كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف) في لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة_03-09-2015
بسم الله الرحمن الرحيم1
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام علی سيّدنا محمد وآله الطاهرين، سيّما بقيّة الله في الأرضين.
قال الله الحكيم في کتابه:
﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ الـمُؤمِنينَ
لِيَزدادوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِم وَللهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ وَکانَ
اللهُ عَليمًا حَكيمً﴾2.
أرحّب بالإخوة الأعزاء والسادة الكرام، وأشكركم على أن تفضّلتم ونشرتم النور والعطر
في أرجاء محل عملنا.
إنّ لهذا المجلس وأعضائه من الأهمية ما يُشعر الإنسان حقًا بأنّ حضوركم في أي مكان
سيكون مبعث خير وبركة إن شاء الله.
مجلس الخبراء؛ مبعث للسكينة
مجلس الخبراء يمکنه أن يكون تجسيدًا تامًا وكاملًا لإنزال السكينة الإلهية، لأنّ
هذا الإنزال هو من علامات الإيمان:
﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّکينَةَ في قُلوبِ
الـمُؤمِنينَ لِيَزدادوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِم﴾؛ ذلك أنّ هذه السكينة الإلهية
سبب في ازدياد الإيمان ومدعاة لإرساء دعائمه. السكينة تعني الهدوء والاستقرار أثناء
تلاطم الأمواج. فإنّ الأحداث المختلفة، والأخبار المتنوّعة، والعداوات، والأوضاع
المتعددة، تحدث اضطرابًا في روح الإنسان بصورة طبيعية. بيد أنّ هذا الهدوء
والاطمئنان يبعث في كثير من الأحيان على الاستقرار في الفكر والذهن والاستقامة في
الطريق. الله هو الذي يمنح المؤمنين هذه السكينة والطمأنينة ببركة إيمانهم ويطمئنهم
قائلًا:
﴿وَللهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ﴾. فمِمَّ خوف الإنسان ووجله؟ إنّ
جميع قوى الأرض والسماء وكل سنن الطبيعة إنّما هي جنود لله وفي قبضة يده، فإذا كنّا
مؤمنين وكنّا عبادًا لله، فإنّ هذه القوى مسخّرة لخدمة المؤمنين. هذا هو الاطمئنان
الذي يكتسبه الإنسان. ويقول كذلك بعد آية أو آيتين:
﴿وَللهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ
وَالأَرضِ وَکانَ اللهُ عَزيزًا حَکيمً﴾3، هذه العزة والقدرة الإلهية، هي من مظاهر
أن
﴿للهِ جُنودُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ﴾. إذاً، فالمؤمنون في مثل هذا العالم ومثل
هذه الأجواء يسيرون ويعيشون ويتنفّسون؛ ومجلس الخبراء يُعدّ من المواقع التي
بإمكانها أن تكون مصدرًا ومبعثًا لهذا الاستقرار.
إنتخابان نوعيّان..
هناك انتخابان هامان يجريان في هذا المجلس: الأول انتخاب بواسطة الناس حيث يتصدون
لتحديد وانتخاب من يثقون بهم، والمهمة الأساسية التي تقع على عاتق هؤلاء الثقاة هي
الانتخاب الذي سيقومون به في ما بعد؛ الانتخاب الثاني هو انتخاب القائد. من هنا،
فمجلس الخبراء يتضمّن انتخابين، وهذا يعني أنه مظهر لحضور الناس والحضور الجماهيري
ومشاركة أصوات الناس بمختلف توجهاتهم ونزعاتهم. وهي الجهة الوحيدة التي تجري
انتخابين بهذه الطريقة، وهذا ما يدل على العزائم والنوايا المستقلة.
الانتخاب الثاني هو انتخاب القائد، والفارق هنا بين هذا الانتخاب وبين سائر
الانتخابات الجماعية هي أنّ الملاك والمعيار فيه هو الفقه؛ أي القيم الإسلامية. ومن
هذا المنطلق، فإنّ انتخابهم هو انتخاب لسيادة القيم الإسلامية، وتطبيق الأحكام
الإسلامية، وتحقق الإسلام في واقع الحياة. إذ لم تنزل الأديان الإلهية لتبقى في
الأذهان فحسب، وإنما يجب تحققها على أرض الواقع. وهذا ما يتطلب بعض الآليات
والوسائل، تتمثل الآلية والوسيلة هنا في مجلس الخبراء الذي يضمن عبر هذا الطريق
سيادة المبادئ الإلهية وتطبيق الأحكام الإلهية وحاكمية دين الله وحاكمية الإسلام.
المجلس مظهر السيادة الشعبيّة
ومن هنا، فإنّ هذا المجلس يعدّ كذلك مظهرًا لأصوات الناس وللسيادة الشعبية الدينية
أو السيادة الشعبية الإسلامية، في الحقيقة فإن هذا المجلس يجسّد السيادة الشعبية
الإسلامية بتمامها وكمالها، وهنا تكمن أهميته. حين يتشكل هذا المجلس ويُظهر
استعداده واستقلاله الفكري ومعرفته، سيكون مبعثًا لإحلال السكينة والطمأنينة في
قلوب المؤمنين. وفي الحقيقة، فإنّ السكينة الإلهية تترشح منه إلى داخل المجتمع. ومن
هنا، تتعين مراعاة الدقة الكافية والاستقلال الفكري بشكل كامل في كلا الانتخابين؛
انتخاب الناس للخبراء، وانتخاب الخبراء للقائد. لدينا في باب الانتخابات كلام نطرحه
لاحقًا، ولا نريد هنا أن نتعرّض لهذا الموضوع.
