بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأمّا حقّ الزوجة، فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أنّ ذلك نعمةٌ من الله عزّ وجلّ عليك، فتكرمها، وتَرفَق بها، وإن كان حقُّك عليها أوجب، فإنّ لها عليك أن ترحمَها؛ لأنّها أسيرُك، وتطعمَها، وتكسوَها، وإذا جهلَت عفوتَ عنها»[1].
حدّد الإمام السجّاد (عليه السلام) في كلامه الحقوقَ الأساسيّة لأفراد الأسرة بمكوّناتها الرئيسة، الزوج والزوجة والأولاد؛ وذلك حرصاً حياة زوجيّة سليمة، يعيش فيها الزوجان بتناغمٍ وتفاهمٍ ووئام، فتسودها المودّة والرحمة والصفاء، ويحرصان على أن يكون رضا الله هو الهدف الحاكم على سير الحياة الزوجيّة بينهما، فيصبر كلٌّ منهما على الآخر، ويتعاونان في ما بينهما، باذلين أقصى الجهود لحلّ المشاكل التي تعرض في الحياة على أسرتهما، ومنع تفاقمها، عاملين على تنشئة ذرّيّة صالحة تكون عوناً لهما في الدنيا، واستمراراً لأجرهما بعد رحيلهما عنها.
ولأنّ الإسلام أكرم المرأةَ وأعزَّها، وطلب من الزوج أن يعاشرها بالمعروف، وأن يُحسن صحبتَها، بدأنا بما ذكره الإمام زين العابدين (عليه السلام) من حقوقٍ لها على زوجها.
أوّلاً: الزوجة سكنٌ وأنس
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2].
خلق الله الأزواج لهذه الغاية، ألا وهي السكينة الروحيّة والهدوء النفسيّ. وهذا السكن أو الاطمئنان ينشأ من أنّ هذين الجنسين يُكملان بعضهما بعضاً، بحيث يُعَدّ كلٌّ منهما ناقصاً من دون الآخر. وقد حرصت الشريعة الإسلاميّة على إرساء أفضل العلاقات العاطفيّة والأخلاقيّة بين الزوجين، إذ إنّ الاطمئنان أو السكن، واستمرار العلاقة بين الزوجين، يحتاج إلى جذبٍ قلبيٍّ وروحانيّ؛ لذا عقّب الله تعالى في الآية بعد جملة ﴿لِتَسْكُنُو﴾ بـِ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. وإنّه ليس ثمّة فائدة بعد الإسلام من زوجة صالحة تسرّ زوجَها إذا نظر إليها، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): «قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ما استفاد امرؤ مسلم فائدةً بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة؛ تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»[3].
ثانياً: إكرام الزوجة والرفق بها
من حقّ الزوجة على زوجها أن يعاملها بخُلُقٍ حسن، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودّة والرحمة داخل الأسرة، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها»[4].
وقد حثّ الإسلام على توثيق روابط المودّة والمحبّة، فأمر بالعشرة بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً﴾[5].
ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارِها على كلِّ حال، وأحسِن الصحبةَ لها، ليصفوَ عيشُك»[6].
قال رسول الله: «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[7]، وقال (صلّى الله عليه وآله): «ومَن اتّخذ زوجة، فَلْيُكرِمْها»[8].
كما ونهى (صلّى الله عليه وآله) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال (صلّى الله عليه وآله): «حقّكِ عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك»[9].
ثالثاً: النفقة
جعل الله تعالى النفقة من الحقوق التي يتوقّف عليها حقّ القيمومة للرجل، كما جاء في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾[10]. وقد شدّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على هذا الواجب، حتّى جعل المقصِّر في أدائه ملعوناً، فقال (صلّى الله عليه وآله): «ملعون ملعون مَن يضيّع مَن يعول»[11].
والنفقة الواجبة هي الإطعام والكسوة، وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج، سأل أحدُهم الإمامَ الصادقَ (عليه السلام): ما حقّ المرأة على زوجها، قال: «يسدّ جوعتها، ويستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلك فقد والله أدّى حقّها»[12].
رابعاً: الرحمة والعفو عن الإساءة
من الأمور المستحبّة، والتي أكّدتها الروايات أن يصبر المرء على إساءة الزوجة، قولاً كانت أم فعلاً، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة»[13]. وحثّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الزوج على الصبر على سوء أخلاق الزوجة، فقال: «مَن صبر على سوء خُلق امرأته، أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيّوب على بلائه»، وكذا الأمر في صبر الزوجة على سوء خُلق زوجها، فيقول (صلّى الله عليه وآله) في الحديث نفسه أيضاً: «ومَن صبرَت على سوء خلق زوجها، أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم»[14]؛ إذ إنّ أولى الناس بالعفو والتجاوز هم عيال المرء وأهله، وقد أراد الله تعالى لهذه الأسرة أن تعيش حالة الوئام والمحبّة، وممّا لا شكّ فيه أنّ التسامح بينهما يزيل الكثير من العقبات والعوائق.
واجبات الزوجة
بعد هذا البيان لحقوق المرأة على زوجها، تنبغي الإشارة أيضاً إلى واجباتها تجاهه، وفي ما يأتي نذكر أهمّها:
1. عدم فعل ما يسخطه ويؤلمه في ما يتعلّق بالحقوق العائدة إليه، كإدخال بيته من يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو إسماعه كلمات غير لائقة، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها، لم يقبل الله عزّ وجلّ منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتّى ترضيَه»[15]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ، لم تُقبَل منها صلاة حتّى يرضى عنها»[16].
2. حرمة هجرانه من دون مبرّر شرعيّ، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة، حُشِرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار، إلّا أن تتوب وترجع»[17].
3. حُسن التبعّل: فقد أكّدت الروايات على مراعاة حقّ الزوج، والعمل على إدامة أواصر الحبّ والوئام، وخلق أجواء الانسجام والمعاشرة الحسنة داخل الأسرة، عن الإمام الباقر (عليه السلام) «جِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ»[18]، وعن رسول (صلّى الله عليه وآله): «لا تؤدّي المرأة حقّ الله عزَّ وجلَّ حتّى تؤدّي حقّ زوجها»[19].
4. عدم تكليفه بما لا يطيق: قال (صلّى الله عليه وآله): «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة، وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته»[20].
5. استقبال الزوج وإرضاؤه: قال (صلّى الله عليه وآله): «حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج، وإصلاح الطعام، وأن تستقبله عند باب بيتها، فترحّب به...»[21]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت، قالت لزوجها: يدي في يدك، لا أكتحل بغمضٍ حتّى ترضى عنّي»[22].
[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص621.
[2] سورة الروم، الآية 21.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص327.
[4] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص323.
[5] سورة النساء، الآية 19.
[6] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ض556.
[7] المصدر نفسه، ج3، ص443.
[8] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، ج2، ص158.
[9] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص218.
[10] سورة النساء، الآية 34.
[11] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص168.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص511.
[13] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص216.
[14] المصدر نفسه، ص214.
[15] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص15.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص507.
[17] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص202.
[18] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص494، الحكمة 136.
[19] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص215.
[20] المصدر نفسه، ص202.
[21] المصدر نفسه، ص214.
[22] المصدر نفسه، ص200.