الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيِّدنا محمّد وآله الطاهرين.
﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ لشهر رمضان المبارك حرمات، لا بدّ للمؤمن من مراعاتها، كي لا يكدّر صومَه بما لا ينسجم مع هدفه المنشود، وكي لا يضيّع هذه الفرصة العظيمة في الارتقاء بين يدي الله -سبحانه-، فإنّ العملَ في هذا الشهر العظيم مضاعفٌ، وذلك كلّه من جود الله وكرمه وحبّه لعباده.
ومن ذلك أن يتخلّى عن السمات السيّئة، كالحقد والحسد والبغض في غير الله، وما شاكل ذلك.
ولأنّ المؤمنَ يتحرّى دوماً الأخلاق الحسنة والأفعال الحميدة، فإنّه ينظر إلى صفات الله، وما يحبّه ويرتضيه -سبحانه- لعباده، ليتّخذ منها منهجاً وعوناً في سلوك طريق الحقّ. وإنّ العفوَ هو من أجلّ ما أرشدنا إليه -جلّ وعلا-، وهو الذي وصف به نفسَه، وكان من صفاته الحسنى، قال -سبحانه-: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورا﴾[2]، وقال أيضاً: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيراً﴾[3].
وقد وعد الله -تعالى- في عدد من آياته المباركة بالعفو عمّن يعفو عن الآخرين ويصفح عنهم، فإنّه -سبحانه- يجازيه خيراً ويردّ له هذا الفعل بأحسن منه، بأن يعفو عنه ويغفر ذنوبه، وهذا يدلّ على تعظيم الله للعفو والصّفح بين النّاس، قال -سبحانه-: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[4].
شهر رمضان فرصة للتحلّي بالعفو
إنّ شهر رمضان فرصة عظيمة، كي يقوم المرء بتقويم ما عليه من صفات وعادات وأفعال، فيقدم على التخلّص والتخلّي ممّا هو سيّء.
وإذا كان الإنسان يطلب من الباري -تعالى- أن يعفو عنه ويتوب عليه، فحريٌّ به أن يتحلّى بهذه الصفة هو أيضاً، فيما بينه وبين الآخرين من أقرانه، فيعفو عمّن ظلمه، ويسامح من آذاه، ويبادل الإساءة بالمغفرة.
وفي شهر رمضان إرشادات عديدة تدعو إلى الوئام والسلام ونبذ الشحناء والضغينة بين النّاس، وأن يبذل المرء قصارى جهد في التحبّب والتودّد إلى الآخرين، ويرحم الكبير منهم والصغير، ويعطف على الفقير منهم والمسكين، وأن يصل أرحامه، ويعود مرضاه، وغير ذلك من إرشادات الشهر الكريم. وإنّ العفو هو من سنخيّة تلك الأفعال، إذ يدعو إلى بثّ الوئام بين المؤمنين ونبذ الأحقاد والضغائن، وهذا بنفسه من أعظم أثار العفو.
فضل العفو
ورد العديد من أحاديث المعصومين (عليهم السلام) التي تبرز فضل العفو وآثاره، ومن ذلك:
1. يزيد المرء عزّاًّ
ما عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): عليكم بالعفو؛ فانَّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّاً، فتعافوا يعزّكم الله»[5].
2. خير الأخلاق
عن الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «ألا أدلّكم على خير أخلاق الدّنيا والآخرة؛ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك»[6].
3. أثقل الأعمال ثواباً
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «شيئان لا يوزن ثوابهما: العفو والعدل»[7].
[1] سورة البقرة، الآية 286.
[2] سورة النساء، الآية 99.
[3] سورة النساء، الآية 149.
[4] سورة النّور، الآية 22.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص108.
[6] مصدر سابق، ج2، ص107.
[7] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص297.