الاستقلال الفكري؛ نجاةٌ من الفخّ!
ينبغي على مجلس الخبراء أن يتحلى باستقلال فكري، وسأتناول الحديث عن مبنى هذا
الاستقلال الفكري. الأساس هو أن لا يقع في فخ الأدبيات المفروضة والشعارات
التلقينية لنظام الهيمنة. حيث تُنشَر مجموعة من الرؤى والمفاهيم بشكل متواصل ليلًا
ونهارًا وفي جميع أقطار العالم عبر الإعلام المكثّف لنظام الهيمنة، إنّ من أهم
الأمور هي أن لا نقع في أسرها ونسير وفقها. لا تختص هذه الوصيّة بمجلس الخبراء وحسب،
وإنما هي وصيّة لكل المسؤولين في البلد ولجميع أركان النظام، بل وتوصية لكل
المفكرين والمحللين في المجال السياسي والاجتماعي والديني بأن يتوخوا الحيطة والحذر،
وأن يعلموا أنه:
﴿وَإِن تُطِعْ أَکثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلّوكَ عَن سَبيلِ
الله﴾4. فلا يكون الأمر أنه إذا ركز الأعداء على موضوع معين واستندوا إليه وباتوا
يكررونه على ألسنتهم، ويظهرونه بلغات مختلفة عن طريق كمّ هائل من الإعلام المكثف، أن
نكون مضطرين لأن نسايرهم ونتلوّن بلونهم وأن نطرح نفس ذلك الموضوع ونكرره؛ كلا، إنّ
لنا أفكارًا ورؤًى خاصةً بنا.
اختراعٌ للمفاهيم وتلاعبٌ بها
يحاول الاستكبار أن يفرض أدبيّاته الخاصة وشعاراته على كل الناس في العالم بما فيهم
الشعوب، وعلى المسؤولين والنخب المؤثرة في البلدان بشكل خاص؛ على الحكومات ونواب
المجالس ومتخذي القرار وصناع القرار، وعلى حدّ تعبيرهم غرف الفكر، حيث يبتغون فرض
أدبياتهم وتلقين أفکارهم لهؤلاء كافة وزجّها في أذهانهم. ويرغبون في أن ينظر
الجميع إلى العالم من منظارهم، وأن يحدّدوا ويدركوا المفاهيم التي يركّزون عليها من
خلال توجّههم ونظرتهم. هذا التوجه هو التوجه السلطوي، حيث يعمدون من خلال هذا
التوجّه والمنحى السلطوي إلى افتعال بعض المفاهيم أو التلاعب فيها وتفسيرها،
ويريدون أن يقوم الجميع بإدراك هذه المفاهيم واستخدامها واستعمالها في أدبياتهم على
أساس تفسيرهم وفهمهم.
الإرهاب على سبيل المثال مفهوم يستخدمه الاستكبار في معنىً خاص، وكذلك حقوق الإنسان
والديمقراطية. فأن يتم قصف اليمن وتُهدَم البيوت والمدارس والمستشفيات وأمثالها
لمدة ستة أشهر لا يعدّ إرهابًا، وأن يُشنّ الهجوم على مناطق الفلسطينيين بشكل
متواصل في غزة وغيرها ويُقتل مئات بل آلاف الأطفال والنساء والرجال الأبرياء والناس
العزّل لا يعتبر إرهابًا، وأن يطالب الشعب البحريني بأن يكون لكل واحد من أبنائه
صوت في داخل بلدهم، لا صلة له بحقوق الإنسان، ولا يعد مطالبة بحقوق الإنسان، أما
دفاع فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان فهو إرهاب، فإن الفصائل التي تقاوم في لبنان
أو فلسطين، وتحارب المحتل، وتدافع عن أرضها وبيتها، تعتبر إرهابية، ويسمى عملهم
إرهابًا!
وما يجري في بلدان العالم المستبدة - التي تدخل ضمن الحلقة المقربة من نظام الهيمنة
ومن أتباع أمريكا في المنطقة - لا يعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان، وأما معاقبة مجرم
مثلًا قد اعترف بجرمه أو معاقبة عنصر مخلّ قد جرّ العشرات أو المئات أو الآلاف من
الناس في بلد إلى الإدمان على المخدرات، يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان! هذه هي
حقيقتهم، فإنهم يفسرون عددًا من المفاهيم، ويطالبون الآخرين بأن يفهموها وفق
تفسيرهم، وأن يتحدثوا بلغتهم وأدبياتهم.
كما وإن اغتيال العلماء النوويين لا يعتبر إرهابًا - رغم اعتراف الصهاينة بارتكابه
بصراحة تقريبًا وإقرار بعض البلدان الأوروبية تقريبًا بمساندة هذا العمل - ولا يدخل
أساسًا في عداد الإرهاب ولا حاجة للتنديد به، وأما وقوع حادثة أصغر منها بكثير في
لبنان مثلًا أو في أي مكان آخر، يتسبب في أن يعقد مجلسُ الأمن اجتماعًا من أجلها!
