بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التبريك بقدوم شهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، شهر شعبان، وبولادة سبطه وريحانته سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (عليه السلام).
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أُعطيَتْ هذه الأمّةُ ثلاثةَ أشهرٍ لم يُعطَها أحدٌ من الأمم: رجب وشعبان وشهر رمضان»[1].
ها قد أظلّنا شهرُ شعبان، من أشرف شهور السنة، شهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فيه تتشعّب الخيرات، وتتضاعف الحسنات، وتزداد أرزاق المؤمنين... السيّئة فيه محطوطة، والذنب مغفور، ينظر الله تعالى فيه إلى صُوّامه وقوّامه، ويباهي بهم حملةَ عرشه.
لقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حريصاً على العبادة والطاعة في هذه الأيّام المباركة، تمهيداً لشهر رمضان المبارك، وتدريباً للنفس على طاعاته وأعماله، ولما لها من فضائل لا تُعَوّض وخصائص لا تُضاهى، وحسنات لا تُعَدّ ولا تُحصى، وينبغي للمرء اغتنامُها، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، وهو القائل: «شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري»[2].
ومن أهمّ الأعمال التي ينبغي الاهتمام بها، وعدم تضييعِها:
أوّلاً: الصوم
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «سمعتُ أبي قال: كان أبي زين العابدين (عليه السلام) إذا هلّ شعبان، جمع أصحابه، فقال: معاشرَ أصحابي، أتدرون أيُّ شهر هذا؟ هذا شهر شعبان، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: شعبان شهري؛ ألا فصوموا فيه محبّةً لنبيِّكم، وتقرُّباً إلى ربّكم، فوالذي نفسُ عليّ بن الحسين بيدِه، لَسمعتُ أبي الحسين بن عليّ يقول: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: مَن صام شعبان محبّةَ نبيِّ الله (عليه السلام)، وتقرُّباً إلى الله عزّ وجلّ، أحبَّه الله عزّ وجلّ، وقرّبه من كرامته يوم القيامة، وأوجَب له الجنّة»[3].
ولقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُكثِر من الصوم في هذا الشهر الشريف، ويقول: «هو شهرٌ يغفل الناسُ عنه، بين رجب وشهر رمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربّ العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم»[4].
ثانياً: الاستغفار
فقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام): ما أفضل الدعاء في هذا الشهر؟ فقال: «الاستغفار؛ إنّ مَن استغفر في شعبان كلّ يومٍ سبعين مرّة، كان كمن استغفر في غيره من الشهور سبعين ألف مرّة»، قال السائل: فكيف أقول؟ قال: قُل: «أستغفر الله وأسأله التوبة»[5].
شعبان مولد ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
وقد أعظم اللهُ تعالى هذه الأيّامَ المباركةَ قدراً، وزادها تكريماً وشرفاً، بالولادة الميمونة لسيّد شباب أهل الجنّة، الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شعبان، من السنة الرابعة من الهجرة.
وعند ولادته المباركة أخذه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحملَه بين ذراعيه، وقبّله، ثمّ حنّكه، وسمّاه حُسيناً، وقال فيه: «حسينٌ منّي، وأنا من حسين، أَحَبَّ اللهُ من أحبَّ حسيناً، حسينٌ سبط من الأسباط»[6].
وأنا من حسين
إنّ هذه الأيّام المباركة، مع ما تحمله من فضائل وكرامات وشعائر عظيمة، لم تكن لتبقى وتُحفَظ، لولا قيام الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ إنّ الانحرافَ الذي حصل في المجتمع آنذاك كان انحرافاً خيف منه على أصل الإسلام ووجوده ومبادئه، وهذا ما يشير إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قوله: «وأنا من حسين»، فالإمام الحسين (عليه السلام) حفظ دينَ جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولولا دم الإمام الحسين (عليه السلام) لما بقيَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولَخمُد ذكره، وضاعَت جهودُه، وهذا ما يشير إليه أيضاً الإمام زين العابدين (عليه السلام)، حين استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وقال: يا عليُّ بن الحسين، مَن غلَبَ؟ وهو مُغطّى رأسه، وهو في المحمل، فقال له عليُّ بن الحسين: «إذا أردتَ أن تعلم مَن غلَبَ، ودخل وقتُ الصلاة، فأذِّن ثمّ أقِم»[7]؛ أي عندما يرتفع صوت المؤذِّن منادياً: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسولُ الله، تعلم مَن المنتصر واقعاً في هذه المعركة؛ فالانتصار كان ببقاء الدين المحمّديّ الأصيل واستمراره؛ ولهذا الهدف كان قيام الإمام الحسين (عليه السلام).
الخروج من المدينة والوصول إلى مكّة
ولقد كان خروجُه (عليه السلام) من مدينة جدِّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مثل هذا اليوم، أي في اليوم الثامن والعشرين من شهر رجب، فسار إلى مكّة وهو يقرأ: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[8]، ولزم الطريقَ الأعظم... ولمّا دخل الإمام الحسينُ (عليه السلام) مكّة، كان دخولُه إليها ليلة الجمعة، لثلاثٍ مضَيْن من شعبان، دخلها وهو يقرأ: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[9]-[10].
ولقد أشار الإمام الحسين (عليه السلام) في إحدى رسائله إلى الهدف الأساس لخروجه، إذ يقول: «وأنّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاح في أمّةِ جدّي (صلّى الله عليه وآله)، أريد أن آمرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسيرَ بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب»[11].
إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد استقى طريقه وصموده وإرادته من جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، فهذا النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يقول لعمّه أبي طالب (عليه السلام): «يا عمّاه، لو وضعتَ الشمس في يميني والقمرَ في شمالي، ما تركتُ هذا القول حتّى أنفّذه أو أُقتَل دونه»[12]، والإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يقول: «ألا وإنّ الدعيَّ بنَ الدعيّ، قد ركز بين اثنتين: السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة»[13].
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «ما قام به الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) في كربلاء، يمكن تشبيهه ومقارنته بما فعله جدُّه الأطهر محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) في البعثة؛ كما أنّ الرسول الأكرم واجه العالمَ لوحدِه هناك، فإنّ الإمام الحسين واجه وحيداً أيضاً في كربلاء عالماً بأكمله، لم يخشَ ذلك العظيمُ شيئاً، وصمد وتقدّم. الحركة النبويّة والحركة الحسينيّة أشبه بدائرةٍ متّحدة المركز، يصبّان في اتّجاهٍ واحد؛ وهنا تكتسبُ «حسينٌ منّي وأنا من حسين» معناها»[14].
[1] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص230.
[2] الشيخ المفيد، المقنعة، ص370.
[3] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص61.
[4] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص61.
[5] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص56.
[6] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص116.
[7] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص677.
[8] سورة القصص، الآية 21.
[9] سورة القصص، الآية 22.
[10] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص35.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص329.
[12] ابن شهر آشوب، مقاتل آل أبي طالب، ج1، ص53.
[13] ابن نما الحلّيّ، مثير الأحزان، ص40.
[14] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 14/12/1996م.