تصدير الموضوع:مما ورد في دعاء الإفتتاح: "فَكَمْ يا اِلهي مِنْ كُرْبَة قَدْ فَرَّجْتَها وَهُمُوم قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَة قَدْ اَقَلْتَها، وَرَحْمَة قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاء قَدْ فَكَكْتَها"1.
الهدف: تعزيز العلاقة بالله تعالى من خلال إلفات النظر إلى النعم اللامتناهية التي تحيط بالإنسان والتي كثيراً ما يغفل عنها.
مقدمة
أكّد القرآن الكريم أن العطاء الإلهي شمل كل حاجات الإنسان ورغباته، بل وكل ما سأله وطمح إليه بطريقةٍ مشروعة إلى الحد الذي بات من غير المقدور تعداد هذه النعم الإلهية وإحصائها، قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾2. ويقول في آية أخرى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾3. هذه النعم التي ما زال الإنسان يظلم نفسه إذ يجحدها ويكفر بها.
مظاهر النعم الإلهية
وتتجلى هذه النعم الإلهية بعدة مظاهر في حياة الإنسان، هذه التجليات التي من الطبيعي أن تبقى نصب عينه ومورد شكره لله تعالى، وأهمها:
1- طاعة الله وعبادته: قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾4.
وقال تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين﴾5. والصراط المستقيم هو الإلتزام بعبادة الله لقوله تعالى: ﴿وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم﴾6.
2- وجود الإمام المعصوم: وأي نعمة أكبر من وجود نور الولي بين الناس، يستنيرون بعلمه وهداه ويرشدهم سواء السبيل، إلى الله تعالى، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾7. وقد ورد في التفسير عن الإمام الكاظم عليه السلام: "النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب"8.
3- التقوى: أي نعمة الإرتباط بالله الذي يمنع الإنسان من الوقوع في المعصية، وهذه النعمة أهم من نعمة وفرة المال أو سلامة البدن على أهميتهما، فعن الإمام علي عليه السلام: "إن من النِّعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحَّة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب"9.
4- العافية: أي عافية الدين والدنيا والآخرة، وعافية الإنسان في أهله ووطنه، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "لا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق"10.
وعن علي عليه السلام: "إني تذوقت كل الحلاوات فلم أجد أحلى من العافية، وتذوقت كل المرارات فلم أجد أمر من الحاجة إلى الناس"11.
وفي الدعاء: "ونسأله المعافاة في الأديان كما نسأله المعافاة في الأبدان"12.
5- الرزق: فالله تعالى أنعم على الإنسان من خلال ما أودع هذا الكون من مختلف سبل الرزق ودلّه على حلالها في تشريعاته ليكفل له طيب المأكل وحلاله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾13.
6- الوحي الإلهي: وهو من أكبر النعم التي يعيشها المرء في حياته إن راعى الإلتزام لقواعد التشريع الإلهي، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾14.
7- الإلفة والتآخي بين المؤمنين: وهذه النعمة الإلهية التي نقلت الناس من قبائل متناحرة إلى أمّة رسمت للبشرية كافة سبيل الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾15.
التحدّث بنعمة الله
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
والمراد هنا ليس خصوص الحديث عن النعم التي تصيب المرء في حياته - وإن كان من الواجب على المرء التحدث بها - بل يتعداه إلى كل النعم التي تحيط بهذا الوجود والتي يستحيل على المرء إحصاؤها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
1- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص578.
2- النحل 18.
3- ابراهيم 34.
4- النساء 69.
5- الفاتحة 5.
6- يس 61.
7- لقمان 20.
8- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص368.
9- نهج البلاغة، ج4، ص94.
10- ميزان الحكمة، ج3، ص2022.
11- ميزان الحكمة، ج3، ص2022.
12- نهج البلاغةـ ج1، ص191.
13- فاطر 3.
14- البقرة 231.
15- ال عمران 103.