هذه هي نظرتهم تجاه قضايا العالم، حيث يتلاعبون ببعض المفاهيم، ويخترعون البعض
الآخر، ويفسرون طائفة ثالثة من المفاهيم بطريقة تعسفية، ويتوقعون من العالم برمته
بما فيه الجمهورية الإسلامية أن يفهموه على أساس فهمهم، وأن ينظروا إليه من منظارهم،
ويتحدثوا طبق أدبياتهم؛ هذا ما يتوقعوه منا، وهو من المؤشرات والمظاهر الواضحة
للهيمنة والاستكبار، والحال أن الثورة الإسلامية بذاتها تحمل منظومة فكرية خاصة.
الثورة؛ منظومةٌ فكريّةٌ جديدة
إن أهمية هذه الثورة والسبب في أنها أحدثت زلزالًا في العالم، لا يكمن في قيامها
بإسقاط حكومة، وإنما يكمن في أنها قدّمت للعالم منظومة فكرية جديدة، وهذه المنظومة
ما زالت تواصل مسيرتها وتنتشر وتتقدم في جميع أنحاء العالم. ورغم محاولاتهم لإخفائها
وكتمانها، أخذت هذه المنظومة الفكرية تتناقل يدًا بيد واستهوت الكثير من القلوب في
العالم - سواء في العالم الإسلامي، أو في خارج دائرة العالم الإسلامي على مستوى أقلّ
– وما زالت القلوب ميالة إلى هذه المنظومة، وما زالت هذه المنظومة الفكرية محافظة
على نضارتها وحيويّتها المتجددة.
1- رفض الظلم
من الأجزاء والمكونات الهامة لهذه المنظومة الفكرية التي تتمتع بجاذبية كبيرة:
رفض الظلم ورفض الاستكبار والاستبداد - ويشمل رفض استبداد الحكام والحكومات في
بلدانهم ضد شعوبهم وكذلك الاستبداد والدكتاتورية التي يمارسها نظام الهيمنة على
الصعيد العالمي - وهذا يشكل جانبًا من هذه المنظومة الفكرية. كما أنّ عزة الشعوب،
والعزة الوطنية، والعزة الإسلامية في البلدان الإسلامية، واستغناء الشعوب عن
الاتكال على الآخرين والاعتماد على القوى، تشكل جوانب أخرى تدخل في عداد منظومة
الفكر الإسلامي. وكذلك الاستقلال الشامل الذي يقع على جانب كبير من الأهمية، بما في
ذلك الاستقلال الفكري والسياسي والاقتصادي، وأهمها هو الاستقلال الفكري الذي
بإمكانه أن يؤول إلى تحقق سائر انواع الاستقلال، فإن هذه هي الأخرى تدخل ضمن النظام
الفكري الإسلامي والمنظومة الفكرية الإسلامية، وهذه السمات هي التي تتسم بالجاذبية،
وهي التي تتمتع بالنضارة، وهي لا نفاد لها ولا نهاية.
2- الاستقلال والحريّة
إن هذا الشعار المعروف "الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإسلامية" يعتبر تقريبًا
نوعًا من الحركة من الخاص إلى العام، بمعنى ذكر العام بعد الخاص؛ ذلك أننا نشرع
بالاستقلال، ثم ننادي بالحرية. رغم أن الاستقلال جزء من الحرية، فإن الحرية عملة
ذات وجهين، الوجه الأول هو الحرية الفردية، والوجه الآخر لها هو التحرر من هيمنة
التسلط والقوى العظمى، وكلاهما من أقسام الحرية، ولهذا فالاستقلال جزءٌ من الحرية،
والذين ينادون بالحرية ويرفضون الاستقلال - حيث يشهد المرء وللأسف البعض من
المتظاهرين بالتنوير والثقافة الذين يرفضون أحيانًا الاستقلال ومصاديقه عبر سفسطة
منطقية في ظاهرها ولكنها مضادة للمنطق في واقعها - إنما يعارضون الحرية في حقيقة
أمرهم، لأن الاستقلال جزءٌ لا يتجزأ من الحرية، واستقلال البلد والاستقلال على
مستوى الشعب يدخل ضمن مفهوم الحرية، وهذه كلّها تنضوي تحت لواء الجمهورية الإسلامية.
إنّ الجمهورية الإسلامية لا تنطوي على الحرية والاستقلال فحسب، بل تشملهما معًا إلى
جانب الكثير من المعارف الأخرى. وإذا ما بيّنّا هذه الأمور وشرحناها للآخرين في
العالم، نجد أنها جذابة تستميل القلوب إليها.
