قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾1 .
مما يتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه الآية الكريمة سؤال تمليه الجملة المتوسطة لها وهي ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وهذا السؤال هو: ما هو هذا الأمر الذي يتوجس منه رسول الله صلى الله عليه واله لتأتي الطمأنة الإلهية؟ ولكي نعرف الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من الإجابة على سؤال آخر، ما هو الأمر المهم الذي يأمر الله رسوله بابلاغه للناس؟ خاصة إذا ما عرفنا أن الآية نزلت في أواخر عمره الشريف وفي حجة الوداع.
إن أسلوب هذه الآية يكاد يكون فريداً بين آيات القرآن، فهي تتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه واله مباشرة بمهمة خاصة به دون غيره ولا يشترك معه أحد فيها، فتبين واجباً مرتبطاً بالمهمة وهي كونه رسولاً، وبالظروف وهي كونه قد أبلغ الرسالة، وأنه أشرف على اللحاق بالله تعالى، ثم تحذرّ الآية معتبرة إبلاغ المأمور به يساوي كل جهد النبي صلى الله عليه واله طيلة حياته الشريفة، بل كأن القيام بهذا الإبلاغ هو الحافظ لهذا الجهد ولثمرته، وفي ختام الآية إنذار وتهديد لمن يذكرون هذه الرسالة ويعاندون في قبولها حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
وهذا ينبيء أن الأمر المأمور بإبلاغه حيويٌ وأساسيٌ ومركزي ورئيسي وعلى درجة عالية من الأهمية والخطورة؛ وبالتأمل مع الأخذ بزمن نزول الآية أواخر حياته صلى الله عليه واله الشريفة. فإن المناسب أن يكون المأمور به هو أمر له علاقة بتدبير إلهي لحفظ جهود النبي صلى الله عليه واله واستثمارها وحفظ الأمّة ودينها بعد رحلته إلى بارئه، وهو الإمامة التي تضمن مستقبل الإسلام، والذي أملا هذا التشديد الإلهي لعله أمور استجدَّت في الشهور الأخيرة جعلت رسول الله صلى الله عليه واله قلقاً لا على شخصه ولا على حياته وهو العارف بقرب خفوقه من بين أظهر المسلمين، وإنما على مستقبل الإسلام والمسلمين؛ وقد كان هذا التشديد لأن الأمر يتعلق بمصير ومستقبل الدين والأمة، حيث يتضح أن ثمّة معارضة شديدة ومعارضين أشداء يخشى معها حتى على رسول الله صلى الله عليه واله مقاماً وأثراً وإرثاً لتأتي الطمأنة الإلهية ـ أنه بنفس هذا التدبير كما يحفظ الدين وأهله يحفظ الرسول الأكرم صلى الله عليه واله .
1-المائدة:67