الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ»[1].
أيّها الأحبّة،
هي السيّدة فاطمة (عليها السلام)، ربيبة خير خلق الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، نِعمَ البنت والسند والمحامي لدين الحقّ والعدل!
هي التي انطلقت (عليها السلام) في مسيرة حياتها على أساس هذين المبدأين، ليكون لها مواقف عظيمة، تجلّت في سيرتها وخطاباتها المدوّية، والتي أثبتت من خلالها أنّها النموذج الأرفع للمرأة المثال في هذا العالم عبر التاريخ.
ومن أبرز ما تجلّى في ذلك، مطالبتها بالحقّ، ومواجهة من يزيح عنه، سواءٌ أكان في صغير الأمور أم في كبيرها، فكيف إذا ما كان الأمر متعلّقاً بمصير الأمّة جمعاء، خاصّة بعد رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إذ كثُر الطامعون بالدّنيا، وقدّموها على آخرتهم، وهم في ذلك يَزيحون ويقصون الحقّ وأهلَه جانباً.
السيّدة فاطمة (عليها السلام) ترفع صوت الحقّ
فما كان من السيّدة فاطمة (عليها السلام) إلّا أن رفعت صوتها بما تمتلكه من علم ومكانة ومقام، ما جعل من خطبتها الفدكيّة خيرَ مثال لنهضتها بالحقّ، وهو ما يدعو إليه دوماً أحرار العالم ومستضعفوه، والمظلومون على وجه هذه البسيطة.
ولنا في ذلك أن نقول: إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) كانت أوّل امرأة في الإسلام تعلن هُويّة فكرها في رفع راية الحقّ ومواجهة الظلم.
ولم يكن ذلك إلّا تناغماً مع ما يبديه العقلُ السليم أوّلاً، وما أرشد إليه الإسلامُ ثانياً، من مواجهة الظلم والظالمين، عن الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أفضلُ الجهاد كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر»[2].
وكذلك رفضه الاستكانة والخنوع، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾[3].
أيضاً في حفظ الإنسان كرامته والذّود عنها، فإنّ الله -تعالى- لا يرضى له بأن يخضع للذلّ والهوان، قال -سبحانه-: ﴿ولقد كرّمنا بني آدم﴾[4].
وعن الإمام الصّادق (عليها السلام): «إنّ اللهَ -عزّ وجلّ- فوَّض إلى المؤمن أمورَه كلَّها، ولم يفوّضْ إليه أن يذلَّ نفسَه»[5].
حجج السيّدة الزهراء (عليها السلام) في بيان الحقّ
وقفت السيّدة الزهراء (عليها السلام) في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتخطبَ في المسلمين حول حقِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد تحدّثت مبيّنةً الحقَّ الذي لا بدّ من اتّباعه من خلال ما يأتي:
1- استخدمت (عليها السلام) منطقَ أولئك القومِ بما برّروا به ما جرى من أحداث، فقالتْ (عليها السلام): «ابتداراً زعمتُمْ خوفَ الفتنةِ، ألا في الفتنةِ سقطوا، وإنَّ جهنّمَ لَمحيطةٌ بالكافرينَ»[6].
2- أرشدتهم إلى الطريقِ الصحيحِ للوصولِ إلى الحقِّ، وذلك من خلالِ اتّباع كتابِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فقالتْ (عليها السلام): «وكتابُ اللهِ بين أظهركِم، أمورُه ظاهرةٌ، وأحكامُه زاهرةٌ، وأعلامُه باهرةٌ، وزواجرُه لايحةٌ، وأوامرُه واضحةٌ، قد خلّفتموه وراءَ ظهورِكم، أرغبةً عنه تريدون؟ أم بغيرِهِ تحكمون؟ بئس للظالمينَ بدلاً!»[7].
3- بيّنت مرجعيّةَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بوصفِه الأعلمَ بينهم، ما يحتّمُ عليهم الرجوعَ إليه، وأنَّهم لو اعتمدوا على أنفسِهم في الرجوعِ إلى القرآنِ لما اهتدَوا إلى الحقِّ، قالت (عليها السلام): «أفخصّكم اللهُ بآيةٍ (من القرآنِ) أخرجَ أبي محمّداً (صلى الله عليه وآله) منها؟ أم تقولون إنَّ أهلَ ملّتينِ لا يتوارثانِ؟ أَوَلستُ أنا وأبي من أهلِ ملّةٍ واحدةٍ؟ أم أنتم أعلمُ بخصوصِ القرآنِ وعمومِه من أبي وابنِ عمّي؟!»[8].
4- إنَّ العدالةَ الإلهيّةَ هي الحاكمةُ يوم القيامة، وهذا ما يستند إليه المؤمنون بالله واليوم الآخر، قالتْ (عليها السلام) في خطبتِها: «فنعمَ الحَكَمُ اللهُ، والزعيمُ محمّدٌ (صلّى الله عليه وآله)، والموعدُ القيامةُ، وعند الساعةِ يخسرُ المبطِلونَ، ولا ينفعُكم إذْ تندمونَ، ولكلِّ نبإٍ مستقرٌّ، وسوف تعلمونَ من يأتيه عذابٌ يخزيه، ويحلُّ عليه عذابٌ مقيم»[9].
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (عليه السلام)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى شهادتها (صلوات الله وسلامه عليها).
والسلام عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها.
والحمد لله ربِّ العالمين
[1] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة (خطب أمير المؤمنين (عليه السلام))، ص322.
[2] الأحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص432.
[3] سورة النساء، الآية 97.
[4] سورة الإسراء، الآية 70.
[5] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص156.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج29، ص225.
[7] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج1، ص137.
[8] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج1، ص139.
[9] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج1، ص139.