3- الإيمان والثقة بالنفس
حصيلة هذه الرؤى الفكرية هي وصول الشعب إلى الإيمان بالذات والثقة بالنفس، وقد اتسم
اليوم شعبنا بذلك، وأخذ هذا الإيمان بالذات يزداد في بلدنا يومًا بعد آخر والحمد
لله. وعلى الرغم من أنّهم باتوا على الدوام يخلقون العراقيل أمام هذا البلد،
ويوجّهون له الضربات، ويحولون دون تقدمه، أخذت ظاهرة الإيمان بالذات والثقة بالنفس
ولحسن الحظ تنمو يومًا بعد يوم، وأخذ هذا البلد يتمتع بالثقة بالنفس، والتحرر
الفكري، والتحرر العملي -الذي يعني الحرية الفردية بمعناها الحقيقي لا على أساس
منطق الحرية الفردية الغربية والأمريكية، فهي مضادة للحرية- ونمط الحياة الإسلامية،
والإبداع، وتضافر الجهود، والتكاتف الوطني. فإنّ هذه أمورٌ تتحقق بواسطة تلك الرؤى
في ذهن المجتمع وفي عمله وفي صميم حياته، وتصب برمتها في مسار القيم الإسلامية. وهي
التي تسوق الشعب إلى الرشد والتكامل. فعندما يتمتّع الشعب بنظرة فكرية مستقلة،
وتتوافر فيه الثقة بالذات الوطنية، والإبداع، والتطوّر، والكدّ والعمل، ووحدة
الكلمة بين جميع القوى، والحركة المتواصلة، ستؤدي به هذه السمات إلى الرشد والنضج
والتكامل. وقد ارتقى شعبنا ولحسن الحظ سلّم الرقي والكمال، رغم كثرة العقبات التي
سأتحدث عنها.
جاذبيّةُ نظامٍ لا نظير لها
تصوّروا ذلك اليوم الذي تبلغ به إيران في التطور المادي مستوى البلدان المتقدمة
المعاصرة، من حيث العلم والثقافة وإنتاج الثروة، وتصبح بلدًا يتسم بالعلم المتقدم،
والصناعة المتطورة، ويبلغ عدد سكانه 150 إلى 200 مليون نسمة، وتسوده الأجواء
المعنوية، ولا يبتغي الهيمنة، ويبتعد عن الظلم والتسلط، ولا يسعى وراء فرض آرائه
على الآخرين، ويساعد المظلومين، ويقف في وجه هيمنة طغاة العالم.. تصوّروا مثل هذا
البلد كم سيكون عبئًا ثقيلًا على الاستكبار العالمي! كل الجهود التي تُبذَل اليوم
في مواجهة الجمهورية الإسلامية، تهدف إلى منع تحقق هذا اليوم، ومنع تحقق هذا
المستقبل للجمهورية الإسلامية الذي ينبئ عن بلد متقدم يتمتع بكل مؤشرات التقدم
المادي إلى جانب سيادة الأجواء المعنوية، والصفاء المعنوي، ونمط الحياة الإسلامية،
والأخوّة، والوحدة الوطنية، وتضافر الجهود في البلد، بعيدًا عن التسلط والتعدي على
الآخرين. وهدفهم هو عدم وصول إيران الإسلامية إلى مثل هذا اليوم، وكل جهودهم
ومساعيهم ومؤامراتهم تصبّ في هذا الاتجاه. الصراع قائم على هذا الأساس، وهو أنه لو
ظهر بلدٌ إسلامي بهذه الخصائص، سيؤول إلى استئصال جذور الاستكبار واقتلاع أساس
الكفر. ولو استطاع بلدٌ أن يتقدم بهذه الطريقة، وأن يزوّد نفسه بالمظاهر المادية
على هذا النحو، وأن يكون في الوقت ذاته متّكلًا على الله تعالى، ذاكرًا شاكرًا
عابدًا ساجدًا له، مستسلمًا خاضعًا لأحكامه، هل تعلمون مدى جاذبية ذلك البلد؟ وكيف
سيستهوي قلوب الشعوب إليه ويجذبها كالمغناطيس؟ هم يسعون لعدم تحقق هذا الهدف،
ويعادوننا على هذا الأساس. فإذا كانوا يواجهون تقدّمنا العلمي، ويجابهون حضورنا
السياسي في البلدان - وهذا ما باتوا يصرّحون به أنّ لإيران نفوذها في المنطقة وفي
البلدان وفي أوساط الشعوب - ويفرضون هذه الضغوط الاقتصادية، فالهدف أن لا تتحقق مثل
هذه الأوضاع، ولا يبزغ مثل هذا اليوم.
الابتسامة المخادعة
إنّ من يقف في النقطة المقابلة لهم نحن شعب إيران، ونحن الشباب، ونحن أهل الإبداع،
ونحن علماء الدين، ونحن المثقّفون الجامعيون.. نحن من يجب علينا أن نخطو خطواتنا
الأساسية في مواجهة هذه الحركة بالاستناد إلى تلك المنظومة الفكرية. وعلى الجميع أن
يبذلوا جهودهم، ويحثوا خطاهم، ويمارسوا أنشطتهم، ويدركوا أهداف العدو، ويأخذوا
حذرهم. إنّ هذه هي الحساسية التي أريد لها أن تتحقق عند مسؤولي البلد كافة، وأن
يكونوا على علم بمخطّطات الأعداء، ويدركوا أهدافهم. ينبغي عدم الانخداع بابتسامة
العدو، ومساعدته القصيرة الأمد أحيانًا في أمر وقضية معينة، أو تقديمه المعونة في
مكان ما، أو إطلاق كلمة على لسانه أحيانًا - وهو أمرٌ مستبعد جدًا - لصالح
الجمهورية الإسلامية، ولا ينبغي الاغترار بهذه الأمور، ولنقف على أهداف العدو ومسار
حركاته وأعماله.
الاستكبار حقيقة..
