الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1461 15 شوال 1442 هـ - الموافق 27 أيار 2021م

معركة أُحُد بين التخاذل والثبات

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال الله -تعالى-: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[1].

أيّها الأحبّة،
قد يكون التركيز في موقفٍ واحدٍ أو حادثةٍ واحدةٍ مرّت في تاريخنا الإسلاميّ، خاصّة تلك التي ترتبط بزمن النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ذا أثرٍ كبير ووقعٍ شديد، على صعيد التوعية وأخذ العِبر.

ومن أبرز ما ذُكر في تاريخ الإسلام، تلك الغزوات والمعارك التي خاضها النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وهي التي تميّز فيها الناسُ مراتب ودرجات، من حيث الإيمان والثبات والبصيرة والولاية... فمنهم من بقي ثابتاً لم يتزلزل، ومنهم من سقط في أهوائه، وهوى في آخر لحظة.

معركة أُحُد
من أبرز تلك المعارك والغزوات معركة أحد، إذ تستوقف القارئَ تلك الضربةُ الكبرى التي مُني بها المسلمون في هذه المعركة، بعد أن كان النصر حليفهم وبين أيديهم.

ما الذي غيّر المعادلة؟ وما سبب تلك الضربة؟ والجواب عن ذلك واضحٌ وبيّن، يمكن إيجازه بعبارة واحدة: حبّ الدّنيا وعدم الالتزام بالتكليف، وبعبارة أخرى: حبّ الدنيا وضعف الولاية.

إنّ بعض من كان يقاتل، وقد حمل السلاح ووقف وبذل جهداً، وربّما يكون ذلك منه بنيّة صادقة، هؤلاء أنفسهم امتحنوا في آخر تلك المعركة، فوقعوا في فخّ الطمع، وزلزل ذلك ثباتَهم على ما أُلزِموا به، فنسَوا تكليفَهم، وذهبوا مسرعين لنيل الغنائم.

هذا يعني أنّ الامتحانَ لا ينتهي بمجرّد قيام المرء بعملٍ ما، وإن كان جبّاراً، بل ربّما كان أعظم امتحان له في أخفى الأمور وأبسطها، والتي قد لا نحسب لها حساباً، إذ يُمتحن في هذا الاختبار قلبُ المرء، أيثبت على الحقّ والتكليف أم تسوقه أطماعُ نفسه وأهواؤها إلى ترك كلّ ما بذله من عمل حسن، وتضيعه بشيء بسيط لا قيمة له في معايير الولاية والآخرة وموازينهما؟

إنّ المشكلة الأساس التي وقع فيها أولئك الذين تخاذلوا في آخر المعركة، هي أنّهم طمعوا ببعضٍ من حطام الدّنيا، فاشرأبّت أعناقهم للغنائم، ما جعلهم غافلين عن واجبهم في أداء تكليفهم. وأيّما تكليف يا ترى! إنّه تكليف مباشر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأن يبقَوا في أماكنهم، ولا يبرحوها مهما كان الأمر، وهذا قوله (صلّى الله عليه وآله): «إن رأيتمونا قد هزمناهم حتّى أدخلناهم مكّة، فلا تبرحوا من هذا المكان، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة، فلا تبرحوا، والزموا مراكزكم»[2].

وبذلك يكون الطمع وحبّ الدّنيا، وكذلك عدم الولاية المطلقة، سبباً للتخاذل والتهاون في أداء التكليف، وهذا أمر بديهيّ وسهلٌ حدوثه عند كلّ من لا يهذّب نفسه من حبّ الدّنيا وأطماعها، فمآل من يكون كذلك أن يخفق في مثل تلك الامتحانات، وقد ورد الكثير من الأحاديث التي يحذّر فيها المعصومون (عليهم السلام) من الطمع وحبّ الدّنيا، منها ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَة[3]«.

وأيضاً عنه (عليه السلام) في وصيّته أحدَ أصحابه، يحذّر فيها من الدّنيا قائلاً: «فارفض الدّنيا؛ فإنّ حبّ الدنيا يُعمي ويصمّ ويبكم ويذلّ الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غداً وبعد غد[4]«.

الثابتون
في المقابل، ثمّة من ثبت مع النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى آخر لحظة، واستمرّ في الذود والدفاع عنه، حتّى قيل إنّه لم يبقَ سواه بين يدي النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، بعد أن قُتِل عبد الله بين جبير قائد فرقة الرّماة في معركة أحد، ألا وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي نزل بحقّه ما نزل به جبرائيل منادياً، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «نظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى جبرائيل بين السماء والأرض [...] وهو يقول: «لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ»[5].

أمّا الآخرون، فقد ذكرت كتب التاريخ أنّهم فرّوا، ولم يصمدوا مع النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله).

وهذا يعني، أنّ الامتحان لم يقف عند الرّماة المتخاذلين عن أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، إنّما يشمل أيضاً أولئك الذين أصابهم الجبن والضعف.

مقاربة الحاضر بالماضي
من مثل هذه الواقعة وما جرى فيها، ندرك تماماً أنّه ثمّة قاعدة مطّردة لا تنفكّ البتّة، ولا تتغيّر مع تقادم الزمن، وهي أنّ حبّ الدنيا والطمع يحول بين المرء والحقّ، ولا يمكن أن يجتمعا، فمن طمع لا بدّ من أن يخفق يوماً، كما يحدث مع الكثيرين في هذا الزمن، حيث يخذلون قضايا الأمّة المصيريّة، طمعاً بكرسيّ سلطة هنا أو حفنة من مال هناك، ويتركون أبناء أمّتهم يُقتلون ويُشرّدون ويُنكّل بهم، وهم ينظرون، كما يُفعل بأبناء فلسطين واليمن في هذه الأيّام.

مضافاً أيضاً إلى أولئك الذين يخالفون أوامر قادتهم، ممّن لهم الولاية عليهم، إذ قد يصل بهم الحال إلى أن يعترضوا من دون وجه حقّ أو يقوموا ببثّ البلبة وغير ذلك، لمجرّد أنّ قراراً ما أو موقفاً ما لا ينسجم مع أهوائهم وميولاتهم.

مثل هؤلاء وهؤلاء كمثل الذين خالفوا أمر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، قد أخذت الدنيا منهم مأخذها، وأظهرت ضعف ما في نفوسهم.


[1]  سورة النساء، الآية 59.
[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج20، ص49.
[3]  نهج البلاغة، ص402.
[4]  الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 136.
[5]  المصدر نفسه، ج8، ص 110.

26-05-2021 | 23-30 د | 1110 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net