلِّلون عبادَ الله المستضعفين، فيكون العلماءُ لهم دوماً بالمرصاد، كلٌّ من موقعه.
هذا الفضل وهذا المقام، إنّما هو لأولئك العاملين بعلمهم، الذين تذكّر رؤيتهم بالله -تعالى- واليوم الآخر، حتّى يصبحَ النظر في وجوههم عبادةً، كما عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكّرك بالآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة»[4].
سبب فضل العلماء
ولكن، ما السبب في ما هم عليه من فضل؟
عن الإمام الرّضا (عليه السلام): «يُقال للعابد يوم القيامة: نِعمَ الرجل كنت! هِمّتُك ذاتُ نفسِك، وكفيتَ الناس مؤنتك فادخل الجنّة. ألا إنّ الفقيهَ من أفاض على الناس خيرَه، وأنقذهم من أعدائهم، ويُقال للفقيه: يا أيّها الكافل لأيتام آل محمّد، الهادي لضعفاء محبّيهم ومواليهم، قِف حتّى يشفعَ لك من أخذ عنك أو تعلَّم منك»[5].
حقوق العلماء
من جدير القول، إنّ الدورَ الذي يلعبه علماء الدين في المجتمع، وما حباهم الله من فضل العلم والمقام، يستلزم في المقابل أن يكون الناس على دراية من احترامهم وتوقيرهم، وتقدير ما يقومون به من دور عظيم، ويرجع ذلك في الواقع إلى احترام الدين نفسه.
أمّا الذي يعمد إلى رمي السهام عليهم، بالغيبة والبهتان والسخرية وغير ذلك، كما يفعل بعض المحرومين من التعقّل والتقوى، إنّما هو طعنٌ بالدين نفسه، وإن كان بشكل غير مباشر.
لهذا، فقد ورد بعض ما يرشد إلى أدب التعامل مع العلماء، ومنها ما ورد في وصيّة لقمان الحكيم لابنه: «يا بُنيّ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتك؛ فإنّ الله -عزّ وجلّ- يُحيي القلوب بنور الحكمة كما يُحيي الأرض بوابل السماء»[6].
وعن الإمام عليّ زين العابدين (عليه السلام): «وأمّا حقّ سائسك بالعلم التعظيم له»[7].
لا بدّ من ملازمتهم لما في ذلك من نفع، بل يُعَدّ هجرهم وجفاؤهم من الخذلان، فقد ورد في دعاء أبي حمزة الثماليّ عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء، فخذلتني»[8].
في الختام، لا بدّ من تقديم التعزية والمواساة لكلّ الموالين وطلبة العلوم والمريدين والمحبّين، بوفاة العالم الجليل سماحة آية الله الشيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ (رضوان الله -تعالى- عليه)، الذي أفنى عمره في سبيل إنارة درب طلّاب العلم والمجتمع الإسلاميّ عامّة، تاركاً عدداً وافراً من الآثار العلميّة الجليلة، التي ستذخر بها المكتبة الإسلاميّة في علوم شتّى.
[1] سورة المجادلة، الآية 11.
[2] الفيض الكاشانيّ، المحجّة البيضاء، ج1، ص14.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص34.
[4] الزمخشريّ، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج4، ص71.
[5] ميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل، ج17، ص319.
[6] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص11.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص620.
[8] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص588.