العدو اليوم يتمثل في الاستكبار العالمي. والاستكبار العالمي ليس أمرًا وهميًا،
وإنما هو قضية حقيقية لها مصاديقها الواضحة، أمريكا هي المصداق الأتم لها، ومن وراء
الإدارة الأمريكية تقف الشركات والاتحادات والمنظمات وأصحاب رؤوس الأموال الناهبين
للعالم الذين ينتمون في الأغلب إلى الصهاينة، والمنتشرون في كل مكان، ولا يختص ذلك
بأمريكا، بل لهم نفوذ كبير في أوروبا وفي سائر الأقطار أيضًا، وهذا هو مفهوم
الاستكبار.
سوف تتكسر زجاجة عمر الاستكبار على يد هذه الحركة الإسلامية التي بدأت بالثورة
الإسلامية، وستواصل مسيرها بالجمهورية الإسلامية وباستمرارية حركتها على نهج
الثورة، وهي تتقدم هكذا نحو المستقبل.
إنّنا في طور التقدّم..
هناك أمورٌ تضاعف الأمل في قلب الإنسان حينما يراها. حيث تُعرض أحيانًا لنا بعض
المعارض من نماذج التقدم التي حققتها مختلف القطاعات - والتي يمكن الإعلان عن قسم
منها وقد تم بالفعل الإعلان عنها، ولا يمكن الإعلان عن أقسام أخرى ولكن نحن
نشاهدها- فإنّ شبابنا يتحلّون حقًا بأنامل صانعة للمعجزات.. هؤلاء شباب في مقتبل
العمر، ولكنهم بما يتمتعون به من اندفاع وإيمان وقوة وطاقة ومعنويات عالية، يقومون
وبالتوكل على الله، وذكر الصلوات، وأداء الصلاة، والتوجه إلى الله، وتلاوة القرآن،
بأعمال عظيمة وإنجازات كبرى، وها هم يتابعون انجازاتهم، وستشهد الجمهورية الإسلامية
حالات تقدم أكبر بمشيئة الله.
إمكانات وعمق ونفوذ الثقافة الإسلاميّة
ذكرتُ أنّ بلدنا يتمتع بكل هذه الإمكانيات والخيرات. وأشرتُ قبل أيام في جمع الإخوة
الكرام من أعضاء الحكومة إلى أننا - بحسب التقارير التي بلغتني - نستثمر 14% من
مناجم البلاد - والحال أن المناجم الجوفية تمثل أحد أهم مصادر الثروة في بلدنا –
وقد أيّد وزير الصناعة والمناجم المحترم هذا وأكد صحة ما جاء في هذا التقرير. هذا
هو بلدنا؛ نحن لم نستثمر حتى الآن سوى أربعة عشر بالمئة من مصادرنا الجوفية، والبلد
ينعم بموقع جغرافي، وبإمكانيات ثقافية متنوعة، وبعمق ونفوذ للثقافة الإسلامية
ومعارف أهل البيت، وهذه ليست بالأمور البسيطة القليلة، إنما تشكل ثروة عظيمة جدًا،
وهي كلّها بيدنا وتحت تصرفنا. لذا، نطالب مجلس الخبراء، والمسؤولين في البلد،
والشخصيات المؤثرة والتي لها مواقع ومنابر في الأجواء العامة - سواء في الصحافة أو
في مراكز الخطاب والبيان - وكل من هو قادر على التحدث وكلّ من لديه القدرة على
التأثير، أن يتصدى لتبيين وإظهار هذا المستقبل أكثر فأكثر، وأن يجذب القلوب إلى هذا
المستقبل، ويبثّ الأمل فيه، ويُنزل الطمأنينة والسكينة على قلوب المؤمنين، لكي نمضي
قدمًا إلى الأمام، فإننا في طور التقدم والحمد لله.
الاتفاق النووي وما بعده
هناك قضية أو قضيتان من القضايا المعاصرة المهمّة الجديرة بالاهتمام أطرحها عليكم
باختصار: الأولى هي قضية "برجام" (اختصار للبرنامج الشامل للعمل المشترك) حول
الاتفاق النووي، والثانية ما بعد الاتفاق النووي، وأعتقد أن الثانية أهم من الأولى.
وفيما يخص "برجام" الاتفاق النووي فقد طرحنا آراءنا وما كان ينبغي طرحه خلال
الأيام الماضية سواء قبل التوصّل إلى هذا الاتفاق أو بعده. والقضية التي أصبحت
مدارًا للبحث في هذه الأيام هي قضية المجلس (مجلس الشورى)، ويجب على أهل الاختصاص
دراسة أبعادها الحقوقية والقانونية ونحوها وتحديد مقتضياتها وإلزاماتها الحقوقية
ليتم العمل وفق ذلك، ونحن لا نخوض هذا البحث. لكن الذي أقوله بالاستناد إلى النظرة
العامة - وذكرتُه أيضًا للسيد رئيس الجمهورية - هو أني أعتقد بأنه ليس من المصلحة
تجاهل المجلس في هذه القضية، فإنها بالتالي قضية تركّزت عليها أنظار البلد بالكامل
لمدة سنتين، ووصلت حاليًا إلى بعض النتائج، فلا بد من تصدي المجلس لها. ولكن كيف
يتصدى المجلس؟ فإني لا أوجّه أي وصيّة لمجلس الشورى الإسلامي في خصوص طريقة التعامل
معها.. أولًا بأي طريقة يتم اتخاذ القرار في ذلك؟ هل يتم على نحو المصادقة أو الرد،
أم يتم على نحو آخر؟ وهل يرفضونها أم يصوّتون عليها؟ هذا ما لا توجد لدي فيه أي
توصية. فإن الرأي المُتَّبَع، هو رأي ممثلي الشعب في المجلس، ولا نذكر لهم ما ينبغي
أو ما لا ينبغي لهم فعله. ولكن الذي نعتقده بالتالي هو أنّ الأفضل أن لا نَدَع
المجلس جانبًا، وأن ممثلي الشعب هم الذين يجب عليهم أن يتخذوا القرار في هذا الشأن.
