يشرح الإمام السجّاد (عليه السلام) في دعاء «أبي حمزة» -هو دعاء ممتعٌ وجيّد- الخوفَ من القيامة: «أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري»؛ أبكي اليومَ ليومٍ أخرج فيه من القبر عرياناً وذليلاً، أحمل على عاتقي الحملَ الثقيلَ لعملي. «أنظر مرّةً عن يميني وأخرى عن شمالي إذ الخلائقُ في شأنٍ غير شأني، لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه، وجوهٌ يومئذٍ مُسفرة ضاحكة مستبشرة»؛ ثمّة مجموعةٌ وجوههم ضاحكة وراضية ومسرورة ومرفوعة الرأس، مَن هؤلاء؟ إنّهم أولئك الذين استطاعوا العبور في الدنيا على جسر الصراط الذي تظهر حقيقته وباطنه هناك، ويكون مثاله هنا. جسر الصراط هذا هو جسر العبوديّة والتقوى والورع ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾[1]. صراط هذه الدنيا هو نفسه الصراط فوق جهنّم. ﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[2] [الآية] التي يقولها الله للرسول (صلّى الله عليه وآله)، أو ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾[3]، هو نفسه الصراط فوق جهنّم. إذا استطعنا هنا عبور هذا الصراط بصورة صحيحة وبدقّة ومن دون زلّة، فإنّ عبور ذلك الصراط أسهل فعلاً، مَثَل المؤمنين إذْ يمرّون على الصراط كالبرق. ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَ﴾[4]؛ هؤلاء لا يسمعون حتّى همهمة جهنّم، ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾[5]. الفزع الأكبر يعني أصعب أنواع الخوف الذي يمكن أن يحدث للإنسان. المؤمنون بما لهم من أبعادٍ جسمانيّة وروحيّة ونفسيّة لا يحزنهم ولا يغمّهم الفزع العظيم الموجود هناك؛ ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾، فهؤلاء قد اجتازوا هذا الصراط.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 27/10/2004م)
[1] سورة يس، الآية 61.
[2] سورة الزخرف، الآية 43.
[3] سورة يس، الآية 61.
[4] سورة الأنبياء، الآيتان 101-102.
[5] سورة الأنبياء، الآيتان 102-103.