في كتاب (الجعفريّات) بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أَفْضَلُ النّاسِ مَنْ
عَشِقَ العِبادَةَ وَعانَقَها وَأَحَبَّها بِقَلْبِهِ وَباشَرَها بِجَسَدِهِ،
وَتَفَرَّغَ لَها..».
وفي هذا الباب يأتي كلام الإمام الخمينيّ قدّس سرّه في كتابه (الآداب المعنويّة
للصلاة) عن الأثر الإيجابيّ لإقبال القلب على العبادة، والأثر المقابل لحمله عليها
حالَ الكسل والتعب.
من الآداب القلبيّة للصلاة وسائر العبادات وله نتائج حسنة، بل هو موجبٌ لفتح بعض
الأبواب وكشف بعض أسرار العبادات، أن يجتهد السالك في أن تكون عبادته عن نشاط وبهجة
في قلبه، وفرح وانبساط في خاطره، ويحترز احترازاً شديداً أن يأتي بالعبادة مع الكسل
وإدبار النفس، لأنّه إذا حمل النفس على العبادة في أوقات الكسل والتعب، يمكن أن
تترتّب عليه الآثار السّيّئة، ومنها:
أن يسأم الإنسان من العبادة ويزيد تكلّفه وتعسّفه، ويوجب ذلك - وبالتدريج - تنفُّر
طباع النفوس منها، وهذا مضافاً إلى أنّه من الممكن أن يصرف الإنسان بالكلّيّة عن
ذكر الحقّ، ويقصي الروح عن مقام العبوديّة التي هي منشأ جميع السعادات؛ ينتج عنه
ألَّا يحصل للعبادة بهذه الصفة نورانيّة في القلب، ولا ينفعل باطن النفس بها، ولا
تصير صورة العبوديّة صورة باطنيّة للقلب، [وقد تقرّر في محلّه] أنّ المطلوب في
العبادات هو صيرورة باطن النفس صورة عبوديّة.
غايةُ العبادات، تقويةُ إرادة النفس
إنّ من أسرار العبادات والرياضات ونتائجهما أن تكون إرادة النفس في مُلك البدن
نافذة، وتكون مملكة [البدن] منقهرة ومضمحلّة في كبرياء النفس، وتتملّك الإرادة
القوى المنبثّة والجنود المنتشرة في ملك البدن، وتمنعها عن العصيان والتمرّد
والأنانيّة والاستقلال، وتكون القوى مُسلِّمة لملكوت القلب وباطنه، بل تصير القوى
بالتدريج فانية في الملكوت. ويجري أمر الملكوت في المُلك، وينفذ فيه وتقوى إرادة
النفس، وتخلع يد الشيطان والنفس الأمّارة عن أزمّة المملكة، وتُساق جنود النفس من
الإيمان إلى التسليم، ومن التسليم إلى الرضا، ومن الرضا إلى الفناء. وفي هذه الحالة
تجد النفس رائحة من أسرار العبادة، ويحصل لها شيء من التجلّيات الفعليّة، وما ذكرنا
لا يتحقّق إلّا بأن تكون العبادة عن نشاط وبهجة، ويحترز فيها من التكلّف والتعسّف
والكسل احترازاً تامّاً كي تحصل للعابد حالة المحبّة والعشق لذكر الحقّ ولمقام
العبوديّة، ويحصل له الأنس والتمكُّن.
وإنّ الأنس بالحقّ وبذكره من أعظم المُهمّات، ولأهل المعرفة بها عناية شديدة، وفيها
[يتنافس] المتنافسون من أصحاب السير والسلوك، وكما أنّ الأطبّاء يعتقدون بأنّ
الطعام إذا أُكل بالسرور والبهجة يكون أسرع في الهضم، كذلك يقتضي الطبّ الروحانيّ
بأنّ الإنسان إذا تغذّى بالأغذية الروحانيّة بالبهجة والاشتياق محترزاً من الكسل
والتكلُّف، يكون ظهور آثارها في القلب وتصفية باطن القلب بها أسرع.
وقد أُشير إلى هذا الأدب [أي اجتناب الكسل حال العبادة] في الكتاب الإلهيّ الكريم...
حيث يقول في مقام تكذيب الكفّار والمنافقين:
﴿..وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا
وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ التوبة:54. وقد
فُسِّرت آية
﴿..لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى..﴾ النساء:43، في
حديثٍ بأنّ المراد من سكارى: «كُسالى».