لماذا تفاوضنا؟
وأما القضايا التي تلي الاتفاق النووي. فإن هناك مسائل ينبغي لمسؤولي البلاد أن
يولوها الأهمية اللازمة - علمًا بأننا نطرحها وطرحناها على إخوتنا الأعزاء والأحباء
في الحكومة، ولكن سنبيّنها للسادة أيضًا – أولًا، مع أننا بحسب الظاهر نواجه ستّ
دول، ولكن الطرف الفعال في الواقع هو حكومة واحدة وهي الحكومة الأمريكية التي خاضت
هذه الساحة بالكامل، وكانت تتصبّب عرقًا وتبذل جهودها ومساعيها. إن المسؤولين
الأمريكيين يسيئون كثيرًا في تصريحاتهم، ولا بد من حسم أمر هذه التصريحات، فإننا
نمثّل بالتالي طرفًا في هذه القضية ويمثل الأمريكيون الطرف الآخر. ومع ذلك يصرّحون
بالحفاظ على أطر العقوبات، فلماذا جلسنا خلال هذه المدة وتباحثنا إذاً؟ تباحثنا من
أجل إزالة أطر العقوبات وإلغاء قرارات الحظر. التوجّه والقرار هو الحفاظ على أطر
العقوبات! ولا أعلم ما هو المراد من "الحفاظ على أطر العقوبات"؟ وقد يتصدى البعض
أيضًا لتفسيره بطريقة معينة، لكن الذي يُستوحى من هذا الكلام، يتعارض بالكامل مع
سبب مشاركتنا في المفاوضات، وإلا فلِمَ نتفاوض؟! نحن كنا نواصل مسيرتنا؛ فقد أنتجنا
19 ألف جهاز طرد مركزي، وكان بإمكاننا خلال مدة ليست بالطويلة أن نوصلها إلى خمسين
أو ستين ألف جهاز دون عقبات، وكنا نقوم بعملية التخصيب بنسبة 20%، وكان بإمكاننا
متابعة هذا المسير، وكذلك الحال في سائر القضايا، فقد كنا نمارس عملية البحث
والتنمية، وكان بإمكاننا مواصلة هذا الطريق بنفس تلك الشاكلة والسرعة.
"إلغاء العقوبات فورًا"
حين جلسنا على طاولة المفاوضات، وتراجعنا في بعض المواطن، وقدّمنا بعض التنازلات،
فالهدف الرئيس من ذلك هو إلغاء العقوبات. ولو تقرر عدم إلغاء العقوبات، فلن يوجد أي
صفقة، ولا يبقى معنى للتفاوض أصلًا، وهذا ما يجب على المسؤولين تحديد مصيره، ولا
يقولوا إنهم يصرحون بهذه التصريحات إقناعًا لمنافسيهم في الداخل مثلًا، فإن الصراع
القائم في أمريكا صراع حقيقي، ولا أعتقد أنه صوري وظاهري، فقد نشب بينهم الاختلاف
حقًا، وسبب هذا الاختلاف أيضًا واضح لدينا، ولكن على أي حال تحتاج تصريحاتهم
الرسمية إلى ردّ، وسوف تُثبَّت إن لم يتم الرد عليها. هذه نقطة.
والنقطة الثانية هي أنهم وفي ذلك الجانب من العقوبات التي كانوا يشيرون إلى
إلغائها، يقولون إنّه سيتم تعليقها أو توقيفها، غير أن قضيتنا لم تكن هكذا أبدًا.
من الواضح ان العقوبات الاقتصادية يجب إلغاؤها "على الفور" كما قلنا! علمًا بأنهم
فسروا عبارة "على الفور"، ولم نخالفهم، ولا إشكال في ذلك، فقد فسّر أعزاؤنا هنا هذه
العبارة بطريقة واتخذوا لها ترتيبًا خاصًا ونحن بدورنا لم نعارض ذلك. ولكن يتعيّن
بالتالي إلغاء العقوبات، وليس لدينا إيقاف ولا تعليق. ولو قاموا بتعليق العقوبات،
سنقوم نحن أيضًا بالتعليق، ولو تقرر ذلك فلماذا [علينا أن] نقطع خطوات أساسية على
أرض الواقع؟ إذاً فالمراد هو إلغاء الحظر. وقد ذكروا بالطبع أن الإلغاء في بعض
المواطن خارج عن إرادة الإدارة الأمريكية التي تواجهنا في المفاوضات، وقالوا فيها
إننا سنقوم بإيقافها وسنستفيد من حقوقنا القانونية وما إلى ذلك. ولكن يجب بالكامل
إلغاء تلك العقوبات التي هي بيد الحكومة الأمريكية أو التي بيد البلدان الغربية.
