الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1549 11 رجب 1444 هـ - الموافق 02شباط 2023م

حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) خطّ الإيثار

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك في هذه الأيّام الرجبيّة المباركة، بذكرى ولادة وصيّ رسول ربّ العالمين، إمام المتّقين، أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالبٍ (صلوات الله وسلامه عليه)، في الثالث عشر من شهر رجبٍ الأصبّ.

إنّ حياةَ أمير المؤمنين (عليه السلام) مدرسةٌ خالدةٌ للأجيال البشريّة كلّها؛ مدرسةٌ في علمه وعمله، في عبادته، في إيمانه، في ارتباطه بالله، في عدالته، في زهده، في جهاده... إنّها مدرسةٌ في التضحية والإيثار؛ فمنذ الساعات الأولى لنزول الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في غار حراء، وحتّى الساعات الأخيرة له (عليه السلام) في محراب مسجد الكوفة، لم يتوقّف أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الجهاد في طريق إقامة النظام الإسلاميّ، ثمّ الحفاظ عليه، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) عن هذه الحياة الشريفة: «منذ سنّ العاشرة وحتّى سنّ الـ 63، يُرى أنّ هناك خطّاً واحداً مستمرّاً، يشرح ويُبيّن حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو خطّ الإيثار»[1].

المرحلة الأولى: مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
في البداية، وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى جانب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أصعب المواطن وأشدّها، مدّة 13 سنة في مكّة المكرّمة، خُتِمَت بمبيته (عليه السلام) في فراش رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ عشر سنوات في المدينة المنوّرة، حيث المواجهات الدائمة والمعارك المتواصلة لحكومة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، من معركة بدر الكبرى إلى فتح مكّة المكرّمة.

في هذه المراحل كلّها، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أكثر الناس تضحيةً وثباتاً وفداءً واستعداداً للشهادة بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو القائل عن هذه المرحلة: «ولَقَدْ وَاسَيْتُه بِنَفْسِي، فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأَبْطَالُ، وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ»[2].

المرحلة الثانية: مرحلة السكوت والتعاون
ثمّ حضرت الوفاةُ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) وبدأت المرحلة الثانية من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي المرحلة الأشدّ والأصعب عليه، والّتي يقول عنها الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ أشدّ مراحل حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، قد بدأت في هذه السنوات الثلاثين، أي بعد انتهاء عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وارتحاله عن هذه الدنيا»[3].

في ظلّ مثل هذه الظروف، وفي هذه الأيّام العصيبة الّتي انحرفت فيها الأمّة عن المسار الّذي رسمه لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، نجح أمير المؤمنين (عليه السلام) في أعظم امتحانات الإيثار أيضاً؛ فبعد أن استقرّت مسألة الخلافة لغيره (عليه السلام)، سعى في الأيّام الأولى لإحقاق الحقّ واسترداده، محاولاً ثني الأمّة عمّا وقعت فيه، ولكن قُضي الأمر، وفُقِد الناصر والمعين، فلم يستطع تغيير ما حصل.

هنا، وعلى الرغم من تخلّف الأمّة وانقلابها على وصيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعترته وأهل بيته (عليهم السلام)، لم يقم أمير المؤمنين (عليه السلام) بأيّ تهديد للجهاز الحاكم آنذاك، ولم يشكّل خطراً أو ينقلب عليه، بل ثبّت قاعدةً وأولويّةً، مفادها حفظ الإسلام وسلامة أمور المسلمين ووحدتهم، فهو القائل (عليه السلام): «وَاللَّه، لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ»[4]، فعلى الرغم من أحقّيّته بالخلافة، وعلى الرغم من علمهم بهذا الحقّ: «لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي»[5]، كانت سياسته (عليه السلام) في هذه المرحلة عدم المواجهة والمعارضة، بل تحمّل هذه المظلوميّة، ما دام أنّ الظلمَ واقعٌ عليه فقط، إذ يقول (عليه السلام): «ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً»[6]، فإنّني لن أقوم بأيّ عملٍ ولن أعارض أبداً؛ «الْتِمَاساً لأَجْرِ ذَلِكَ وفَضْلِه، وزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوه مِنْ زُخْرُفِه وزِبْرِجِه»[7].

