المقدمة:
أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خلال فترة رسالته وبشكل متكرر إلى
مسألة الخلافة بعده حيث اعتبرها أمراً يعود لله تعالى. وتحقق الوعد الذي كان ينتظره
﴿ ﴾ قام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً بين أعداد كبيرة من المسلمين كانت
عائدة من الحج حيث جمعهم في مكان يدعى غدير خم، وأعلن من هناك تنصيب الإمام علي
عليه السلام وأولاده لخلافة المسلمين، وبقيت العبارة المشهورة التي تؤكد ولاية
وخلافة علي عليه السلام : "من كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه"، وبعد وفاة الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم تغيرت الأوضاع وبدأت حملة واسعة تعارض ولاية الإمام علي عليه
السلام وتخالف حديث الغدير. وبما أنهم كانوا عاجزين عن إنكار واقعة الغدير، لجأوا
إلى تأويلات وتفسيرات متعددة. قالوا أن المقصود من عبارة "المولى" هو النصير والمحب
والصديق لعلهم بذلك يتمكنون من تحريف الحديث والوصول إلى مبتغاهم. وفيما يلي نشير
إلى بعض الشواهد التي تثبت أن المقصود من "المولى" هو الإمامة والقيادة.
الشواهد
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾(1).
وعن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
أ-معاشر الناس! ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إليَّ، وأنا أبين لكم سبب هذه
الآية. إن جبرائيل عليه السلام هبط إليَّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن السّلام ربي، وهو
السّلام أن أقوم في هذا المشهد، فَأعِلم كل أبيض وأسود أنَّ عليَّ بن أبي طالب عليه
السلام ، أخي ووصيِّ وخليفتي على أمتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من
موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وهو وليكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى
عَليَّ بذلك آية من كتابه: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
﴾(2). وعليّ بن أبي طالب عليه السلام الذي أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد
الله عزَّ وجلَّ في كل حال.
ب ـ معاشر الناس! لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه، ولا تستنكفوا من ولايته، فهو الذي
يهدي إلى الحق ويعمل به، ويُزهق الباطل وينهي عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ج- معاشر الناس فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نَصَّبه الله.
د- معاشر الناس إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر الله
له، حتماً على الله أن يفعل ذلك ممن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذاباً نكراً، أبد
الآباد ودهر الدهور.فاحذروا أن تخالفوه فَتَصْلُوا ناراً وقودها الناس والحجارة
أُعدت للكافرين.
هـ ـ ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: "من عادى علياً ولم يتوله
فعليه لعنتي".
و ـ معاشر الناس... من كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيّي
وموالاته من الله عزَّ وجلَّ أنزلها عَلَيَّ.
زـ ألا وقد بلَّغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أَوضَحت، ألا وإنّ الله عزَّ وجلَّ قال
وأنا قلت عن الله عزَّ وجلَّ، "ألا أنه لا أمير المؤمنين غير أخي هذا".
ح ـ معاشر الناس! هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي، وخليفتي في أمتي... إنه خليفة رسول
الله وأمير المؤمنين، والإمام الهادي إلى الله...
ط ـ معاشر الناس! إنما أكمل الله عزَّ وجلَّ دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن
يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، والعرض على الله عزَّ وجلَّ، فأولئك
الذين حبطت أعمالهم، وفي النار هم خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون(3).
* مجلة مبلغان
(1) سورة المائدة، الآية: 67.
(2) سورة المائدة، الآية: 55.
(3) العلامة الأميني، الغدير، ج1، ص159.
ـ الاحتجاج، أبي منصور أحمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تحقيق إبراهيم
بهادري، ومحمد هادي؛ تحت اشراف العلامة جعفر السبحاني، طهران، انتشارات اسوة
التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخيرية، 1413هـ.ق، ج1، ص138 ـ 160.
ـ تفسير الصافي، محسن فيض الكاشاني، مشهد، دار المرتضى للنشر، ج2، ص52، 66.
ـ راجع واقعة الغدير الكبرى، محمد الدشتي وأسرار الغدير، محمد باقر الأنصاري.