لا يمكنكم تهديد الجمهوريّة الإسلاميّة!
هناك نقطة أخرى هي أنهم باتوا يطلقون تصريحات خارجة تمامًا عن موضوع الاتفاق النووي
ونحوه، وبعيدة كليًا عن هذه المسائل. وأخذ السادة والسيدات في الإدارة الحاكمة في
أمريكا يتكلمون كالمسؤولين البريطانيين في القرن التاسع عشر، وهذا يدل على أنهم
متخلّفون حقًا عن العالم والتاريخ لمدة قرنين! ويتحدثون مثلًا كما كان يتحدث اللورد
كورزون5 آنذاك في الخليج الفارسي بشأن إيران أو المنطقة؛ هذا هو
أسلوبهم في الكلام.
العالم قد تغير، فقدت القوى الكبرى اليوم ما كانت تتمتع به من قوة وقدرة
وطاقة، ثم
إن الذي يقف في مواجهتكم هو الجمهورية الإسلامية، وليس البلد المتخلّف
الفلاني في
القارة الفلانية حتى يمكنكم أن تتحدثوا معه بما يحلو لكم؛ كلا، بل هو
الجمهورية
الإسلامية بقدراتها التي تعرفون بعضها وتجهلون بعضها الآخر، وقد تتعرفون
إليها عمليًا، فلا يمكنكم تهديدها باستمرار والتكلم معها بهذا الأسلوب.
ومن جملة تصريحاتهم أننا نتوقع من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية أو من حكومة
الجمهورية الإسلامية أن يقوموا بأعمال مختلفة! ولكن ما معنى "المختلفة"؟ مختلفة عن
أي شيء؟ عن ماضي الجمهورية الإسلامية؟ كلا، هذا أمرٌ لن يتحقق. مختلفة تعني العدول
عن القيم الإسلامية والتخلي عن الأحكام الإسلامية؛ هذه هي الأعمال المختلفة من وجهة
نظرهم، وهذا ما لا ولن يحدث. ولن تقوم الحكومة والمجلس والمسؤولون بمثل هذا العمل
مطلقًا، ومن يتصدَّ لمثل ذلك سيواجه رفض الناس ورفض نظام الجمهورية الإسلامية، وهذا
ما لا معنى له. ومرادهم من المغايرة هو انخراط إيران في إطار السياسات الأمريكية
تجاه المنطقة، فإن لأمريكا في هذه المنطقة سياساتها ورؤاها، ومنها ضرورة إزالة
فصائل المقاومة في هذه المنطقة والقضاء عليها بالكامل، ومنها هيمنتها التامة على
العراق وسورية وسائر البلدان؛ هذه هي سياساتهم، ويبتغون ممارسة الأعمال التي تفضي
إلى تحقيق هذه السياسات. ويتوقّعون من مسؤولينا ومن حكومتنا ومن ساستنا أن يعملوا
في هذا الاتجاه، وهذا ما لن يتحقق أبدًا.
ومن جملة تصريحاتهم المثيرة للحساسية بالنسبة لنا قولهم إنّ الاتفاق النووي "برجام"
يوفر للأمريكيين فرصة في داخل إيران وفي خارجها وفي المنطقة كذلك؛ هذا ما يصرح به
الأمريكيون. وأقول لأعزائنا في الحكومة وفي الأجهزة المختلفة أن يقفوا في وجه أي
انتهاز أمريكي للفرص في الداخل، وأن يبذلوا جهودهم لسلب هذه الفرص منها في الخارج
أيضًا، لأنهم كلما اقتربوا من تحقيق هذه الفرص، سيشكل ذلك نقطة بداية لمذلة الشعوب
وتخلف البلدان وتعاستها، ولذا يجب أن لا يسمحوا لهم على الإطلاق بأن يتحيّنوا الفرص
في الداخل.
ولقد قلنا وأعلنّا إننا لا نتحدث مع الأمريكيين في أي قضية سوى القضية النووية،
وهذا ما ذكرناه للمسؤولين في السياسة الخارجية ولسائر المسؤولين أيضًا. والسبب يعود
إلى أن توجّهاتهم تقف على الضدّ تمامًا من توجهاتنا، وتصل نسبة الاختلاف في ما
بيننا إلى 180 درجة. هذا جانب من القضية.
الاقتصاد المقاوم؛ الحلّ الأمثل
والجانب الآخر هو الجانب الاقتصادي، فإن القضايا السياسية تشكل جانبًا من القضية،
غير أن القضايا الاقتصادية لها أهميتها الخاصة. فقد طالبنا إخواننا في الحكومة أن
يضعوا برنامجًا شاملًا عمليًا وتطبيقيًا لتحقق سياسات الاقتصاد المقاوم، وهذا ما
ذكرناه خلال لقائنا بأعضاء مجلس الوزراء، وقلناه للسيد رئيس الجمهورية المحترم
أيضًا، ونتوقع منهم إنجازه إن شاء الله. فإن الاقتصاد المقاوم لا يمكن تفكيكه ولا
يمكننا القول أن نطبّق جانبًا منه، وإنما هو رزمة واحدة ومجموعة كاملة ذات أجزاء
بعضها يكمّل بعضها الآخر، ويحتاج إلى برنامج عملي واحد يشمل جميع جوانبه وأجزائه.