لقد كان (عليه السلام) في هذه المرحلة، لمدّة 25 سنة، في موقعيّة الوزارة، يخدم الأهداف العامّة والكلّيّة للنظام الإسلاميّ، ويُعين من كان على رأس الأمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيث يلزم ذلك، وهذا من أعظم مشاهد الإيثار. لقد كان زاهداً في حطام الدنيا، نابذاً الأنا، حتّى بعد مقتل الخليفة الثالث، وتوافد الناس عليه مبايعين له بالخلافة، قال زاهداً فيها: «وإِنْ تَرَكْتُمُونِي، فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ، ولَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوه أَمْرَكُمْ، وأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً»[8].

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «لا يُمكن أن نُشاهد في أمير المؤمنين (عليه السلام) أيَّ حالة من الإنّيّة وحبّ الذات ومشاعر الأنا الّتي يُمكن أن توجد في كلّ فرد من الناس. فبعد أن قُتِل عثمان، كان من الممكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن ينزل إلى الميدان كوجهٍ، وكشخصٍ انتهازيّ، ومدّعٍ لخلاص المجتمع، ويقول: أيّها الناس، ها أنتم قد ارتحتم أخيراً، وتخلّصتم من المشكلة، وكان الناس سيُحبّونه، لكنّه لم يفعل، فبعد حادثة عثمان، لم يتحرّك أمير المؤمنين (عليه السلام) نحو السلطة والإمساك بالحكومة. فما أعظم هذه الروح: «دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي»[9]... لكنّ الناس لم يقبلوا، ولم يستطيعوا أن ينتخبوا شخصاً آخر للحكومة غير أمير المؤمنين»[10].

المرحلة الثالثة: مرحلة الخلافة
نعم، لقد بايع الناس أمير المؤمنين (عليه السلام)، الناس كلّ الناس، جميع الأقطار الإسلاميّة، ما عدا بلاد الشام، وقبل أن يُبايعوه حذّرهم قائلاً: «واعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ، رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ»[11]؛ أي إنّني لن أراعي أيّاً من الوجوه والشخصيّات المعروفة، ولن أتّبع فلاناً وأقلّد فلاناً، بل سأقود المسيرة بعلمي وتشخيصي، وبهذا يكون (عليه السلام) قد أتمّ الحجّة على الناس وقَبِل بالخلافة.

نعم، لقد أصرّ على الأصول الإسلاميّة والقيم الإنسانيّة، مطبّقاً العدالة الفعليّة؛ الأمر الّذي أدّى إلى اصطفاف الأعداء في وجهه، من الناكثين أولئك الوجهاء والشخصيّات المعتبرة، إلى القاسطين أصحاب المال والقهر والتزوير، إلى المارقين المتظاهرين بالقداسة والتعبّد، الجاهلين بحقيقة الإسلام وروحه.

لقد قاتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في ثلاثة معسكرات منفصلة، مؤدّياً تكليفه الإلهيّ، مانعاً أيّ تدخّل للمشاعر الشخصيّة والمنافع الذاتيّة، واستشهد في النهاية على هذا الطريق، حتّى قيل بشأنه: إنّ عدل عليّ (عليه السلام) قد قتله؛ أي إنّه لو لم يطلب العدالة، واستبدل بها رعاية هذا وذاك، وقدّم المصالح الشخصيّة على المصالح العامّة، لما واجه أيّ معارضة وتمرّد، لكنّه (عليه السلام) كان في الواقع ميزان الحقّ، وكانت حكومته تجسيداً للحكومة الإلهيّة، وتجسيداً للعدل المطلق.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «هذه الآية الشريفة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾[12]، نزلت في أمير المؤمنين، وتأويل هذه الآية هو عليّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام)... ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي﴾ أي يبيع نفسه، ويُقدّم وجوده ﴿ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾؛ أي إنّه لا يوجد أيّ مقصدٍ دنيويّ أو أيّ دافعٍ ذاتيّ، بل فقط وفقط جلب رضا الله. وفي مقابل مثل هذا الإيثار وهذه التضحية، فإنّ الله لا يُمكن أن يكون من دون ردّ فعل يُناسبها،  ﴿وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾، ومصداقه الكامل هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)»[13].


[1] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص78.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص311، الخطبة 197.
[3] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص81.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص102، الخطبة 73.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.
[7] المصدر نفسه.
[8] المصدر نفسه، ص136، الخطبة 92.
[9] المصدر نفسه.
[10] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص85.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص136، الخطبة 92.
[12] سورة البقرة، الآية 207.
[13] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص77.

02-02-2023 | 21-35 د | 836 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net