علمًا أنّ إخواننا في الحكومة يحملون هذه الهمة والنية، وسيبذلون جهدهم إن شاء الله
وينجزون هذا العمل. فإن تحقق ذلك، لن توجد أهمية لأن يكون مقدار الأموال العائدة
إلى إيران مئة مليار دولار أو خمسة مليارات دولار، بمعنى أن أهميتها ترد في الدرجة
التالية. وبالطبع فإن الأموال التي نطالب بها من العالم والتي هي بيد غيرنا وقد
منعونا منها حتى الآن ظلمًا، لا بد لنا من استثمارها، وهذا ما لا كلام فيه، إلا أن
أهمية الاقتصاد المقاوم الذي لا يناط أساسًا بهذه الأموال الأجنبية بهذا الشكل
وبهذه الشدة، تفوق ذلك.
وباعتقادنا لو تسنى لنا وفق برنامج عملي – وليس فقط بالكلام - تحقيق الاقتصاد
المقاوم وتطبيقه على أرض الواقع، ستتقدم أمورنا إلى الأمام بصورة مطلوبة، وسيهبّ
الناس لدعمنا ومساعدتنا. وسبق أن أشرنا إلى ضرورة تشكيل لجنة ميدانية نشيطة في
الحكومة لمتابعة الأمور، وتحديد مهمة كل جهاز، وتوكيل كل جزء من أجزاء العمل إلى كل
واحد من الأجهزة الاقتصادية وغير الخدماتية، وتعيين سقف زمني لها، أي أنه في أي مدة
وأي زمان يقوم ذلك الجهاز بإنجاز هذه المهمة، ومتابعتهم، ليتم بتوفيق الله إنجاز
هذا العمل وتحقق هذه الحركة الوطنية العظمية والشاملة.
إن تنصروا الله..
وأقول في نهاية حديثي: لتعلم قواتنا المؤمنة في جميع أرجاء البلد أن الحركة متجهة
صوب الأهداف والمثل الإسلامية العليا، وهذا ما لا شك فيه. وعلى الجميع أن يُعدّوا
أنفسهم ويجهّزوها، وعلى القوات المؤمنة والعناصر الأصيلة والملتزمة في كل أنحاء
البلاد - الذين يشكلون الغالبية الساحقة في البلد والحمد لله - أن يكونوا مستعدين
للعمل. والاستعداد هذا لا يعني الاستعداد للحرب، وإنما يعني الاستعداد للعمل
الاقتصادي والعمل الثقافي والعمل السياسي، والاستعداد للحضور في الميادين والساحات
المختلفة، فليعدّوا أنفسهم لذلك. وعلينا جميعًا أن نكون على جهوزية واستعداد. ويجب
علينا في مواجهة توجهات الأعداء الذين لا يعرفون ليلهم من نهارهم أن نعمل ليل نهار
وأن نكون على أهبة الاستعداد.
وإن وعد الله حق وصدق، ولا ينبغي أن نسيء الظن بالوعد الإلهي. فقد أشرتُ هنا في ما
سبق6 إلى أنه يجب أن نستعيذ بالله من سوء الظن بوعده، لأن الله سبحانه وتعالى يلعن
من يفعل ذلك في قوله:
﴿الظّآنّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوءِ عَلَيهِم دآئِرَةُ
السَّوءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَّ لَهُم جَهَنَّمَ وَسآءَت
مَصيرً﴾7، فقد لعن الله الذين يظنون بالله ظنَّ السوء. وحسن الظن بالله هو أن تؤمن
بقوله:
﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرکُم﴾8، هذا هو حسن الظن بالله، وأن تؤمن بقوله:
﴿لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُه﴾9. فإن كنا حقًا نهدف إلى نصرة دين الله - وهو
المراد من نصرة الله - فلنعلم أن الله تعالى سوف ينصرنا دون أن يراودنا شك في ذلك.
إن تحرّك الإنسان بهذه الروحية، عند ذاك سوف تنزل تلك السكينة التي أشرتُ إليها على
قلوبنا إن شاء الله.
إلهنا! بمحمد وآل محمد اجعل ما نقوله ونسمعه ونفعله لك وفي سبيلك، وتقبله بكرمك
وجودك، واجعل القلب الطاهر لولي العصر راضيًا عنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته
1- عقد هذا اللقاء بمناسبة الجلسة الثامنة عشرة من الدورة الرابعة لمجلس خبراء
القيادة . وقد قدم كل من آية الله محمد يزدي (رئيس مجلس الخبراء ) وآية الله السيد
محمود هاشمي الشاهرودي(النائب الأول لرئيس مجلس الخبراء) تقريره في بداية اللقاء.
2- سورة الفتح ,الآية 4
3- سورة الفتح ,الآية 7
4- سورة الأنعام, جزء من الآية 116
5- وزير الخارجية البريطاني ما بين عامي 1919 و1924
6- كلمته في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء (25/6/ 1389) (2010م)
7- سورة الفتح، جزء من الآية 6
8- سورة محمّد، جزء من الآية 7
9- سورة الحج، جزء من الآية 40